بوابير الغاز الحديدية .. ارتفعت أسهمها فجأة، وأصبحت مطلوبة بسبب تباشير رمضان المبارك . انفجر الحب تجاه البوابير ليس لجمال عيونها، لكن لأن الحطب الذي كان يستعمل في عواسة الحلومر .. أصبح في ذمة الله !! كان الحطب مطمح الأمهات، سواء حين يقمن بعواسة الآبري، أو بعواسة الكسرة .. وكن جزاهن الله خيرا شديدات البأس، صابرات على الشدائد، لا يتذمرن من حرارة الحطب العالية، ولا يشتكين من دخانه الذي يهيج الأغشية المخاطية، ويُلهب العيون. الآن جاء زمن بنات العز، وبار الحطب بعد أن تقلصت الفوارق في أسعاره بينه وبين الفحم، وأصبح سوق الفحم أكثر ازدهارا، لأنه الأبرد، والأقل تأثيرا على العيون والأنوف ! لكن الفحم لم يدخل منافسا في اللعبة، أقصد لعبة الآبري، فقد تم الانتقال السريع من الحطب .. إلى بوابير الغاز الأسهل، وهو الأمر الأكثر وضوحا في العاصمة في هذا الأوان. طبعا نساء اليوم .. النظيفات .. الرقيقات .. ومعهن بعض المتفلهمات، والمتأففات، والكسولات .. أحجمن عن منهج الأمهات من حيث المبدأ، ولم يعد لهن رغبة في العواسة، ووقفن صفا واحدا ضد هذه الممارسة، فاختفى صاج العواسة بالتدريج من المنازل، وأصبحت العواسة مهنة تدر المال، حيث احترفتها بقية من الصابرات على الشدائد ، وربما بعض الرجال، وأصبحت الكسرة تباع في السوق، كأي سلعة مرفهة مثل خبز بابا كوستا .. في أيام مضيئة مضت ! الكسرة والآبري .. اصبحا عملا احترافيا، ومهنة تتصدى لها ذوات الشكيمة، فانفتحت بيوت كادت أن تغلق لولا الصاج العتيد، وتربى أطفال ويتامى من عائد ذلك الصاج، حيث كان البديل أن يضيعوا تشريدا وإهمالا بعد فقدان العائل. وصاج الآبري لم يعد يتوسد المناقد، أو (اللدايات)، فقد اختار أن يكون عمليا ومتطورا، فاحتل مكانه في أسطح بوابير الغاز، لتتدلل هذه البوابير، وتفرض وجودها، وتبدأ الدخول تدريجيا للبيوت، على الأقل للاستعانة بها في المناسبات، حيث يتم استئجار العاملات عليها، ويتفرغ الآخرون والأخريات لبقية الشؤون أما الفئات الأكثر كسلا، فلا صاج في بالهم ولا غير ذلك، فهناك دائما (الجاهز)، والقروش قادرة على تسهيل كل صعب، وادفع ما في الجيب .. يأتيك ما في الغيب! الدنيا تتغير سريعا، والناس لم يعودوا كما كانوا، فقد سعوا لتغيير الحياة، فلما غيروها غيّرتهم، فلم تعد الحياة كما كانت، ولم يعد الناس كما كانوا ! الأيام القادمة هي أيام الآبري، وستنعم أنوفنا برائحة الحلومر الأخاذة وهي تتصاعد من المنازل، فنهنأ بما تثيره من كوامن، ونستذكر ما اختزنته ذاكراتنا من أيام هانئة .. وندية . أسعد الله أيامكم .