من المعروف أن صناديق الانتخابات هي الوسيلة الوحيدة لقياس الأوزان السياسية الحقيقية للأحزاب الوطنية المشاركة في العملية الانتخابية، قواعد اللعبة السياسية التي رسختها التجربة البرلمانية في كل دول العالم هي أن الحزب السياسي الذي يكتسح نتيجة الانتخابات ببلاده هو الذي يقوم بتشكيل حكومته حتى يتسنى له تنفيذ برنامجه السياسي الذي نال بموجبه ثقة ناخبيه، كل الانتخابات السابقة التي شهدتها الساحة السياسية السودانية لم يحظ فيها أي حزب سياسي بالأغلبية البرلمانية المطلقة التي تمكنه من تشكيل حكومته منفرداً ولهذا نجد أن الأحزاب السياسية غالباً ما تلجأ لتشكيل حكومات ائتلافية بين حزبين أو أكثر، تجربة الحكومات الائتلافية لم تحقق الاستقرار السياسي المنشود كما أنها لم تحقق أي نجاح يذكر لها ولقد كانت هذه التجربة تجربة فاشلة نسبة لغياب الرؤية السياسية الواضحة والبرنامج السياسي الواحد المتفق عليه، هذا بالإضافة للمكايدات السياسية وانعدام الثقة وانعدام روح الانسجام والتجانس والتنسيق بين الكتل السياسية التي تشارك في الحكومة الائتلافية، كان قادة الأحزاب السياسية يعزون فشل حكوماتهم الائتلافية إلى صناديق الانتخابات لم تمنحهم الأصوات الكافية حتى يتسنى لهم تشكيل حكومات منفردة لتنفيذ البرنامج الانتخابي الذي نال على ضوئه الحزب تفويضه الشعبي، أما نتيجة انتخابات ابريل 2010م التي قاطعتها الأحزاب التقليدية فقد جاءت نتيجتها لصالح المؤتمر الوطني الذي كان بإمكانه تشكيل حكومته منفرداً حتى يتمكن من تنفيذ برنامجه الانتخابي ولكن يبدو أنه قد كان مكبلاً بقيود اتفاقية نتفاشا «الكارثة» نتيجة لتلك القيود كانت حكومة الوحدة الوطنية التي كان ينبغي إجراء تعديل في تشكيلها بعد انفصال جنوب السودان، الآن بعد حصاد المؤتمر الوطني لكل نتائج الانتخابات المؤجلة بشمال دارفور في الدوائر القومية ونيله لمعظم الدوائر القومية في الإنتخابات التكميلية بجنوب كردفان وبعد أن فقد نواب قطاع الشمال عضويتهم بالمجلس الوطني طبقاً للمادة (87) فان المجلس الوطني يكون قد أصبح حصرياً على المؤتمر الوطني وهذه فرصة تاريخية تتمناها كل الأحزاب وتسعى إليها، المؤتمر الوطني بدعوته لتشكيل الحكومة ذات القاعدة العريضة فإنه يكون قد تنازل عن تفويضه الشعبي الذي ناله في انتخابات أبريل 2010م وبذا فإنه يكون قد أضاع فرصة تاريخية ربما لا تتكرر له مستقبلاً، السؤال هنا لماذا تنازل المؤتمر الوطني عن تفويضه الشعبي الذي حظى به وما هي تقديراته السياسية لذلك؟ المؤتمر الوطني خلال فترة حكمه التي امتدت لأكثر من عقدين من الزمان أصبح يملك كادراً سياسياً مؤهلاً لإدارة شؤون البلاد على مستوى المركز والولايات، لا أدري ما هي الإضافة النوعية التي ستضيفها أحزاب (المتاحف) إلى الحكومة ذات القاعدة العريضة هذا بالإضافة إلى أن الدعوة للحكومة ذات القاعدة العريضة تتعارض تماماً مع توجه الدولة الجديد باعادة النظر في هيكلة الحكم على مستوى المركز والولايات وهذا مؤشر قوي على عدم وجود الرؤية السياسية الاستراتيجية الواضحة للمؤتمو الوطني، بعد أن تمنعت الأحزاب السياسية التقليدية عن المشاركة في الحكومة ذات القاعدة العريضة نتيجة لقلة الغلة أو الخوف من المصير المجهول فان البديل الجاهز كأسبقية اولى هو مشاركة (التكنوقراط) أو (حركات التمرد) التي سيطرت على مناطق نفوذ الأحزاب التقليدية شريطة التزام هذه الحركات بقانون الأحزاب. الجدير بالذكر ان هذه الحركات قد اصبح لا خيارو لها حالياً إلا اللحاق بركب السلام بعد زوال نظام القذافي، من هذا المنطلق لا أجد مبرراً مقبولاً للدعوة للحكومة ذات القاعدة العريضة اللهم الا إذا كان المؤتمر الوطني يتحسب لانعكاسات ثورة الربيع العربي أو أنه غير مقتنع بشرعيته التي حققتها له انتخابات أبريل 2010م نتيجة لمقاطعة الأحزاب لهذه الانتخابات بالرغم من اعتراف العالم أجمع بنزاهة وشفافية هذه الانتخابات، هل أدرك المؤتمر الوطني مؤخراً جداً بان سياساته قد قادته لطريق مسدود وعزلة دولية سياسية واقتصادية محكمة ولهذا اصبح يبحث عن مشاركة الآخرين له للخروج من هذه العزلة المفروضة عليه!! ولكن هل يمكن لأحزاب (المتاحف) أن تخرج المؤتمر الوطني من عزلته؟ هل نسي المؤتمر الوطني تصريحات بعض منفذيه التي تشير إلى أنه متى ما رضيت عنه الولاياتالمتحدةالأمريكية والدول الغربية فان ذلك يعني خللاً يستوجب مراجعة المسيرة، خلاصة القول لقد أضاع المؤتمر الوطني فرصته الذهبية حيث أن معارضته قد أصبحت معارضة شارع بلا وزن سياسي أو وجود نيابي ولهذا فانها قد اصبحت معارضة بلا سند قانوني، كان بإمكان المؤتمر الوطني لو استغل هذه الفرصة التاريخية أن يقدم نموذجاً يحتذى به في مجال الديمقراطية التي يمكن أن يحققها الحزب الواحد الذي يضم منابر مختلفة لا تتحدث بلسان واحد ولا ترى بعين واحدة، حزب يتحول كل برلمانه إلى رقابة لصيقة لجهازه التنفيذي وعن طريق النقد الذاتي الذي مارسه العالم الجليل البروفيسور إبراهيم أحمد عمر يمكن للمؤتمر الوطني أن يقوم بإسقاط حكومته في حالة الفشل.. وصولاً لتلك الغاية ينبغي إجراء تعديل في الدستور بالنص على تعيين رئيس لمجلس الوزراء ليكون مسؤولاً أمام البرلمان عن أداء حكومته لأن البرلمان لا يحق له مساءلة رئيس الجمهورية. ختاماً على المؤتمر الوطني ان يسارع في تشكيل حكومته بعد وصول الدكتور التيجاني السيسي للبلاد ولا داعي للتأخير أكثر من ذلك.. المرحلة تتطلب وجود حكومة مركزية قوية سواء أكانت عريضة أو رشيقة، حكومة لها القدرة على فرض هيبتها وسيطرتها على كل اقاليم السودان المختلفة، حكومة تحسم بقوة ظاهرة تغول الأقاليم على المركز.. وبالله التوفيق. فريق أول ركن زمالة كلية الدفاع الوطني أكاديمية نميري العسكرية العليا