عدة منعرجات سياسية مرت بها حركة العدل والمساواة السودانية برئاسة الدكتور خليل إبراهيم محمد، ومسيرة الحركة لازمتها العديد من الانقسامات، منذ تأسيسها في العام 2003م. تاريخياً كان مؤتمر (حسكنيتة) الشهير في عام 2005م قد أفضى إلى الشرخ الكبير في (حركة تحرير السودان)، وتوقيع مجموعة مناوي على (أبوجا) في عام 2006م أفرز واقعاً جديداً، أصبح بمقتضاه فصيل عبدالواحد الرافض للاتفاق أكبر المجموعات المتمردة على الحكومة، فيما رفضت حركة (العدل والمساواة) الاتفاق هي كذلك، فانشق منها فصيل ووقع إلى جانب مناوي، ومضى زعيمها في حشد ما تبقى من مناصريه تحت لافتة (جبهة الخلاص الوطني)، والتي ضمت الرافضين لأبوجا، في الوقت ذاته آثر (نور) العمل المسلح لوحده لجهة تحفظاته الأيديولوجية المعلنة على (خليل). { مياه كثيرة مرت تحت الجسر منذ التأسيس، وأنواء هادرة كادت تعصف بالحركة قبل صبيحة الانشقاق الأخير؛ (الاثنين) الماضي؛ والحركة التي ينتمي معظم قياداتها إلى تنظيم الإسلاميين في السابق، كانت قد شهدت أول انقساماتها بعد تأسيسها تحت راية القائد الميداني بالحركة جبريل عبدالكريم الشهير ب(جبريل تيك) الذي أسس ما عرف وقتها بحركة (الإصلاح والتنمية)، إلا أنه فشل في تحقيق أي هدف لعدم وجود كوادر سياسية بحركته التي توفيت (إكلينيكياً)..!! { الحركة خرج منها كذلك القائد العام المهندس محمد صالح حربة، وبعد توقيع (أبوجا) ألحق فصيل آخر منشق عن حركة العدل والمساواة بالاتفاقية وهو ما عرف بحركة (العدل والمساواة - جناح السلام) بقيادة عبدالرحيم (أبو ريشة)، وبمعدلات تكاثر تحسدها عليها الأرانب، توالت الانقسامات داخل الحركة..!! إلا أن الانقسام الذي قاده الأمين العام للحركة بحر إدريس أبوقردة والقائد العام لجيش الحركة عبدالله بندة والقيادي بالحركة تاج الدين بشير نيام كاد أن يعصف بالعدل ويودي بها إلى مزبلة التاريخ، حيث دخل على أثره الجانبان في معارك ضارية شمال دارفور راح جراءها العديد من القادة والجنود من الجانبين، وبعدها قام المنشقون بتأسيس ما عرف وقتها ب(جبهة المقاومة المتحدة) التي تعتبر فصيلا أساسياً في حركة (التحرير والعدالة) الموقعة على اتفاقية (الدوحة). { ضمن سلسلة الانقسامات خرج القيادي إدريس أزرق إضافة إلى سليمان مرجان وعثمان (واش)؛ وأسسوا مع عدد من القيادات (حركة العدل والمساواة الديمقراطية). { وفي ذات الاتجاه خرج عدد من القادة السياسيين والعسكريين من الحركة في شكل أفراد وجماعات وبأشكال مختلفة بعضهم أعيته المواجهات والبعض الآخر فضل الالتحاق بالاتفاقيات الموقعة علّه يصيب نصيباً من السلطة، وبذات المنوال وخلال جولات التفاوض التي خاضتها الحركة بالعاصمة القطرية (الدوحة) خرج الأمين السياسي بحركة العدل والمساواة آدم علي شوقار وأسس بدوره (حركة تحرير السودان - القيادة التاريخية) التي وقعت اتفاقاً مع الحكومة السودانية في (أديس أبابا) ليعود بعدها إلى الخرطوم بلا اتفاق. { مؤخراً أصدر رئيس حركة العدل والمساواة الدكتور خليل إبراهيم قراراً تم بموجبه إعفاء أمين إقليم كردفان ونائب رئيس الحركة محمد بحر علي حمدين من منصبيه كأمين إقليم كردفان ونائب رئيس حركة العدل والمساواة وفصله من عضوية الحركة. { أمين الإعلام الناطق الرسمي باسم حركة العدل والمساواة جبريل آدم بلال برر خلال حديثه ل(الأهرام اليوم) للخطوة بفشل بحر في إدارة وفد الحركة التفاوضي في مفاوضات (الدوحة) فضلاً عن أنه سعى لشق صف الحركة باللجوء إلى حيل مختلفة بحسب تعبير بلال، وأضاف بلال أن بحر أظهر نزعة قوية نحو