وُلد في قرية (ناوا) بالولاية الشمالية، حاصل على بكالرويوس في اللغة الانجليزية وآدابها.. وأيضاً لديه دبلوم في اللغة الفرنسية، عمل مدرساً ثم انتقل إلى السلك الدبلوماسي، فعمل مستشاراً بسفارة السودان في كنشاسا 1975-1976 ثم وزيراً مفوضاً 1977-1979، فسفيراً 1980، وسفيراً فوق العادة 1987، عمل محرراً ومراسلاً لبعض الصحف السودانية والعربية، وشارك في العديد من المؤتمرات الرسمية واللقاءات والمهرجانات الثقافية. هو شاعر إنسان.. يطرب للأشياء التي تستدعي الطرب.. ويحزن للأشياء التي تستدعي الحزن، كما أنه خبير بالشعر وشديد العناية بالكلمات وحيوية الأسلوب.. يفخر السودان بأن يكون أحد أبنائه.. كيف لا وهو الذي كتب: «يا بلدي يا حبوب يا أبو جلابية وتوب». إنه الشاعر الكبير «سيد أحمد الحردلور» في حوار شديد العذوبة مع «الأهرام اليوم»: { حدثنا عن الزخم الإبداعي في حياة الحردلو، فهو شاعر ومدرس ومستشار ووزير مفوض، وسفير ثم سفير فوق العادة؟ - هذا الزخم الابداعي بدأ منذ الطفولة، فأنا منذ «الوسطى» مغرم بالقراءة، فقد كنت أطالع سلسلة (إقرأ) المصرية في الإجازة، حوالي (50) كتاباً، وقرأت لكبار كتاب الشعر المصري، وبدأت أكتب الشعر وأنا في المرحلة الوسطى، ثم قرأت الأدب الإنجليزي بجامعة القاهرة بمصر.. { مقاطعة :هل اختياركم كلية الآداب (الأدب الإنجليزي) كان عن قصد؟ - بالتأكيد، وأفادتني هذه الدراسة بشكل كبير، وفتحت آفاقي للأدب العالمي. { ماذا فعلت بعد أن أنهيت دراستك للأدب الإنجليزي؟ - بعد أن أنهيتها، وقبل أن أعود إلى السودان، قدمت شهاداتي للملحق الثقافي بالقاهرة، ثم عدت إلى السودان وعملت مدرساً للغة الإنجليزية بالأهلية الثانوية بأم درمان، ولكن ليس لفترة طويلة، فقد جاءني خطاب من السفارة المصرية حتى أجلس للامتحان، والحمد لله جلست ونجحت. { ما كان دافعك للانتقال إلى سلك الدبلوماسي.. برغم التناقض الذي قد يبدو بينه والشعر؟ - بالتأكيد هناك تناقض بينهما، فالشعر هو لغة الانفجار، والدبلوماسية لغة الهمس، إلا أنني أردت من خلال التحاقي بالعمل الدبلوماسي أن أجوب العالم وأكتسب التجارب والخبرات. { ماذا عن اعتقالك إبان الحكم المايوي؟ - كنت مسؤولا عن الإعلام في السفارة السودانية في لندن، وفي يوليو 1971 تصادف وجود بابكر النور وفاروق حمد الله، عضوي مجلس ثورة نميري، في لندن، في ذلك التوقيت، وفي يوم 19 يوليو الساعة السابعة مساء اتصل بي صحفي من «الديلي ميلر» ، وقال لي: «تلقينا خبرا بأن هناك انقلابا في السودان وقائده هو هاشم العطا»، وطلب مني أن أعلق على الخبر فقلت له: لا تعليق، وعلى الفور اتصلت بالسفير ولم أجده وتركت له رسالة، وهذا الحدث كانت له ضجة إعلامية كبيرة في لندن، لأنه انقلاب شيوعي في قلب أفريقيا، وأصبحت السفارة عبارة عن خلية نحل من كثرة الإعلاميين، وبعد ذلك سأل نميري عن المسؤول عن الإعلام في السفارة، فقالوا له: الحردلو، فاعتقد أنني شقيق الحردلو مرتكب المجزرة، فأمر بإرجاعي إلى السودان وتم اعتقالي. { الحردلو شاعر صاغ مفردة السياسة.. ولكن هل توقفت قيثارة الشعر عند محطة (يا بلدي يا حبوب)؟ - أبداً، أنا لدي أشعار أفضل من هذه القصيدة التي أثارت ضجة كبيرة منذ أن تغنى بها وردي وحتى يومنا هذا، لأنها عبرت عن السودان بمختلف جنسياته وسحناته وأعراقه، والكثيرون طالبوا بأن تكون النشيد الوطني، فهي كانت نتاجاً لمحبة السودان في قلبي وللظلم الذي وقع عليّ، فقد صغت كلماتها بعد أن خرجت من المعتقل في يناير 1972.. وفي طريقي إلى مدينة بورتسودان، وأنا في القطار الدائري، حططت رحالي في مدينة كسلا، وفي الصباح عزمت على زيارة كل معالمها التي أسمع عنها.. فأولاً ذهبت إلى جبال التاكا وشربت من مياه توتيل وزرت ضريح سيدي الحسن ورأيت القاش وذهبت إلى السواقي، كل هذا كان في يوم واحد، ثم بعد ذلك توجهت إلى السكة حديد حتى أتابع رحلتي إلى بورتسودان، ولكنهم أفادوني بأن القطار لا يأتي إلا بعد يومين، مكثتهما برفقة أحد الأصدقاء، وخلالهما كتبت جزءاً من (يا بلدي يا حبوب).. وأتممت الباقي في القطار وأنا في طريقي إلى بورتسودان. { الحردلو الإنسان يرى السودان يتمزق ولا يحرك ساكناً.. هل كفرت بالأنظمة والشعارات التي يرفعها الجميع من أجل الوحدة؟ - على العكس.. إنني لم أكفر بالشعارات التي ترفع من أجل الوحدة، ولم أكفر بالأنظمة، ولدي أعمال للوطن.. فأنا شاعر وإنسان قومي، ولائي للسودان وحزبي هو السودان، وليس لديّ أي عداء مع أي حزب ولا انتماء، فأنا مع وحدة السودان جغرافياً وبشراً وشجراً وحجراً ونهراً، ولكني أخشى أن ينقسم السودان إلى خمس دويلات بسببنا وبسبب التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية وعلى رأسها إسرائيل وأمريكا، فالسودان هو سيد الحضارة الأولى في العالم زمان النوبة الأوائل، وكانت تمتد حدوده من البحر الأبيض والشام إلى الصومال وبحر القلزم (البحر الأحمر) وجنوباً وغرباً إلى غانا وغينيا والسنغال، وتاريخ السودان يضرب في القدم إلى مئتي ألف سنة، ومن عظمائه سيدنا موسى الكليم وسيدنا الخضر أعلم علماء زمانه، وسيدنا لقمان أحكم حكماء زمانه، ومن السودان الملوك «كاتشا وبعانخي والكنداكا وترهاقا، ذلك التاريخ وهذه الجغرافيا وهذا المجتمع وذلك الحلم لا يستحق أن يتشرذم إلى دويلات، وأقول الآن إذا تم انفصال الجنوب، وأكاد أراه رأي العين، فإن ذلك اليوم سيكون بمثابة يوم الهول العظيم في السودان. { اللافت للنظر في كل أشعار الحردلو الحنين إلى الجذور والقرية و(الحِلّة) والمسرجة و(الفانوس) و(الرتينة)، ونلاحظ أن أغلب أشعاره بها لمسة حزن غير مبررة، حتى لو كانت القصيدة تدعو إلى الفرح، فما السر في ذلك؟ - الحزن دفين في أعماق الإنسان السوداني لأنه يملك أغنى وطن في الدنيا ويعيش في أفقر وطن. { دائماً ما تميل إلى الرمزية؟ - أنا أكتب شعرا رمزيا وغير رمزي، والشعر باستمرار لا يخلو من الرمزية. { لماذا في السودان وفي دول العالم الثالث نجد أن شعراءنا وأدباءنا غير مقيّمين ولا ينالون حقوقهم كاملة؟ - نحن في العالم الثالث وفي السودان بالذات نحتفل بمبدعينا بعد أن يصيروا في رحاب الله، ولا نحتفل بهم ونعطيهم حقهم وهم أحياء، وهذا أمر مؤسف للغاية، فنحن حقوقنا كشعراء مهضومة وأسماؤنا منسية، مع أننا أكثر شعب يحب القراءة والشعر، فالعيب ليس في الشعب السوداني وإنما في أجهزتنا الإعلامية. { الحردلو الكاتب المثقف والشاعر المرهف كتب للساقية والتربال والدكتور والمهندس والطالب، فكيف تشكلت كل هذه الباقة؟ - أولاً لأن «ناوا النوبية» و«تنقاسي العربية» كان لهما كبير الأثر في هذا التكوين، وثانياً لأنني أحب السودان وأحب أهله، ومن خلال تسفاري الكثير أعتقد أن هذا الشعب من أعظم شعوب العالم لما يتميز به من سجايا ومناقب ونبل وكرم، وهو كما أسلفت يملك أغنى وطن ويعيش في أفقر وطن، ويكفيه أنه بلد النيلين والحضارات الأولى. { ما الذي يروي الحردلو شعراً ونثراً؟ - ما زال الحردلو ظمآنا للشعر وأكثر ما يعجبني هو الجمال. { في أي أنواع الشعر تجد نفسك؟ - أجدها في الشعر الجميل، في الفصحى والعامية وفي الشعر السياسي، سواء أكان شعري أم شعر غيري . { أين أشعار الحردلو للفنانين الشباب؟ - أنا لا أتسول الفنانين وأقول لهم «تعالوا غنوا ليْ» فكل الفنانين الذين تغنوا لي لم أعطهم قصائد.. فقد كانوا يأخذونها من الجرائد التي تنشر لي، وهناك الكثيرون الذين جاءوا لي وأنا لم أعطهم أعمالا وندمت بعدها، ومن هؤلاء الفنانين عثمان حسين.. أنا نادم جداً لأنني لم أعطه أغنية. أما هذا الشباب الواعد فأنا ليس لدى مانع في التعامل معه وأعطيه أشعاري إذا جاء إليّ. { أخيراً، لمَ يشكل الحردلو رأياً سالباً حول برنامج (أغاني وأغاني)؟ - برنامج السر قدورو أنا أعتبره برنامجا مضرا بالأغنية السودانية لأنه يركز على أغاني الحقيبة دون أن يركز على أعمال هؤلاء الفنانين الشباب الجديدة.