{ كان العميد يوسف عبدالفتاح يقوم بجولة ميدانية في الأسبوع الأول لثورة الإنقاذ لضاحية الفتيحاب بأمدرمان، لمّا وقف خطيباً في جمع محدود من المواطنين، وقال فيما قال «إن هذه الزاوية الصغيرة ستصبح مجمعاً إسلامياً كبيراً في العام القادم»، وسينهض إلى جوارها سوق، وستطرز بكل الخدمات، فصاح أحد الشيوخ الاتحاديين «يا ولدي إنتو قاعدين للسنة الجاية؟»! { والسانحة مواتية لإعادة إنتاج تلك الحكاية المتداولة، فقد ذهب بعضهم يومئذ إلى عرّاف يسألونه عن عمر الإنقاذ، على أن جعفر نميري، يرحمه الله، الرئيس الذي أتى من خور عمر قد لبث ستة عشر عاماً، فكم سيلبث عمر «صاحب الخور»؟! قال لهم الرجل، هنالك رقمان يتراقصان أمام ناظري، فمرة تأتي الستة من اليمين ومرات يأتي الرقم واحد في خانة اليمين، ولو أن الإنقاذ تجاوزت عمر الستة عشر عاماً فانتظروا ساعتذٍ عمر الواحد والستين! وهي حكاية تروى وبالطبع لا يجوز شرعاً الذهاب إلى الكهنة والعرافين و.. و... { لقد مضى 30 يونيو حزيناً وحيداً دون أن تراق على سفح ذاكرته بعض الأناشيد «والضبايح»، وكنا إذا حمى وطيس يونيو نحتمي بعبدالكريم الكابلي ونهتف معه ضبحولنا الكرامة وأصبحنا فرحانين وضربو تنقرن جوني العيال مارقين بسأل عن علي الفارس البقود سبعين هو اللدر العلي ضهره الخبوب والطين ما بكائل الضعيف وما بسولب المسكين إلا شيمة الأسد أبقبضةً هين { هكذا حضرنا في ميدان ذاكرة الثورة عشية ثلاثين يونيو وغداتها ولم نجد أحداً، والسيد الرئيس بعيد بعيد.. في الصين، وإيليا أبو ماضي هو الذي أنشد ذلك البيت الشاهق... تتغنى وعمرها بعض عام افتبكي وقد تعيش طويلا تتغنى والصقر قد ملك الجو عليها والصائدون سبيلا { هكذا ذهب الرئيس البشير إلى الصين عابراً كل الأجواء «المحظورة»، والصقر قد ملك الجو عليها والصائدون سبيلا.. هكذا يحتفل الرئيس بعيداً وعلى طريقته وهو يمزق أستار الصمت والهزيمة «والاعتقال عن بعد»، وشيخ علي هو الآخر يخرج في جولة أفريقية تاركاً خلفه ثلاثين يونيو.. «وضربو تنقرن جوني العيال مارقين.. بسأل عن علي الولد البقود تسعين»، ودكتور نافع هو الآخر كان بأثيوبيا، وتمنيت لو أن رجلاً آخر غير «نافع» قد ذهب في تلك المهمة التي لا تشبهه، فياسر عرمان الذي خرج من الخرطوم خائفاً يترقب بعد «أحداث الحلو» وهو يخشى «المر» لأنه كان أحد أركان الفتنة التي ضربت وأضرت بالجبال، فربما «معاهدة نافع عقار» تعيده من مخبئه بجوبا كما الأبطال، ليدخل الخرطوم عبر «صالة كبار المناضلين»، كما يدخل الثوار والفاتحون، والله إنها لغصة في الحلق والقلب لم نجد لها تفسيراً ولا «تنويراً» حتى كتابة هذا المقال «والشينة منكورة»! { هكذا حضرنا ليلة ثلاثين يونيو ووزراء الأمن والداخلية غير متوفرين بالخرطوم، حضرنا ولم نجدكم، وفي دواخلنا المروّعة «شيء من ليلة السبت».. حزيناً إذ تخلفت... يا عزيزتي الإنقاذ.. فعدت متلفحاً بالليل والصمت... هكذا غابت الإنقاذ يوم عيدها وسجلت «غياباً مريباً».. وها نحن نسجل تذكاراً على باب ذاكرة الثورة «بفحمة سوداء».. حضرنا ولم نجدكم.