الخروج على إجماع الحركة واتجه نحو التوقيع مع نظام الخرطوم، مشيراً إلى أن الحركة عقدت اجتماعاً للمكتب التنفيذي حضره بحر، وحسم فيه الأمر لصالح وحدة الحركة، علاوة على رفض وثيقة (الدوحة) التي اعتبروها لا تلبي تطلعات شعبهم، إلا أنه «وعقب اتخاذ الحركة قراراً بمغادرة الدوحة رفض بحر المغادرة من غير مبررات مقنعة وغادر إلى دبي مخالفاً لتوجيهات الحركة» وأكد بلال أن حركتهم تحصلت على معلومات أكيدة تفيد بأن بحر خطط لادعاء الانقلاب على قيادة الحركة وشرع في تنفيذ مخططه. { في الضفة الأخرى قرّر عدد من القادة الميدانيين بينهم أمين إقليم كردفان ونائب رئيس الحركة محمد بحر علي حمدين ومحمد بشارة يحيى جربو والناطق الرسمي باسم جيش الحركة الجنرال علي وافي بشار وأركو تقد ضحية وبابكر أبكر حسن حمدين وتيجاني الطاهر كرشوم وشريف الطيب عبد الشافي؛ قرّرو أن كل أجهزة الحركة التشريعية والتنفيذية القائمة الآن فاقدة للشرعية لانتهاء أجلها بحسب النظام الأساسي للحركة وبناء على ذلك تم تجميد صلاحيات رئيس الحركة الدكتور خليل إبراهيم محمد بصفته رئيسا للحركة وقائداً أعلى، وطالبت المجموعة بحسب البيان الصادر عنها بتكوين مجلس عسكري ثوري يقوم بمهام المؤتمر العام للحركة مؤقتاً، وجهاز تشريعي مكلف، وطالبوا بأن يكلف المجلس العسكري الثوري رئيسا للحركة يقوم بتسيير وإدارة شؤونها لحين انعقاد المؤتمر العام، مشددين على ضرورة اعتماد وثيقة (الدوحة) كأساس لحل قضية دارفور. { القيادات اتهمت رئيس الحركة خليل إبراهيم بتسخير الجهود لخدمة أهداف شخصية وأسرية ضيقة والتنكيل بكل من ينادي بالإصلاح المؤسسي فضلاً عن الزج بالحركة في صراعات وتصفية حسابات شخصية وقبلية وتحويل الحركة لشركة مقاولات أمنية تعمل في الإطار الدولي هدفها الأساسي جمع المال بأية طريقة ومن أية جهة. { في السياق يقول الناشط السياسي محمد حسن التعايشي ل(الأهرام اليوم) إن أية محاولة انقسام داخل حركة العدل والمساواة ليست من مصلحتها بأية حال من الأحوال، مشيرا إلى أن موقف الحركة في العملية التفاوضية بشأن دارفور معلوم، وليس هناك موقف متصلب من الحركة باعتبار أنها مقرة بالتفاوض بشروط، موضحا أن ذلك دليل على الجدية. { تعايشي اعترف أنه ليست لديه خلفية عن طبيعة الخلافات، ولكنه استدرك قائلاً: «بصراحة هناك مظاهر احتفائية رسمية بهذه المشكلة» مبينا أن الإعلام الرسمي أظهر أن هناك انقساما حقيقيا قد تم في حركة العدل والمساواة وأردف: «أنا لا أعتقد أن هذا قد تم»، وأضاف: «إذا كانت المجموعة المحتجة على طريقة إدارة الحركة لملف التفاوض أحدثت هذا الإشكال لتختار طريقا أقرب للحكومة تكون المسرحية أكثر وضوحا أما إذا اختارت طريق الحوار وإزالة المظالم التاريخية الحقيقية سيكون هناك تحليل آخر»، مشيراً إلى أن الانقسامات في معظم الأحيان تقود إلى الطريق المؤدي إلى المشاركة في الحكومة، قبل أن يؤكد على أن الانقسام لن يؤثر على الحركة، فضلاً عن أنه لا يفيد النظام الحاكم في الخرطوم. { الانشقاق ليس هو الأول بالطبع في صفوف الحركة والمحاولة الانقلابية ربما يعرف خليل وقياداته التعامل معها وتحجيمها في أدنى حد ممكن من الخسائر، لكن يبقى القول بأن العام 2011 قد يكون من أسوأ الأعوام التي مرت على خليل منذ انطلاق تمرده، بكل ما يعنيه السوء من معنى، فكل أحزان الزمن وكل المحن تترى عليه، وتناوش حظوظه منذ نهايات العام الماضي بعد طرده من تشاد وحتى اندلاع الثورة الليبية، وهروبه بعد مخاض عسير ونجاته من حتف مؤكد وليس انتهاءً بالتململ الذي ظهر أخيراً في حركته.