(حسبنا الله ونعم الوكيل)! كانت تلك ردة فعل أحد الكبار الحالمين بالفوز في الانتخابات عندما نُقل له خبر سقوطه في المنافسة، ولعل المشهد العام لما أفرزته نتيجة الانتخابات بقدر ما أنه خلف إحباطاً شاهقاً وسط القوى المعارضة بقدر ما أنه فتح أكثر من نافذة للدهشة في زمن فقدت تفاصيله القدرة على الإدهاش، وفي نفس الوقت الذي ضمن فيه العديد من المرشحين مقاعدهم في البرلمان جاءت تقارير الفرز الأولية لتكشف مدى الخسارة التي بلغوها بفوارق كبيرة بينهم ومنافسيهم، وما لم يكن متحسباً له هو سقوط الكبار في هذه الانتخابات، فالأغلبية التى لم يدعمها المؤتمر الوطني لن تجد لها حظاً في ليلة التتويج المنتظرة كما بدا للكثيرين، ولم تشفع لها نجوميتها ولا كسبها ولا تاريخها المتصل في العمل العام، وعلى مقربة من ذلك تتفجر المزيد من الأسئلة عن مصير الكبار الذين خرجوا من مضمار السباق الانتخابي دون مكاسب غير الاستفادة من (الاحتكاك) فكيف هو مصيرهم؟ وهل سيستعين بهم المؤتمر الوطني في أدوار قادمة؟، سيما وأنه متهم بعرقلة عملية حملاتهم الانتخابية ورمي الأشواك في طريقهم، أم أنهم كانوا يعلمون سلفاً أن دورهم سينتهي بمجرد إضفائهم الشرعية المطلوبة على العملية الانتخابية وبعد ذلك يصبحون خارج الملعب؟! الأمين العام للمؤتمر الشعبي الدكتور حسن عبد الله الترابي هو أحد أبطال ذلك العرض السياسي، فبعد أن تأكد دخوله البرلمان عبر القائمة النسبية ليتزعم المعارضة ويدير الجلسة الأولى، أصبح ما بين ليلة وضحاها خارج البرلمان. في المرة الأولى وأثناء مفاصلة الإسلامين وجد نفسه ممنوعاً من الدخول بقانون الطوارئ، واليوم بعد أن أصبح الشيخ على بوابة المجلس الوطني ندب حظوظه ومآله، ولم يحصل على النسبة المطلوبة لبلوغ مقصده، وقد أشار الترابي إلى أن قائمته النسبية لم تحصل على 2% من الأصوات المطلوبة لدخول البرلمان، وأضاف ساخراً «من لم يحصل على 4% يشطب وأنا لم أحصل على نصف استحقاق الشطب»، وقال الترابي: «إن من عبثوا بالصناديق لم يكونوا أذكياء»، وفي ولاية النيل الأزرق رشحت معلومات عن فوز مرشح المؤتمر الوطني فرح عقار وخسارة مرشح الحركة الشعبية مالك عقار لمنصب الوالي، وهي المفاجأة التى لم تكن متوقعة، ولكن تظل تلك المعلومات ناقصة نسبة لعدم اكتمال الفرز في كل مراكز الولاية وحتى كتابة هذا التقرير، فقد حصل المؤتمر الوطني على (19) دائرة ولائية من جملة (29) دائرة، وفاز الوطني بأربع دوائر قومية في النيل الأزرق من جملة (6) دوائر، وتبقت هنالك محليتا الكرمك وباو اللتان ستحددان الفرق، والمرشح الفائز، بالرغم من أن المعلومات تؤكد أن فرح عقار هو المتقدم. وفي دائرة المعيلق القومية أشهر دوائر ولاية الجزيرة خسر الوزير محمد أبوزيد المصطفى المنافسة وجاء في المركز الثاني، بالرغم من أنه لم يعترف بالنتيجة وتشكك في نزاهتها والتلاعب بها، وحصل مرشح المؤتمر