بعض الناس، يدفأ بهم القلب، ويمتلئ الكون بوجودهم سحرا وألقا. هم ذوو قدرة على تذويب آلامنا، وأصحاب حضور ساحر يملأ المكان شذا فواحا بعبير السعادة والهناء. مثل هؤلاء هم زادنا في الهجير، نستظل بهم في رمضاء القحل، ونتكئ على حضورهم ساعة الإحساس بالخواء، ونمتلئ بهم أملا مشرقا مهما فرضت العتمة سطوتها ! من ذا الذي لا تتعبه دروب الحياة، ومن ذا الذي لا ينهكه الركض القاسي في الكون اللاهث ؟! كلنا ذاك الإنسان، لكن المحظوظ فينا، من يجد متكأ حين يعز السند والنصير، والمحظوظ فينا من يعرف مكامن النسمة اللطيفة حين تهب، فيفتح لها صدره، ويملأ رئتيه من انسيابها، ويستشعر لحن السعادة وإيقاعها في دنيا شائكة الدروب ! أحد معارفي كان دائم الشكوى من وخزات الدنيا، لم أقابله إلا ووجدته متذمرا ساخطا متألما من جور الحياة. سألني يوما عن مكمن الخلل، فلم أعرف كيف أجيب على سؤاله، كل ما هنالك أنه خطر لي أن أقول ما أعرفه، فقلت : عليك باختيار المحيطين بك، أو إضافة عناصر ترتاح إليها ليكونوا ضمنهم. فسعادتنا لا تنزل علينا مطرا من السماء، بل نحن من نصنعها، نصنعها حين ندس أنفسنا وسط من نحب، ونصنعها حين يمتلك المحيطون بنا طاقة الإسعاد. رأيت عيني صاحبي تلتمعان، وكأنني قد أضأت له دربا ملأته الظلمة ! وفي الحقيقة لا أعرف ما حدث له ولا ما دار في خاطره، كل ما أعرفه .. أنني لم أجده بعدها شاكيا أو باكيا أو متذمرا .. أبدا أبدا !! نبوح أحيانا بتجاربنا الصغيرة، ولا نكون واثقين من أنها قد تحقق شيئا ذا بال، فإذا بها تفتح أفقا لا نهائيا من عوالم السعادة، وإذا بها تزلزل أركان الكآبة وتدفع جيوشها لقيعان الهزيمة . كل منا تتنازعه كآبة المسير في رحلة الحياة، وكل منا يحتاج لمن يربت على كتفه، لمن يسأل عنه، لمن يأنس به، لمن يصطفيه ويهنأ بقربه وأنسه.. والدنيا تزخر بهؤلاء، هؤلاء القادرين على تزويدنا برشفات الاطمئنان، فتمتلئ بهم قلوبنا هدوءا وطمأنينة وانفتاحا على الحياة. هؤلاء موجودون، لكن وعثاء السفر تشغلنا عن فيئهم الوارف، وتنسينا أنهم قريبون، وحين نكتشف وجودهم، نعرف كم عانينا من الهجير، وكم كابدنا الظمأ ونحن على مشارف الكوثر ! أمعنوا النظر يا قوم .. أمعنوه فيمن حولكم، استكشفوا طاقة السعادة في محيطكم، فلعلها قريبة بأكثر مما تظنون. نقبوا عن السعادة، ولا تنتظروها تهطل من السماء، فالسعادة قيمة .. نصنعها، أو يصنعها من نصطفيهم ليفوحوا أريجا في دنيانا.