في الحلقة الأولى طرحنا عدداً من الأسئلة التي شكلت عرضاً عاماً عن ظاهرة الغلاء التي تضرب بلادنا، فتعرفنا في الحلقة الثانية عليها وعلى أسبابها وحمّلنا كل طرف مسؤولياته وإخفاقاته بعد أن أدركنا المشكلة وحجمها وتأثيراتها الخارجية والداخلية، ولم يعد أمامنا إلا استعراض خطط الحكومة حيالها وأدائها في تنفيذ هذه الخطط، وقبل كل ذلك هل تدرك المشكلة تماماً؟ وهذا ما ستجيب عليه حلقاتنا الثالثة هذه والرابعة والخامسة والسادسة، أما الحلقة السابعة فسنخصصها للواجبات الوطنية الملقاة على عاتق الحكومة والشعب. نبدأ بالقمح لأهميته التي تأتي به أولاً.. ينتج العالم منه (677) مليون طن، تتصدر الصين الدول المنتجة ب (112) مليون طن وتليها الهند ب (79) مليون طن، وهاتان الدولتان تستهلكان كل إنتاجهما من القمح لكثافة السكان فيهما، وتليهما الولاياتالمتحدةالأمريكية ب (68) مليون طن وهي تتصدر الدول المسهمة في تجارته الدولية التي يبلغ متوسطها (121) مليون طن، في حين يبلغ متوسط الاستهلاك العالمي للقمح (620) مليون طن، وتحتكر ست شركات تجارة القمح الدولية، أربعة منها أمريكية والخامسة فرنسية والسادسة سويسرية، وهذه الشركات تتحكم في العرض وبالتالي في أسعاره، وهذا ما جعل الولاياتالمتحدة في سبعينيات القرن الماضي تحرق مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة بالقمح من أجل التحكم في أسعاره، وعملت في ذات الوقت على تغيير النمط الغذائي لكثير من البلدان وجعلها تعتمد على القمح عبر مساعدات مجانية لتلك الدول التي تعتمد على سلع أخرى غير القمح، ومن ثم رويداً رويداً تقلل من الكميات حتى وصلت بها إلى مرحلة الشراء وتركتها وشأنها تلهث خلف القمح الذي لم تكن شعوبها تعرفه من قبل. أعلي معدل إنتاج من القمح في السودان كان سنة (2008/2009) وبلغ (641) ألف طن، وأقل معدل كان سنة (2001/2002) وبلغ (247) ألف طن، أما متوسط استهلاك السودان من القمح فهو (2) مليون طن، ولذلك فإن الشقة بعيدة جداً، وذلك بسبب البيئة القاسية في بلادنا التي لا يحتملها القمح، بالإضافة إلى فشل الأبحاث الزراعية في التوصل إلى عينات تحتمل حرارة الجو في بلادنا، ولهذا لم يتجاوز الإنتاج في بلادنا منذ أن غيرت نمطها الغذائي إلى القمح نسبة 25% من استهلاكها منه. هذا في جانب القمح، أما في جانب الدقيق وبنيته التحتية فإن الحكومة قفزت بالمطاحن عبر شركات خاصة قفزات كبيرة في تقنيتها وطاقتها الإنتاجية، وقد كانت المطاحن قبل العام 1997م تعمل بطاقات إنتاجية ونسب استخلاص متدنية، وكانت تعجز عن الإيفاء بحاجة البلاد من الدقيق، أما الآن فإن الإنتاج من الدقيق يبلغ (9580) طناً في اليوم، والاستهلاك (3500) طن في اليوم، وبهذه الطفرة استطاعت الحكومة القضاء على الندرة في سلعة الدقيق، ولكن إستراتيجيتها في الاكتفاء الذاتي من القمح لم تنجح بسبب تدني أسعار القمح في بعض الأحيان مثلما حدث في العام الذي شهد أعلى إنتاجية فأحجم المزارعون عن زراعته. من الخطط التي تمضي فيها الحكومة تشجيع المطاحن الكبيرة مثل (سيقا) التي تعمل على زراعة (125) ألف فدان في العيلفون والواحة وبأبو حمد، و(سين) التي تخطط لزراعة مساحات واسعة بنهر النيل، بالإضافة إلى مشروعات أخرى مثل الراجحي؛ على استزراع القمح. كما تخطط الدولة لزراعة مليون فدان في مشروع الحوض النوبي، كما تخطط للتوسع في زراعة الذرة وتصديرها لا سيما أن متوسط سعرها العالمي (250) دولاراً للطن الواحد، ومن ثم توجه عائدات الذرة في استيراد القمح بواقع (325) دولاراً للطن وسد الفجوة دون أن يتأثر احتياطي البلاد من العملات الأجنبية. أعتقد أن الدولة نجحت في القضاء على الندرة، والناس يذكرون صفوف الخبز، وعليها أن تتغلب على عوامل طبيعية تعترض طريق توطين القمح في بلادنا، وأن تمضي في خياراتها لعلاج جذري.. غداً بإذن الله سنكون مع سلعة السكر.