إن الثقافة الراقية ليست أمراً نخبوياًَ، ولكنها إنجاز قومي يلتف حوله الجمهور الواسع يشارك فيه ويتجاوب معه ويدعمه، والفنون الثقافية المختلفة بخصوصياتها التي تتفرد بها هي جزء من الهوية الوطنية ومعظم الفضاءات الثقافية التي تقدم فيها المنافسات المتنوعة هي فضاءات تتسع لآلاف المتفرجين الذين يتقاطرون إليها من كل فج بكل سحناتهم واتجاهاتهم كما تجذب كثيرا من المتواصلين عبر شبكات الاتصالات المختلفة، ومرتادو هذه البرامج ليسوا نخبة صغيرة تدعم هذه الفنون وإنما هو جمهور واسع جداً يمتلك حرية الاختيار بالتصويت كاملاً فالعديد من هذه البرامج قد لقيت رواجاً كبيراً وقد حققت نجاحاً فخرجت العديد من المبدعين المتفردين. فكل مشترك يتفرد بشخصيته وعمله وكل فرد يصنع عالمه فيشتغل أشياءه الفرجوية والمرئية بدقة دون أي وهم بالرؤية التقليدية لذا فإنه يكون مطالباً بالالتزام وأن يقدح قريحته باحثاً عن عناصر الجذب الممكنة ليغوص بها في ما يمكنه من إنتاج وفير وتقنية عالية في ما يشبه اللعبة المفقودة التي لا يتقنها إلا لاعب ماهر وكثيرا ما يعتمد العرض على انقلاب تجريبي يبحث فيه عن طرائق بديلة لصناعة الفرجة وعن منظور جديد لتلقيها أي استشراف آفاق إبداعية مغايرة قابلة للجذب في سياق لعبة الاختلافات. هؤلاء الشباب المغمورون في أوطانهم وذلك الإصرار والتحدي بإثبات وجودهم وتخطيهم لكل الحواجز والوصول لمنبر استطاعوا أن يقفوا فيه فيشاهدهم العالم وهم سعيدون لوقوفهم أمام تحكيم اختير نسبياً مهما بلغت رؤيته فتردد مقولة (وقوفي في هذا المكان أمامكم هو نجاح لي). هم يعيشون بالأمل فإن بصر الإنسان متجه نحو الأمام وإن جهده معبأ من أجل تجاوز الحاضر فإنه لا حياة للموجود البشري إلا بالأمل وفي الأمل الأمل لكل مشترك في برنامج المنافسات ARAB TALENT آلاف المشاركين يتدافعون من كل صوب آملين أن يتحقق حلمهم بالفوز والتعبير عن عالمهم وسياسة الرمز لأوطانهم - الحلقة الثالثة للموسم الثاني من هذا البرنامج سيكون التحكيم من ثلاثة أعضاء: الفنان الإعلامي علي جابر، الفنانة نجوى كرم، والفنان ناصر القصبي. المشترك السوداني أحمد الجيلي يرتدي الجلابية السودانية يرمز لهويته بالعلم السوداني ثم يبدأ بالتحية عن طريق أدائه للكوبليه الأول من أغنية إزيكم للراحل سيد خليفة وهو يحمل في يده آلة الهارمونيكا تلك الآلة الصغيرة التي بدأ بها الكثير من مبدعي آلات النفخ في مرحلة الطفولة المبكرة الذين قد أصبح يشار إليهم بالبنان؛ شاكر عبد الرحيم، فيصل سيف النصر، حافظ عبد الرحمن، أسامة بكلو إضافة إلى استخدام آلة الصفارة والبدء بالعزف لأغنية الوسيم للراحل أحمد المصطفى كما إن العديد من الموسيقيين في العالم قد ألفوا مقطوعات موسيقية متكاملة وقدموها بهذه الآلة صغيرة الحجم بالفم لكن أحمد الجيلي أراد أن يسير في اتجاه مختلف ليشق طريقه في الموسيقى باستخدام آلة الهارمونيكا عن طريق العزف (بالأنف) فقدم جزءا من مقطوعة لسيلين ديون (بأنفه). ومنذ الوهلة الأولى ضغط الأستاذ جابر على الزر دليلا لرفض التجربة في لحظة سريعة مبعثها عدم التقبل لتجربة حداثوية غريبة طرح بعدها سؤالاً للمتسابق (ليه عزفت بمنخارك) فرد عليه المتسابق لأنني قد تجاوزت مرحلة العزف بالفم. كانت الحيرة تمتلك الجميع أن هناك اختلالا للنظام وانتهاك قوانين الآلة وأن التقنيات التعبيرية التي استخدم بها المشارك الآلة كانت محيرة فيصعب تصنيف هذه التجربة لانفلاتها من قبضة التصنيفات المعهودة في عالم الموسيقى. لكن أحمد الجيلي قد أصر على تثبيت قدميه محاولا إيصال النغمات باستخدام الآلة عن طريق الفم، فلم ييأس، فلم يكن العالم الخارجي هو مصدر اليأس الذي يستشعره الإنسان ذلك أن الأستاذ علي جابر هو واحد فلديه فرصتان وهو ما حقق حلمه بأن تعبر عنه نجوى كرم (أصاب النوتة بشكل كبير أفضل بكثير من غيره) أما الفنان أحمد القصبي فهو الذي يتقمص الشخصيات السودانية ويوظفها في أعماله الدرامية فيصر (عزف مدوزن) فعدل ناصر رأيه معبراً بالموافقة. فأعاد ذلك فيه الحيوية والأمل فالدلالة النفسية لليأس هي شعور المرء بالإحباط ثم التنازل عن رأيه لكن الإرادة كانت أقوى من ذلك. أحمد القصبي - لقد شكل وجوده في لجنة التحكيم دورا كبيراً في وجود الدراما السودانية بصورة درامية ومن ثم أصبح يوظف المفردات السودانية في كثير من أعماله السودانية (ضربت ليه هسه). لقد وجد القصبي نفسه بإزاء موقف صعب يعجز فيه عن التعبير بالرفض لسوداني يخضع لتجربة غريبة ومقاومة للظروف التي جعلته ينتصر فيقف في هذا الموقف. بعض الاتكاءات على الشخصيات السودانية وتوظيفها لتناول قضايا عربية قد أصبحت ظاهرة خطيرة إذ أنها تتناول أنماطا من الشخصيات الضعيفة بصورة درامية وهذا النوع قد أضعف طرائق المعالجة فهم يلجأون إلى المفردات السودانية فيجدون فيها ملاذا يوفر لهم أيديولوجية سياسية في رمزيات تمثل الواقع الساذج وهذا ما تعاني منه الذهنية العربية ومن سخرية وتسخير هذه السخرية في انتقاد وتعرية للواقع بمرارة وسوداوية فهل يمكنهم أن يصنعوا جمالاً بمفردات ولغة يجهلون تاريخها الجمالي؟ أرسل رسالة لأي مشترك يريد أن يعبر عن إعجابه للقصبي أن لا يتقمص الشخصيات السودانية بأدوار خالية من الأبعاد الصادقة التي تتجاوز المنظور الشكلاني وتتجاوز ما تطلبه عين العربي من تفرد وبعجائبية وغرائبية لا تضيف ولا تفيد شيئاً وعليهم أن يتيقظوا كثيراً. نتمنى أن يصل كل مشارك سوداني للقمة وأن يجدوا المكانة السامية التي تليق بهم كمبدعين في بلدهم أولاً ثم تنقل بعد ذلك للعالم أجمع فحضور هذه التجربة هو خير دليل بأن هناك فرصة لكل مبدع شجاع وأن إتاحة الفرصة للشاب السوداني أحمد الجيلي هي فرصة للسودان فإن اختلفنا معه أو اتفقنا فإن من الواجب عليه أن يفهم جيداً أين يقف من المتوقع بشكل جيد. قال رامز: عارف يا خالي في واحد في مركز شباب السجانة بيعزف الجيتار بي سنونو.. قال شاكر: يعني معنى كده أنا أعزف الجيتار بي إضنيني؟ لنا لقاء