من عجائب مدينة دامر المجذوب، مدرستها الشمالية- سابقاً- مدرسة البروفيسور عبد الله الطيب -حالياً - محاطة بحديقة جميلة وسجن حصين، ومبني المحافظة الجميل والمقابر، حيث تزحف نحو القبور دون خطة أو نظام، ومن حكايات المدرسة التليدة أن تلاميذها في سبعينيات القرن الماضي اشتهروا عبر إذاعات البي بي سي، وصوت العرب، ومونتكارلوا، في غزو حميد، معلقين على برامجهم ومشاركين في حواراتها المفتوحة على الشعوب، فأصبحت تأتيهم المراسلات من شتى أرجاء العالم، الشئ الذي ظنه أمن مايو تخابراً فالقى عليهم القبض، ولكن سرعان ما أطلق سراحهم بعد أن تبين لهم إن تلك الرسائل الواردة لهم من كل الأقطار، مراسلة أصدقاء جمعهم حب الأثير. من تلاميذ تلك الحقبة الإذاعي الشهير مزمل سليمان حمد، الذي يعمل الآن بإدارة الأخبار بالإذاعة السودانية، وكان وقتها رئيس تحرير صحيفة القبس التي بدأ بها مسيرته الإعلامية، مدفوعاً بتشجيع كبير من أستاذه علي عطية حاج مجذوب، أستاذ التاريخ والجغرافيا، والمشرف على الجمعيات الأدبية، وهو رجل يحفظ له مزمل جميل وفاء وتقدير، فقد كان يمد الطلاب بالمجلات والدوريات الأدبية، ويؤم حلقات المطالعة والإطلاع، مزمل يتذكر جيداً زميلاً له كان ينافسه في تقديم البرامج والقراءة، اسمه أيمن سعد عوض، كان والده في تلك الحقبة محافظاً للمديرية الشمالية، ولكن منذ تلك الفترة لم يلتقيا، وفي داخل مزمل شئ من يقين أنهم حتماً سيلتقيان، الم يقل الشاعر:(وقد يجمع الله الشتيتين بعدما يظنان كل الظن ألا تلاقيا). في بداية المرحلة الثانوية ترك مزمل سليمان الدراسة وتفرغ لمعاونة والده الذي مرض، ولكنه لم يترك المراسلة والاستماع للإذاعات، وهي ذات الفترة التي انطلق فيها بث إذاعة عطبرة، فذهب مزمل إلي مدينة الحديد والنار، ليهنئ إدارة الإذاعة، التي كان يديرها الإذاعي المخضرم عمر عثمان، والمذيع الفنان صاحب (الأمل) الدكتور عوض إبراهيم عوض، فرحبا به أيما ترحيب، وكان للأستاذ عمر عثمان برنامج يستضيف فيه المهنئين والزائرين اسمه (زوار الإذاعة)، فاستضيف مزمل في أول إطلالة عبر ميكرفون عطبرة، وبعد الاستضافة طلب منه الأستاذ عمر عثمان أن يتعاون معهم إن كان يحب العمل الإذاعي، فكاد مزمل أن (يطير) فرحاً وسروراً، ولكنه رحب بتواضع متمنياً أن يكون قدر هذه الدعوة، خاصة وأنه سيعمل مع القامة الإذاعية عمر عثمان والمذيع النجم عوض إبراهيم عوض. عاد مزمل طالباً من منازلهم ليكمل دراسته، ومذيعاً بإذاعة عطبرة مقدماً لبرنامج (أضواء المدينة)، وكان معه في تلك الفترة مجدي صالح بابا، ومحمود الريح، مع أضواء المدينة، استطاع مزمل أن يجتاز المرحلة الثانوية بنجاح وتفوق، ويلتحق بمعهد التربية بشندي، فأصبح مزمل متجولاً- كما هو الآن في الإذاعة يسبق الأخبار- بين شنديوعطبرة، حيث الإذاعة وأضواء المدينة. رغم أن مزمل كان داخله، وربما ما زال معلماً، إلا أن المخرج الإذاعي الكبير كمال عبادي ومدير الإذاعة الأسبق الدكتور صلاح الدين الفاضل، حولا مسار حياته من السبورة للميكرفون، فعبادي أجاز لمزمل برنامجه الثاني (لكل مقال مقام)، فنمى داخله حب كبير للعمل الإذاعي، ويقول مزمل أن المخرج كمال عبادي في تلك الفترة اكتشف صوتاً إذاعياً جديداً هو معاوية عثمان خالد، الذي يعمل الآن ناطقاً رسمياً باسم الخارجية السودانية. طريق مزمل للإذاعة السودانية بدأ برسالة نهر النيل، بعد أن بدأت الإذاعة القومية تفعيل مراسليها من الولايات، وتميزت رسالة مزمل سليمان بتوقيع جميل ما زال صداه يتردد في الآذان، حيث كان يختم رسالته بقوله (سلامٌ من الله عليكم ورحمة منه وبركات).. ويقول مزمل بعرفان وحفظ جميل الأستاذ الكبير الراحل محمود أبو العزائم- مدير الإذاعة والتلفزيون الأسبق- له فضل كبير علينا، فالرجل قد خص مراسلي الإذاعة في تلك الفترة بثلاثة أعمدة، كانت شهادة كبيرة في مسيرتنا في العمل الإذاعي. يمضي مزمل سليمان في عمله بجهد وصبر ومثابرة، وحب كبير لعمله، ويقول في ختام حديثه ل(آخر لحظة): إنه يوم أن يشعر بأنه موظف سيترك الإذاعة، لأن العمل الإذاعي لا يحتمل قيود الوظيفة والتوظيف، فالإذاعي كل وقته للإذاعة.