لن يفهموا الأصفر حتى تحترق لن يفهموا الأصفر حتى أحترق لن يفهموا الصفر حتى يحترق! لن يفهم الأصفر كيف احترقنا، لن تفهم الكلمة، لن يسطع الآخرون يا صديقي الأخير (فان جوخ) يا نبي الفراش.. ورب الرماد. (ديوان متاهة السلطان الشاعر الصادق الرضي) { بوابة حمراء: منذ زمن بعيد كانت اللوحات تكمن في أقبية المراكز الثقافية الأجنبية وصالات عرضها وطول مدتها، وفي عيون المتابعين لحركة التشكيل في عمومها - رسماً ونحتاً وتصاميم ونسيجاً - تنجز ما تبقى من مهمتها اللونية إما استخداماً مباشراً أو غير مباشر بالولوج إلى ما يعجب الروح زيّاً أو لوحة منتقاة أو منحوتة تبصم بأصابع نحاتها على ورق أبيض لمزاجك. { بوابة أخرى: الآن تغير المزاج العام وتمردت الألوان بفعل فاعل فنان على الأقبية وصالات العرض الصفوي، بل وحتى بوابات المحلات التجارية للأقمشة، واحتلت كل الأمكنة الممكنة لاتساعها، فظهرت اللوحات خلفيات مبهجة لديكورات القنوات الفضائية، وجمّلت الشوارع الباهتة بلوحات عريضة ترفض المخدرات والانفصال والتمييز السالب لكثير من الأشياء والناس.. زيّنت بوابات المراكز والمطاعم والشركات.. غيّرت من حياة السادة في الأقمشة والثياب النسائية والشالات والعمم الرجالية! بسطت سحرها على وجوه الأطفال ورداً وعصافير وتمنياً، فتحت لنا أبوابها الأرجوانية فتغيرت عدساتنا البصرية وصرنا نرتدي الألوان شمساً صباحية يومية، ومساءً متسقاً ليلياً. وليالي المعارض التشكيلية القديمة كانت تحميها الحراسة الشخصية لعلاقات الفنان العارض وأصدقائه وزملائه لذلك لم يكن مقدّراً لأحد ما غريب المزاج أن يلج صالة عرض تشكيلية بدون مرافق محتمل، وإذا شئت إن لم تكن لك رفقة مأمونة فلا تتجرأ بالذهاب، فالنظرات من الفنانين وحراسهم تجعلك منبوذاً واضحاً فتبتعد قدر استطاعتك ولو كنت من المؤلفة قلوبهم لحب الألوان وتشكيلها. لكن رويداً، رويداً ارتاحت نفوس وألوان الفنانين أكثر وقرروا التمدد أكثر بين الناس العاديين - ربما ملّوا تكرار وجوه العرض كل مرة! - ففتحت الصالات غير الأجنبية ونشرت الألوان على الشارع تمشي بينهم ويشمون رائحتها ومزيجها، وغيّرت لا ريبة من سلوكيات عديدة للشباب الذين يرون في التشكيل بوابةً للتمرد الأنيق لكن لم يحسنوا الدخول عبرها إلا عبر المعارض - حيث كان المنتسبون لكلية الفنون الجميلة هم حركات تمرد مستحبة على مضض في مجتمع العلم التطبيقي والنظري. وبسبب عديد من العقول المتفتحة لبعض التشكيليين الذين يرون أن الفن التشكيلي هو حياة للناس وليس كماليات جمالية، ويؤمنون أن كلية الفنون الجميلة ليست مجرد خيار أخير لمرفوضي الكليات الأخرى في القبول للتعليم العالي، وليست كذلك مفرخة للمجانين أو عديمي الفائدة العملية ما بعد التخرج، وأن الفنان التشكيلي ليس هو مجرد مزاج متلوّن لا يغني ولا يشبع من جوع، وبسبب أسماء كبيرة وناجحة ومميزة على مستوى المجتمع المحلي والإقليمي والعالمي، حسنا، وقليلاً بسبب العولمة والانفتاح العالمي، تغيرت النظرة الغريبة عن التشكيل في العموم وعن الفنانين التشكيليين على وجه الخصوص، وصرنا نستمتع به كبشر عاديين نخاف من برودة التصاق اللوحة على حائط العرض ومن بعد المسافة للمكان أو اللوحة أو الفنان ذاته! والآن بالذات صرنا نستمتع بالمعرض الفني الدائم المعلق على بعض الفضائيات المحلية التي ارتأت في اللوحة المرسومة بألوان طازجة وبنفس فنان سوداني الخيار الأمثل لخلفية الأستوديو، فظهرت وجوه الضيوف وأشرقت المحطات بالألوان وصار من الطبيعي أن يكون المساء مساءً والصباح صباحاً في الشاشات! وتغيرت فكرة الديكور القديمة (من كل بستان زهرة) التي لم تتواءم يوماً مع وجود مهندس ديكور أو حتى عماله في قوائم التنفيذ للبرامج! قد تكون برمجة عقولنا بطول مدة احتراق الألوان فيها، لم تزل تستطعم الرمادي والمسيخ منها ولم تتعود بعد على مزيجها المتناقض والساحر، لذلك سننفق وقتاً مقدراً للانتباه إلى أن الخلفيات في الاستوديوهات هي معرض طازج الصنع وأن اللوحات في المستشفيات هي حية وصحية بالألوان وأن لغة الألوان تحتاج بلا شك إلى توضيح وكتابة وهي مهمة أخرى للفنانين التشكيليين للاهتمام بالنقد والتوثيق للفن التشكيلي، كي نفهم لغة اللون، وحديث الفراشات وسطوع البوابات الأرجوانية قبل احتراقنا فيها!