أصبح الحلم واقعا بعد أن انعقد المؤتمر التأسيسي الأول للجبهة الوطنية العريضة بالعاصمة البريطانية (لندن) في الثلث الأخير من أكتوبر المنصرم، وخرج المؤتمر بعدة مقررات من بينها التأكيد على إسقاط النظام لإعادة الديمقراطية. وأكدت الجبهة الوطنية العريضة في بيانها التأسيسي أن من أهم أهدافها أن تعمل، بمجرد إسقاط النظام، على تنفيذ ما تبقى من إتفاقية السلام الشامل بكل صدق وشفافية، وإقامة الدولة المدنية بالتأكيد على أن المواطنة هي الأساس الوحيد دون غيرها لكل الحقوق والواجبات، وتطبيق النظام الفدرالي الحقيقي بين أقاليم السودان السبعة المتمثلة في (الجنوب، دارفور، كردفان، الأوسط، الشرق، الشمال، والعاصمة القومية)، وأن يكون على رأس الدولة مجلس مكون من رئيس وسبعة نواب (من كل أقليم نائب للرئيس)، وبذلك يدير كل أقليم شؤونه من جهة ويشارك في إدارة وقيادة الوطن بالتساوي مع باقي الأقاليم على مستوى رئاسة الجمهورية، وتحقيق التنمية العاجلة والشاملة في دارفور، والعمل على تنمية الشرق وباقي الأقاليم، وكذا إعادة بناء السلطة القضائية والأجهزة العدلية، وتعديل كافة القوانين المقيدة للحريات ترسيخاً لحرية الفرد وكرامته ومنع الاعتقال التعسفي وتأكيد حرية النشر والصحافة والتجمع. بالإضافة لإعادة المفصولين سياسياً أو تعسفياً من الخدمة العامة والقوات النظامية وتعويضهم تعويضاً عادلاً وعاجلاً، وإعداد دستور دائم يعبّر عن التنوع والتعدد والحرية والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والسلطة، وإجراء إحصاء سكاني جديد، وإجراء إنتخابات تعددية عامة حرة ونزيهة على أساس التنافس الديمقراطي في بيئة من الحرية وسيادة حكم القانون. وقالت الجبهة الوطنية العريضة المعارضة إن عضويتها مفتوحة لكل سوداني وسودانية في كل أقاليم السودان وفي كل دول المهجر، مؤكدة على أنها ليست حزباً سياسياً ولا تهدف إلى احتواء أو تذويب أيٍّ من القوى السياسية أو الحركات المختلفة. وكان رئيس اللجنة التحضيرية للجبهة، علي محمود حسنين المحامي، قد وصف في خطابه الذي ألقاه في فاتحة أعمال المؤتمر، وصف نظام الإنقاذ بأنه مصدر كل المشاكل التي يعاني منها الشعب السوداني، مضيفاً بأنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يتم صلح أو سلام أو استقرار في ظل هذا النظام ولذلك جاءت الدعوة الى جبهة عريضة تقوم على ركيزتين هما السعي الجاد لإسقاط حكم المؤتمر الوطني والامتناع عن الدخول في أي حوار معه، مبينا أن العمل الجبهوي ظل هو السبيل المجرب في تاريخ النضال السياسي. وتجيء أهداف الجبهة - بحسب حسنين - في العمل على إسقاط النظام القائم لجهة تنفيذ ما تبقى من اتفاقيات وإجراء الاستفتاء بشفافية وجدية، والعمل على أن يكون خيار الجنوب هو الوحدة. وطالب حسنين بانتهاج سياسة خارجية تقوم على مبادئ الحرية والديمقراطية والتعددية والندية وسيادة حكم القانون وعدم التدخل في شأن الآخرين إضراراً بمصالح الشعوب وتقوم على المصالح والمنافع المشتركة والمتبادلة واحترام كل الاتفاقات الدولية، وإعداد دستور دائم يعبّر عن التنوع والتعدد والحرية والمساواة والديمقراطية والتوزيع العادل للثروة والسلطة، والالتزام بقيم الديمقراطية التعددية وسيادة حكم القانون، ثم إجراء انتخابات تعددية على أساس التنافس الديمقراطي في بيئة من الحرية والمساواة وحكم القانون. الجبهة لم تغفل في خطابها الوضع الاقتصادي حيث ترى أن السياسة الاقتصادية قد أفقرت المواطنين وارتفع خط الفقر الى نحو 95% في الدولة، مؤكدة عزمها على تقويم المسار الاقتصادي في جوانبه كافة ومراجعه أداء المصارف والتحقيق في كل الانحرافات وإعادة توزيع الثروة وتوظيفها في النماء والتنمية والرخاء وإسعاد الإنسان السوداني. وأوصت الجبهة بضرورة الاهتمام بالإعلام بكل أنواعه، والاهتمام بتطوير سياسة السودان الخارجية مع المجتمع الدولي وجيرانه من الدول الأخرى. رئيس المجلس التشريعي لحركة العدل والمساواة، عضو الجبهة، أبوبكر القاضي، أشار في ورقته التي قدمها في المؤتمر إلى أن ذاكرة الشعب السوداني غنية جدا بتجارب العمل الجبهوي المشترك، منها الجبهة المعادية للاستعمار، جبهة الهيئات أكتوبر 1964، الجبهة الديمقراطية فى النشاط السياسي الطلابي وجبهة الميثاق الإسلامي في عهد أكتوبر 1964، الجبهة الوطنية لإسقاط نظام مايو 1969، الجبهة القومية الإسلامية فى عهد الديمقراطية الثالثة 1985 الى 1989، التجمع الوطنى الديمقراطى لإسقاط نظام الإنقاذ وجبهة الخلاص الوطني 2006 وهذه الجبهات المتعددة عبر مسيرة النضال السياسي الوطني منذ قبل الاستقلال والى اليوم أكدت - بحسب القاضي - أن العمل الجبهوي العريض هو أفضل الطرق لحل المشاكل الوطنية الكبيرة المشتركة بين الناس، مبينا أن العمل الجبهوي العريض هو الصيغة المناسبة لاستعادة الديمقراطية (بمشاركة الجميع) في وطن متعدد الأعراق والثقافات والأديان، على اعتبار أن أية جبهة (وطنية) تستمد قيمتها وأهميتها من حملها وتعبيرها لهموم أكبر قطاعات من الشعب السوداني. الجبهة العريضة في وثيقتها الأساسية لإعادة بناء الدولة السودانية تبنّت مبدأ أن هناك اختلالاً واضحاً في موازين السلطة والثروة في البلاد منذ العام 1956م، مؤكدة فشل إدارة النظم التي تعاقبت على حكم السودان الأمر الذي قاد إلى إحداث خراب هائل فى البنيات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية. وطالبت الجبهة بالتصدي بكل الوسائل المتاحة لإنقاذ البلاد من الإنقاذ بإزالة هذا النظام ومعالجة جذور المشكلة السودانية، وإعادة تشكيل وتركيبة الحكم الاجتماعية والبنيوية، وفتح الأبواب على مصراعيها لرياح الحرية والانعتاق، والعدالة والتنمية، الديمقراطية والشفافية، النزاهة والتغيير. المؤتمر الوطني من جانبه قلل من مدى تأثير الجبهة الوطنية العريضة واعتبرها (زوبعة في فنجان). وهو رأي يتفق فيه مع أنصار المؤتمر الوطني عدد من المراقبين باعتبار أن جميع الجبهات التي شهدها تاريخ السودان الحديث قد مُنيت بالفشل في تحقيق أهدافها!!