الذكرى السعيدة: نحن الآن على مشارف العقد الثالث من الألفية الثالثة لمولد السيد المسيح الذي بميلاده أنقسم تاريخ البشر إلى قسمين ما قبل الميلاد وما بعد الميلاد.. لقد كان ميلاده سهماً نفاذاً دخل إلى التاريخ فجعله شطرين.. وهذا أمر لم يتح لأي عظيم من العظماء، حتى الذين يجحدون المسيح ولا يقبلونه خاوياً ومخلصاً، لا يملكون إلا أن يؤرخوا أحداثهم بموقعها من ميلاد السيد المسيح مكرهين، دون أن يكون لهم في هذا حيلة أو يكون لهم خبل سلطان، لأن ميلاد المسيح واقع مجيد جعل الكل يتحدث عن ظلمة ما قبل الميلاد ونور ما بعد الميلاد.. فالسيد المسيح هو نور العالم وهو الذي قال أنا هو نور العالم.. سيروا في النور ما دام لكم النور لئلا يدرككم الظلام.. والله نور وساكن في النور.. والمؤمنون يضيئون بنور الله.. يستمدون نورهم من الله، فكل مؤمن يحمل نور الله في داخله قلباً وضميراً.. وكل مؤمن ينشر نور الحق.. والمحبة والسلام والحرية في العالم.. وهناك من البشر من لا يحب النور لكي يحيا في ظلام يستر شروره وآثامه.. ولقد أحب الناس الظلمة أكثر من النور، لأن أعمالهم كانت شريرة، ولأن كل من يعمل السيئات يبغض النور ولا يأتي إلى النور، لئلا توبخ أعماله، وأما من يفعل الحق فيقبل إلى النور لكي تظهر أعماله أنها بالله معمولة.. (يوحنا 3). مواكب الميلاد: وفي كل عام وعندما تأتي ذكرى ميلاد السيد المسيح تبدأ مواكب الميلاد، ويستعد العالم للاحتفال بميلاد السيد المسيح وتظهر أشجار الميلاد الخضراء، ويكسونها كسوة بيضاء كالثلج البارد، الذي كان في أيام ميلاد المسيح، وتنشط جهات البريد العادي والآن البريد الالكتروني لكي تحمل تهاني الميلاد في كروت محبة إلى الآخر.. ويحاول العالم كله أن يملأ الجو البارد بدفء المحبة وحرارة الكلمات الحلوة.. ولا يعتقد أحد أن هذه الفرحة تشمل أمريكا وأروبا فقط، لكن أنا متأكد أن أغلب أرجاء قارتنا السوداء أفريقيا تتحرك حركة روحية نحو الذكرى المجيدة.. وفي العاصمة المثلثة وعواصم الاقاليم، كانت البلديات تملأ الشوارع ومداخل المدن بأشجار الميلاد وبالتهاني الدافئة.. ونحن في غيبة منا- لا أعتقد أنها عن قصد- تاهت منا أنوار الشوارع في الذكرى المجيدة ولكن لم يزل نور الاحتفال وخضرة الأشجار موجودة في داخل بيوتنا.. وفي داخل قلوبنا.. وفي شوارعنا في مواكب المرنمين الذين يحملون صليب المسيح وورود الميلاد ويمرون وهم يرنمون... ويبتهلون.. ويصلون.. ويشقون بصلواتهم طريقاً إلى السماء يؤكد أننا متجاوبون مع ميلاد السيد المسيح والذي هو دعوة للحرية.. دعوة للحرية: ولقد كانت رحلة المسيح إلى العالم وميلاده بين بني البشر كواحد من البشر دعوة للحرية.. الحرية التي لا حرية مثلها، لأنها حرية من عبودية الخطية، فإن حرركم الابن فبالحقيقة تصيرون أحرارا.. الحرية التي تحترم حريات الآخرين.. الحرية التي لا يأخذها الناس فرصة للشر إنما دافعاً للخير، فالسيد المسيح هو ينبوع الحرية الذي تعجز به.. وقد كان الغمر العظيم من الحرية الذي غمر الطبيعة والوجود والزمن، لأن كل من لا يبشر بالحرية لم يلمس المسيح بعد من قرب أو من بعد.. والذي يحيا للمسيح لا يستعبد لأحد.. ويكسر كل قيد يضيع منه حريته، فكثيرون منا يعيشون في قيود الذات.. وقيود الملذات.. ويسجنون أنفسهم في ماض بعيد أو حاضر عليل.. والذين يقتلون ويدمرون من أجل المسيح يجهلون المسيح، فهو ليس في حاجة إلى حرب وإلى دماء أوإلى سلاح، أنه الشعلة الإلهية من الحرية الحقيقية، التي إذا مست كيان الجماعة تتوهج وتمتد وتشع نوراً وتحرق كل ما هو ظلمة أو باطل أو فاسد.. وكثيرون ينادون بالحرية وهم عبيد لملذاتهم، وكثيرون يعيشون في قيود الحبس وهم أحرار، لأن الحرية تنبع من داخل الإنسان.. فالذي يحكم نفسه خير من الذي يحكم مدينة.. ولقد كان بولس تلميذ المسيح يحاكم وهو في قيود الحبس، ولكنه كان حراً من الداخل مما جعل الحكام يرتعبون أمامه... وعندما أراد مجموعة من الناس أن يقبضوا على يسوع وقف في وسطهم تراجعوا كلهم إلى الوراء، وسقطوا على الأرض، لأنهم لم يكونوا احراراً في دواخلهم، وعندما رأوا وجه يسوع اكتشفوا ما في داخلهم من عبودية.. إن ذكرى ميلاد السيد المسيح هي ذكرى الحرية.. وللحرية باب والباب هو القلب وعندما نحيا حرية القلب سوف نحيا الحرية حتى ولو كنا في غياهب سجون العالم..