الوطني حسب الرسول الشامي على المركز الأول بفارق مهول، ليصبح ممثل أهل الدائرة في البرلمان، رغم أنه مر بأيام عصيبة بعد موجة الرفض التى قوبل بها وكمية الملاحظات التى طعنت في أحقيته بالترشح والفوز، ولكن خيار المؤتمر الوطني كان هو الغالب، بينما تعرض مرشح المؤتمر الشعبي لولاية جنوب دارفور الحاج آدم يوسف لخسارة فادحة لم يتوقعها له أكثر المتشائمين، وسبقه بالفوز مرشح الوطني عبد الحميد موسى كاشا، وهي الولاية كانت تمثل للحاج آدم يوسف مركز ثقل انتخابي كبير، كما أن المؤتمر الشعبي يحظى فيها بوجود ظاهر ومكثف. أما في ولاية نهر النيل فقد خسر مرشح الاتحادي الأصل «بخاري الجعلي» المنافسة، مما أصاب أنصاره بالإحباط الشديد، وهى النتيجة التى جعلت الميرغني يقر بعدم نزاهة العملية وشرعية الإنتخابات، عطفاً على ذلك فإن بخاري يحظى في الأصل بتأييد الطرق الصوفية وخلاوي جده الشيخ كدباس. كذلك فإن خسارة ميرغني عبد الرحمن منصب والي شمال كردفان كانت غير متوقعة أيضاً وهو الاتحادي المرشح للفوز من قبل الكثيرين. ومن أبرز الشخصيات التى فقدت دوائرها وخلفت وراءها أكثر من سؤال هو الشيخ حسن أبوسبيب، نائب رئيس الحزب الاتحادي الأصل، الذي خسر دائرة أم درمان بعد تقدم منافسه الدكتور الصادق الهادي رئيس حزب الأمة (القيادة الجماعية) المدعوم من قبل المؤتمر الوطني، وفي ذات الاتجاه خسر مرشح الحزب الاتحادي طه على البشير دائرة الدبة مسقط رأسه بعد أن تقدم عليه مرشح الوطني عبد اللطيف سيد أحمد الذي أحرز نسبة83%، وخسر الكابتن الرشيد المهدية أيضاً المنافسة وهو الذي خاض الانتخابات ممثلاً لحزب الأمة القيادة الجماعية في الدائرة الجغرافية (12) الثورة، هذا غير الخسارة المتوقعة التي مُني بها مرشح الحزب الاتحادي لرئاسة الجمهورية «حاتم السر» ومرشّح المؤتمر الشعبي لذات المنصب عبد الله دينق نيال. ومن الخيوط البائنة في هذه الخسارة أن معظم هؤلاء دخلوا في تنافس شديد مع مرشحي المؤتمر الوطني، في نفس الوقت الذي حقّق فيه قادة الوطني فوزاً كاسحاً على منافسيهم، وقد ذهب البعض إلى أن البرلمان الذي معظم نوابه من المؤتمر الوطني سوف تكون دورته القادمة باردة وباهتة، هذا إن لم تنتقل جلساته لدار المؤتمر الوطني بشارع المطار نسبة لعدم وجود رموز المعارضة بداخله، ومن المتوقع أن يكون الرهان منصباً على الدوائر التى تأجلت فيها الانتخابات ل (60) يوماً لتحقيق نصر نوعي للصحفيين، وأبرز تلك الدوائر الثورة (13) التي يترشح فيها رئيس تحرير «الأهرام اليوم» المرشح المستقل الأستاذ الهندي عز الدين، ورئيس تحرير صحيفة «التيار» الأستاذ عثمان ميرغني المرشح المستقل بالدائرة (12) أم درمان الثورة الشرقية، ورئيس تحرير صحيفة السوداني الأستاذ محجوب عروة المرشح المستقل للدائرة القومية (28) الخرطوم شرق.. فهل تنتقل المفاجآت لتمطر بعد ثلاثة شهور وعداً وخيراً وتمنياً؟