بعد عامين ونصف العام من التفاوض في العاصمة القطرية (الدوحة)، وبعد مرور ثماني سنوات على أزمة دارفور، وقّعت الحكومة السودانية وحركة التحرير والعدالة في 14 يوليو الماضي وثيقة قالت عنها الحكومة السودانية إنها نهائية للسلام في دارفور، وتشتمل الوثيقة على سبعة محاور ممثلة في (التعويضات وعودة النازحين واللاجئين واقتسام السلطة والوضع الإداري لدرافور واقتسام الثروة وحقوق الإنسان والحريات الأساسية والعدالة والمصالحة والوقف الدائم لإطلاق النار والترتيبات الأمنية النهائية وآلية التشاور والحوار الداخلي وآليات التنفيذ). { بعد مرور سبعة أشهر على توقيع اتفاقية (الدوحة) قررت قيادة حركة التحرير والعدالة الموقعة على الاتفاق الانتقال إلى حاضرة ولاية شمال دارفور مدينة (الفاشر) التي تقرر أن تكون رئاسة السلطة الإقليمية، وفي هذا الاتجاه أكد رئيس السلطة الإقليمية لولايات دارفور الدكتور التجاني سيسي أن تدشين أعمال السلطة الإقليمية لدارفور تقرر له أن يكون في يوم 8 فبراير - الموافق غداً الأربعاء - في مدينة الفاشر حاضرة ولاية شمال دارفور، وأضاف قائلاً في اللقاء التفاكري الذي عقده بداره بمدينة قاردن سيتي أمس الأول الأحد: بعد التدشين تكون أجهزة السلطة تلقائياً انتقلت إلى دارفور، مؤكداً اكتمال كافة الاستعدادات للتدشين في احتفال رسمي بمشاركة رئيس الجمهورية ونائبه وعدد من الوزراء الاتحاديين ومساعدي ومستشاري الرئيس ورؤساء الأحزاب السياسية، بجانب مشاركة سفراء الدول المعتمدين في الخرطوم وممثلين لدول الجوار الإقليمي والعربي، إضافة إلى الدول المشاركة في مراقبة تنفيذ اتفاق الدوحة، بجانب دعوة رؤساء بعض الدول، وأوضح السيسي أن اليوم الأول لتدشين أعمال السلطة سيكون يوماً رسمياً خاصاً برئيس الجمهورية والوفود ويشمل أنشطة مختلفة، وفي اليوم الثاني يستمر التدشين وتشهد مدينة الفاشر عدداً من الأنشطة التي لها علاقة بتدشين السلطة. { السيسي وصف مناسبة تدشين أعمال السلطة بالمناسبة الخالدة التي اعتبرها ستدفع قضية سلام دارفور بشكل أكثر إيجابية. وناشد السيسي جميع المدعوين ضرورة المشاركة في مناسبة تدشين أعمال السلطة الإقليمية، مؤكداً على وجود قدر من التأييد للاتفاق من أهل دارفور، وزاد قائلاً: (نحن سنستمر في التبشير بالاتفاق)، واستدرك: (لكن هنالك تحديات وعلينا أن نواجه هذه التحديات معاً)، موضحاً أنهم سيستمرون في الاتجاه الصحيح، وأضاف قائلاً: (سيكون هنالك تنسيق وتعاون تام بين السلطة وولايات دارفور)، واعتبر هذا التعاون سيسهم في تحقيق الأمن والاستقرار في دارفور، مؤكداً حوجتهم الحقيقية لأجهزة الإعلام، ونبه إلى ضرورة استصحابها في تنفيذ اتفاق الدوحة، وزاد: على الإعلام أن ينقل كل الحقائق التي معنا والتي ضدنا وأن يكون حاضراً وينقل حقيقة ما يحدث في دارفور، ومضى قائلاً: (لا نريد الإعلام الذي يمجد ويطبطب لرئيس السلطة)، مؤكداً تعاونهم مع كل أجهزة الإعلام. { الدكتور التجاني سيسي، كشف عن قرار وشيك يصدره رئيس الجمهورية المشير عمر البشير بحق المعتقلين والمسجونين بسبب أحداث دارفور، وأضاف أن القرار الجمهوري تمت كتابته، واستدرك قائلاً: (لكن هنالك بعض الإجراءات القانونية أخرت إصداره)، لكنه قال (إن القرار سيصدر قريباً، وسيطلق سراح جميع المعتلقين والمحكومين بسبب أحداث دارفور)، مشيراً إلى أنه تم تكوين لجنة قامت بمناقشة الحالات فضلاً عن وجود تواصل شبه دائم مع وزير العدل الذي بدوره سيصدر القرار قريباً. وأوضح السيسي أن رسالتهم التي يحملونها لأهل دارفور هي السلام، مشيراً إلى أن اتفاقية الدوحة فيها (5) فصول، بينها (3) فصول تتحدث عن حقوق الإنسان في دارفور، وقال: بعد تدشين أعمال لسلطة سنبدأ فوراً في استخراج الأوراق الثبوتية للنازحين، وقال السيسي إن قضية النازحين واللاجئين هي القضية الأولى، وزاد قائلاً: (قضية دارفور عنوانها هو معسكرات النازحين واللاجئين)، وأضاف: (إذا ظلت هذه المعسكرات باقية سيظل المجتمع الدولي يتحدث عن القضية)، وتابع: (لا يمكن أن يعود