كلما تحدث الناس عن فساد، أو فاحت رائحة للفساد هنا أو هناك.. جال في خاطر الكثيرين خط الدفاع الأول؛ البرلمان، الذي يعلقون عليه الآمال في الوقوف للفساد بالمرصاد والتصدي لمرتكبيه. الأستاذ محمد الحسن الأمين، التقيناه في هذا الحوار كواجهة نيابية لا تخطئها أعين مقلبي التاريخ البرلماني السوداني في العقود الأخيرة. شغل مؤخراً منصب نائب رئيس المجلس الوطني المعين «السابق» قبل أن يعود في المجلس الوطني الحالي ممثلاً لحزبه عن دائرة الريف الشمالي كرري. مثّل حزبه كذلك في موقع أمين الهيئة البرلمانية لنواب الجبهة الإسلامية القومية في الديمقراطية الثالثة وعرف حينها بنظامياته التي كثيراً ما شغلت الناس وارتبطت باسمه؛ (نقطة نظام). تقلد رئاسة اللجان الشعبية بولاية الخرطوم بعد ثلاثة أشهر فقط من قيام ثورة الإنقاذ، وكان رئيساً للجنة التي قامت بالاحتفال بالذكرى الأولى ليونيو، وفي العام 1990م عُين نائباً لحاكم الولاية الشمالية سابقاً، وهي المرحلة الإنقاذية الأولى التي بدأ فيها ظهور قيادات الجبهة الإسلامية تباعاً لواجهة الحكم، حيث يعد من أوائل الوجوه التي تسنمت المواقع السياسية في المشهد السياسي الإنقاذي. جلسنا إليه في هذا الحوار، وجابهناه بالعديد من الأسئلة فكيف جاءت حصيلة ردوده في محاور الفساد؟ وعن دور البرلمان ومسؤوليته في التصدى له؟ { هجومكم على القيادات ضعيف لأنكم مقتنعون بأن هذا هو أفضل ما يمكن أن يقدموه؟ - لأنه الحزب الواحد، لأنه - أنا شرحت لك - أي حزب واحد لديه سيطرة على نسبة عالية جداً على الجهاز الرقابي يعني هجمته على حكومته ستكون ضعيفة طبعاً. { وهذه مشكلة يا أستاذ، أليست هذه مشكلة؟ في تقديرك؟ - لأ.. لأنه هو يهاجمها بعنف وبقوة في إطار التنظيم وفي إطار الحزب (إذا أنت حضرت النقاش في إطار الحزب - النقاش في إطار الحزب أقوى بكثير جداً منه في إطار البرلمان لأن البرلمان بطلع للملأ.. والحزب دا أمر داخلي أنا أعمل به رقابتي الذاتية على عضويتي وهكذا).. { أستاذ أنا أريد أن أقول لك إن هذه هي المشكلة، أن الهجوم في داخل البرلمان ضعيف لأنكم حزب واحد، النائب في داخل البرلمان يتذكر دائماً أنه عضو في الحزب وينسى أنه نائب عن الشعب في البرلمان.. يعني عضويته الحزبية تطغى على نيابته عن الشعب..!! - أنا نائب عن الشعب بطرح الحزب.. (إنت عارفة أنه التوجه الآن ماشي نحو الأحزاب أكثر من ما هو ماشي نحو النيابة، يعني أنت تنوب بطرح سياسي أكثر من أنك تنوب بشخص أو بناحية جغرافية، يعني مثلاً عندك عدد من النواب فائزين، فوزهم ذاته ضمن الحزب مش فائزين بأشخاصهم. يعني الحزب كان ممكن يودي أي واحد من القائمة بتاعته، وبالتالي فوزه ذاته باسم طرح الحزب وبرنامج الحزب وليس بشخصه وهو ينوب عن الحزب، وطبعاً في النهاية الشعب هو الذي اختار الحزب كتيار واعتبره التيار الأفضل). { إذن من الممكن أن يكون من طرح الحزب التستر على الفساد (أعني أي حزب وليس المؤتمر الوطني، إذا دخل البرلمان بأغلبيته، وشكل في الجهاز التنفيذي الغالبية)؟ من الممكن تستره على الفساد؟!.. - دا إلا يكون حزب غير عاقل وغير ناضج. { من الممكن أن يكون حزباً ما عنده شفافية.. يتخوف من الشفافية.. - مافي... إنت الشفافية تقصدين بها ماذا؟ هذه كلمة فضفاضة، ليس هناك أحد يتستر على أي جريمة أو فساد، بالعكس نحن دائماً نقول إنه أي شخص عنده أي أدلة تثبت فساد أي شخص نحن لن ندافع عن الفساد ولن ندافع عن المفسدين وعندنا المحاكم مفتوحة والثراء الحرام والمحاكم الجنائية وغيرها موجودة.. كل شخص الآن سواء كان عنده رأي في فساد معين أو تضرر هو أو شعر أن هناك أخذاً للمال العام بأي صورة من الصور فيمكن أن يلجأ مباشرة لهذه الجهات. ونحن إن شاء الله سننشيء في الأيام القادمة مفوضية مرتبطة بمكافحة الفساد لتبادر هي وتتلقى المعلومات من أي جهة أو مواطن وتتفاعل معها لأنه الآن قصة من يحرك الإجراءات هذه مشكلة، ترك الأمر للمواطن العادي والمواطن تقاعس إما لأنه لا يريد أن يشغل نفسه بهذه المسألة أو لأنه يشعر أنه لا يريد أن يضر أحداً حتى ولو كان فاسداً أو غيره، للعلاقات الاجتماعية الموجودة بين السودانيين. { بمناسبة الفساد - بين أيديكم الآن 67 ملفاً متعلق بالفساد مثلما ذكر رئيس لجنة الحسبة بالبرلمان.. - مقاطعاً: أنا والله.. أسأليهو هو.. أنا ما عندي علم. { ليس لديك علم؟ - لا لا ..(67 دي ما عندي بيها علم، المعلومة دي ما صحيحة). { ما هو الصحيح؟ - والله ما عاا.. ما عندنا حجم ملفات قدر دا.. يعني هناك بعض الأشياء وصلت إلى المجلس، لكن ما بالحجم دا. { التي وصلت ليست بهذا الحجم لأن الفساد ليس بهذا الحجم أم لأن.. - بطريقة استنكارية قال مقاطعاً: هو الفساد هو شنو؟! { الفساد كثير جداً يا أستاذ هذه «ما محتاجة لجدال».. - بطريقة تهكمية قال: والله!؟ { والله العظيم.. أبسط شيء - الآن إذا كنت تريد أن تقدم لوظيفة وما عندك واسطة لن تستطيع أن تحصل على وظيفة. - إنت بتتكلمي على مستوى شنو؟ { على كل المستويات. - هسة الرئيس أصدر قراراً بأنه الوظائف.... الجانب السياسي. صحيح ربما يكون القرار جاء متأخراً لكن طبعاً هناك وظائف يعلن عنها في الصحف وهناك وظائف تحتاج مواصفات معينة في أجهزة فنية خاصة، وهكذا. يعني أنا لا أنكر أن المسألة دي موجودة لكن لا أعتبر أنها بالحجم الذي يمكن أن تسميه استشرى الفساد. { يعني لم يستشر الفساد؟ - لا.. ما بالفهم دا.. هناك فساد في أي بلد في الدنيا دي كلها. { لكن الفساد عندنا كبير، حتى الناس المفسدين أنفسهم ضاقوا بالفساد الكثير وأصبحوا يعترفون (ساي من طرف).. اقتحموا الصحف و.. مقاطعاً: دا عشان الولد بتاع النفايات دا.. { ما بتاع النفايات وحده.. - لما بقى يجي طالع براه!؟ لا لا .. هذه حالات... أنا أفتكر كون أن هناك شخصاً جاء وعمل لقاء صحافياً وقال كذا وكذا ويريد أن (يوقع بينهم عليّ وعلى أعدائي) هذا طبعاً مجتمع فيه أي شيء لكن طبعاً بصورة عامة المسألة ليست بالحجم الكبير هذا.. حتى لو الآن الناس شعروا أن حجمه «شوية زاد» عن الشيء الطبيعي أنا أعتقد أن قيام مؤسسة تكافح الفساد وتحرك قضايا المفسدين ستكون صمام أمان. { صمام الأمان هو الشفافية يا أستاذ، الشفافية وأن تخرجوا ملفات الفساد التي بين أيديكم، دون أن تتخوفوا على شكل الدولة أو شكل النظام.. - نحن ما عندنا العندو خلّي يطلّعا.. نحن ما عندنا حجم زي دا.. { عندكم كم؟ - ما عندنا حجم زي دا.. يعني هناك حالات يتم التعامل معها وفقاً للإجراءات القضائية والقانونية يعني.. { كم حالة يا أستاذ..؟ - مثلاً المراجع العام «جاب» عدداً من القضايا.. كلها أحيلت وجزء منها فتحوا فيها بلاغات وجزء منها تمّ فيها تحلل.. هذا شيء طبيعي.. { والذي تم فيه تحلُّل الناس رجعوا إلى وظائفهم كأن شيئاً لم يكن.. - أنا ما عندي فكرة إذا أنت عندك فكرة وريني حالة واحدة زول أفسد ورجع لوظيفته تاني. { أنا عندي فكرة أخذتها من مصدر برلماني قالها في تصريح صحافي.. - أسأليه هو طالما عندك فكرة.. أنا ما عندي فكرة على أي حال.. { أستاذ محمد الحسن الأمين أنتم في الحكومة ما زلتم تعولون على أمريكا، وعلى أنها ستطبع علاقاتها مع السودان؟ - مقاطعاً: منو القال ليك بنعول؟ ثم ضاحكاً: (إنت بتجيبي الكلام دا من وين؟! كل مرة جايبة لي نتيجة خاتاها لي قدامي..)! { بجيبو من تصريحات وزارة الخارجية؟ - نحن ناس إسلاميين نعول على الله سبحانه وتعالى ونعول على المدد الرباني سبحانه وتعالى ولا نعتمد إلا على الله سبحانه وتعالى، أمريكا واقع عالمي الآن.. دولة قوية.. نحن كدولة إمكانياتنا محدودة.. ومن واقع وقوفنا في وسط عالمي وفي واقع عالمي لا بد لنا أن نطبع علاقتنا معها، وهذا اجتهاد ونحن ساعون وأنا حقيقة أشيد بالجهد الكبير الذي يبذله أخي وصديقي علي كرتي في تحسين العلاقة مع الدولة العظمى أمريكا لأن هي الآن أصابعها ويدها وأسلحتها ومالها يدخل ويتجول في كل أنحاء العالم، يعني على الأقل لا يصلنا منها أي شر.. على الأقل دفعاً لما فيها من شر ومقاطعات اقتصادية ومهاجمات هنا وهناك، نحن مضطرون لأن نطبّع العلاقة مع أمريكا.. { أنتم مضطرون لأن تطبّعوا العلاقة معها، لكن هل هي ترغب؟ فالوكالات ما زالت تحكي أخبارها عن استثناء دولة الجنوب من الحظر الاقتصادي المفروض على السودان واستمراره على السودان الشمالي فقط..! - طبعاً هي عندها نظرة مختلفة جداً. هي تنظر بازدواجية للجنوب والشمال، تنظر لنا في الشمال نظرة مختلفة. { وليمان؛ المبعوث الأمريكي أعلن أن التطبيع مع أمريكا لن يحدث ما لم يحل السودان مشكلة دارفور، ومشكلة دارفور هي لغز وليست مجرد مشكلة طبعاً.. - العلاقات الخارجية هذه نحن دائماً الحديث فيها نتركه لأهل الاختصاص.. لكن طبعاً كموقف عام نحن موقفنا مع الدول كلها مع المصالح المتبادلة وتمتين العلاقات معها.. وفي ذات الوقت إرادتنا الحرة وتوجهنا، ولا نسمح لأحد بأن يتدخل فيه.. وواضح جداً أن الولاياتالمتحدة عندها أصابع وفي العالم كله هي تريد أن يكون لها دور وواقع في كل موقع، ونحن نصطدم معها بأن توجهنا إسلامي ومحاولة أن تكون خيارات السودان خيارات حرة دون أي إملاءات من أحد وهذا يتعارض مع رؤية الولاياتالمتحدة في أنها تريد أن تقود العالم وتأخذه إلى توجهات معينة.. في ما عدا ذلك ليس هناك شك في أنها دولة عظمى، دولة عندها قوة اقتصادية نحن لا بد أن نتعامل معها ولا بد أن نسعى لتحسين العلاقة في حدود ألا يتعارض ذلك مع ما ذكرت من ثوابت.