إن التحقيق في جرائم غسيل الأموال لا يقتصر على نصب الكمائن وضبط أشخاص بحوزتهم سلع أو أوراق مالية أو مستندات بنكية، وهم يسعون إلى التصرف فيها بالبيع أو الايداع أو التحويل، بل الأهم في ذلك هو كشف الحقائق لمعرفة ما يرتكب من مخالفات وجرائم أكثر خطورة بقصد الحصول على الأموال التي يجري غسلها.. لذا يجب أن يبدأ التحقيق في جرائم غسيل الأموال قبل تلك المرحلة، يجمع الاستدلالات، ورصد المعلومات، ومتابعة الأنشطة الإجرامية، والممارسات غير المشروعة، التي تعتبر مصادر الأموال التي يجري غسلها، إن اكتشاف الأعمال والأنشطة المؤدية إلى أكتساب المال موضع الغسيل وإثبات أنها أعمال غير مشروعة هي المعضلة التي تواجه أجهزة مكافحة جرائم غسيل الأموال، إن الفشل في اكتشاف مصادر الأموال غير المشروعة التي يجري غسلها الأموال هو أكثر ما يزعج المجتمع.. إذ إنه من المؤكد أن تلك الأموال غالباً ما تكون أموالاً متسربة من الخزانة العامة للدول، أو من أموال رصدت لمشاريع التنمية. يتطلب القيام بالتحقيق في جرائم غسيل الأموال وجمع المعلومات بشأنها الإلمام بقدر من إجراءات التحقيقات المالية كالمراجعة والمحاسبة وفحص المستندات المالية. في الواقع هناك تشابه كبير بين أساليب التحقيقات المالية وأساليب التحقيقات الجنائية، ولا يفرق بينهما سوى النتائج التي يركز عليها المحقق المالي، وتلك التي يركز عليها المحقق الجنائي.. فبينما يسعى الأول إلى كشف جوانب القصور التي تؤدي إلى خسائر مالية ويقترح الاصلاحات الإدارية اللازمة، يسعى الثاني إلى إثبات أو نفي التهمة الجنائية الموجهة لشخص معين، وفي كثير من الحالات يلجأ المحقق الجنائي إلى إجراء تحقيقات مالية لتحقق أهداف إجراءات جنائية يتخذها في جرائم عادية، كالقتل والنهب أو حتى في حوادث المرور وغيرها من الحوادث الجنائية. من المتطلبات القانونية والمالية اللازمة لجميع المعاملات التجارية أن يتم رصدها على وثائق ومستندات ورقية أو الكترونية، لذا من المؤكد أن أي نشاط تجاري يقوم به مرتكبو جرائم غسيل الأموال يتم توثيقه في سجلات ودفاتر المؤسسات التجارية التي يتعامل معها الجاني.. وتشكل تلك الوثائق والمستندات دليلاً كتابياً (DOCUMENTARY EVIDENCE يمكن الاستفادة منه في التحقيق لا شك أنه من الصعوبة بمكان أن تقوم أجهزة التحقيقات بتغطية جميع المؤسسات التجارية أو التحكم في كافة سجلات الأعمال التجارية، ولكن هناك أعمال تجارية محددة ينبغي التركيز عليها أثناء التحقيق، وكذا قبل وقوع الجريمة باعتبارها مصدر معلومات ومستودعاً للأدلة الجنائية، وقد أثبتت الدراسات أنها الأكثر ارتباطاً بجرائم غسيل الأموال وهي: 1/ الفنادق: وهو توفر معلومات عامة عن النزلاء، وفترة تواجدهم في الفندق واتصالاتهم الهاتفية، والكيفية التي تمت بها تسوية تكاليف اقامتهم، كما أن متابعة النزلاء المشبوهين من قبل الأجهزة الأمنية قد توفر معلومات جنائية مهمة. 2/ خطوط الطيران: وفي سجلاتها نجد بيانات عن رحلات المتهم في جرائم غسيل الأموال، والجهات التي يتردد عليها والأوقات التي يسافر فيها، والجهات التي تتحمل نفقات رحلاته. 3/ ومحاولات السفر: تحتفظ معظم وكالات السفر بملفات للعملاء تتضمن بيانات عن أعمالهم ورحلاتهم المحتملة. 4/ شركات إيجار السيارات: تقوم شركات ايجار السيارات بحفظ بيانات متكاملة عن مستأجر السيارات وصور من جوازات سفرهم ووثائقهم الثبوتية. 5/ وكالات السيارات: وتحتفظ بسجلات السيارات التي يتم بيعها مع بيان بطريقة سداد القيمة، وكذا إجراءات الصيانة علاوة على بيانات عن المشتري فرداً كان أم شركة. 6/ سجلات الأعمال التجارية:Business Records وتتضمن أدلة قيمة قد تثبت عمليات التزوير والمعاملات الوهمية ومحاولات التهرب من الضرائب- كما تتضمن تلك السجلات معلومات حول الحسابات المصرفية والمؤسسات الأخرى ذات العلاقة بأعمال المؤسسة موضع التحقيق. 7/ سجلات البنوك التجارية: وهي رصد دقيق لكافة العمليات الحسابية وحركة النقد الأجنبي والتحويلات المالية، ويمكن اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة للحصول على بيانات أو صور من المستندات المالية ذات العلاقة بالتحقيق. 8/ السجلات الجنائية: وتشكل السجلات الجنائية معلومات عن الأشخاص الذين لهم صلة بالمؤسسة موضع التحقيق ولا شك أن تعامل المؤسسة أو المتهم في جريمة غسيل الأموال مع أشخاص لديهم سوابق جنائية مؤشر مفيد لسير التحقيقات. 9/ الشهود: ومنهم المتضروون من معاملات تجارية مع المؤسسات موضع التحقيق، ومنهم الأشخاص الذين قد تتوفر لديهم معلومات بمحض الصدفة. 10/ سجلات الاتصالات: وتتضمن المكالمات الهاتفية واتصالات البريد الالكتروني ذات العلاقة بالشخص موضع التحقيق. 11/ وكلاء حفظ المستندات وعقود العقارات. 12/ سجلات الجمارك التي ترصد حركة الصادر والوارد. 13/ السجلات الرسمية للعقارات: وهي الأكثر دقة ومصداقية لاكتمال الإجراءات وفق ضوابط قانونية معتمدة يصعب التلاعب بها. 14/ سجلات التوثيق في وزارة الخارجية التي تحفظ فيها أحياناً صور المستندات التي توثق لدى الخارجية. لجمع المعلومات المتعلقة بعمليات غسيل الأموال على الأجهزة المعنية وفي مقدمتها الشرطة اتباع منهجاً عملياً يتم تطويره بما يواكب المتغيرات في أساليب الإجرام المعاصر. لواء شرطة متقاعد مدير إدارة المباحث الجنائية المركزية الأسبق