النازحون واللاجئون إلا بعد تأمين المناطق التي نزحوا منها وتوفير الخدمات الأساسية بهذه المناطق)، وأشار إلى أن برنامج عودة النازحين يحتاج إلى إعداد جيد، مؤكداً أنه لن يسمح بالعبث بأموال دارفور، مبيناً أن ولاية مال السلطة تتبع لوزارة المالية وأن رئيس السلطة نفسه ليس لديه توقيع في مسألة صرف أموال السلطة، فضلاً عن اعتماد السلطة على المراجعين القانونيين، مؤكداً أن النظام المالي للسلطة لا يسمح بالفساد المالي، وكشف عن تخفيض موظفي مفوضيات السلطة، وقال إن عدد الموظفين في كل مفوضية يتراوح ما بين (40-50 موظفاً) وقال إن وظائف السلطة الإقليمية القادمة ستنشر في الصحف والاختيار لها سيتم بكل شفافية وعدالة، مشيراً إلى أن وزارة المالية منحت السلطة (200) وظيفة دائمة بمداخل الخدمة. { السيسي أكد أيضاً أن مشاريع التنمية بدارفور تتبع لصندوق إعادة الإعمار، مشيراً إلى وجود مشاريع قومية وأخرى ولائية، منبهاً إلى ضرورة أن تبدأ التنمية من القاعدة من (القرى) إلى أعلى إلى (المدن)، مؤكداً أن السلطة الإقليمية تمول مشاريع التنمية فقط لا غيرها، مشيراً إلى أن صندوق إعادة الإعمار والتنمية يشرف على جميع المشاريع التنموية في دارفور، وزاد أن الصندوق يمول المشروعات واختيار المشروعات يتم من قبل الولاة والولايات، وأكد السيسي أنه ضد فكرة القرى النموذجية في دارفور لاعتبار أن تكلفة القرية الواحدة تبلغ (20) مليون دولار، مشيراً إلى وجود أكثر من (2000) قرية في دارفور تحتاج إلى إعادة بناء وإعمار، مبيناً أن مبلغ بناء القرية النموذجية الواحدة يقدم خدمات لأكثر من(80) قرية، مؤكداً أنهم بحوجة إلى برنامج عودة يكفل توفير الخدمات الأساسية، وأشار إلى ضرورة توفير مواد البناء للعائدين لعدم تدمير البيئة، وقال السيسي إنهم سيظلون في تواصل دائم مع الحركات الرافضة للسلام وحثهم على التوقيع، وأضاف لذلك ظلت اتفاقية الدوحة مفتوحة، مؤكداً تشجيعهم للتفاوض، واعتبره موقفاً مبدئياً. وعن رفع حالة الطوارئ بدارفور قال السيسي إن الأمر يحتاج لتحقيق سلام كامل في دارفور. { رئيس السلطة الإقليمية طالب شعب دارفور بتناسي جراحات الماضي ومعالجة الأمر والنظر إلى المستقبل، وأرجع الأمر الذي حدث في دارفور إلى أنه حدث بيد أبناء دارفور وطالبهم بمراجعة أنفسهم ومواقفهم. ونفى السيسي أن تكون حركته قامت بتهميش أهل دارفور، وقال إن الحركة منحت (8) حقائب دستورية (6) منها تقلدها أشخاص من إثنيات مختلفة في دارفور، وأضاف: يستحيل تمثيل الجميع في هذا الإطار الضيق ولا يمكن تمثيل جميع المكونات الاجتماعية في دارفور، مشيراً إلى أن حركتهم قامت على محاصصات، مؤكداً استصحابهم لإيجابيات اتفاقية (أبوجا). { مراقبون في هذا المنحى أشاروا إلى أن شخصية الدكتور التجاني سيسي القومية المعروفة والقبول الكبير الذي يحظى به من قبل أهل إقليم دارفور ربما يكون هو السبب في اختياره رئيساً للسلطة الإقليمية لولايات دارفور، فضلاً عن دعم بعض الجهات الإقليمية والدولية التي كان لها تأثيرها في هذا الإطار، إضافة إلى خبرته الإدارية في منظمات الأممالمتحدة والمنظمات الإقليمية والدولية، علاوة على الخبرة الإدارية المهمة التي تضاف إلى الخبرة السياسية، وبحسب المراقبين فإن السيسي رجل مقبول للجميع، إلا أن هنالك مشاكل عديدة تواجه الرجل أهمها عدم توقيع حركات تحمل السلاح، الأمر الذي يحتم عليه أن يبذل جهداً كبيراً في كيفية فتح هذه الاتفاقية وإقناع الحركات الرافضة بالتوقيع على الاتفاقية. ومن بين التحديات الأساسية التي يجب أن ينتبه لها السيسي - بحسب المراقبين - كيفية إشراك جميع أهل دارفور من (منظمات مجتمع مدني وإدارات أهلية وقوى سياسية والمناطق الجغرافية المختلفة) في أجهزة السلطة الإقليمية، وفي حالة نجاحه في هذا يستطيع السيسي أن يقدم خدمات معقولة ويمكن أن يساهم في حل أزمة دارفور بحسب المراقبين. { إذن.. بعد أن تقرر انتقال أعمال السلطة الإقليمية لولايات دارفور، ينتظر الإقليم نقلة جديدة يتمناها رغم التحديات الماثلة على كثرتها..!