أسبوع بالتمام والكمال، والخرطوم - العاصمة المثلثة - تعاني من أزمة مياه طاحنة، دون أن تكلف هيئة المياه نفسها إصدار بيان توضح فيه الأسباب، أو تعتذر للجماهير الصابرة، كما تفعل كل الدول المتقدمة، وحتى النامية. ارتفاع رهيب في درجة الحرارة، وقطوعات مياه لدرجة انعدام ماء الوضوء في عدد كبير من الأحياء، ولا أحد يوضح أو يبرر، فالأمر عندهم (عادي)، إن مات محمد أحمد بارتفاع درجة الحرارة، أو بالعطش، أو الجوع؛ فلن تتوقف عجلة الحياة عنده، ولم يكن في يوم من الأيام من اهتماماتهم، ولا أولوياتهم، لذا لا نحلم أو نتعشم بحل مشاكلنا البسيطة، التي ينبغي أن تكون محلولة أصلاً، إن لم يكن من أجلنا؛ فمن أجل التطور والتقدم الذي يتحدثون عنه في المؤتمرات الدولية والمحلية، وبناء سودان مختلف، يضاهي الدول المتحضرة. بالله عليكم، هل سمعتم بانقطاع مياه، أو تلوث مياه في دولة من الدول المجاورة؟ دعك من الأوروبية التي أبعد من الخيال بالنسبة إلينا، أن نفكر أو نحلم بأن نصل إليها في يوم من الأيام. اجتماعات، وورش عمل، وسفريات، وزيارات، لا ندري أسبابها. والكثيرون يعيشون حالة من التعب والمعاناة اليومية، تدمع لها الأعين، وينقبض لها القلب، أسر تعاني من الجوع، وأطفال مرضى، وأسر على شفا الهاوية، لا تملك إلا ماء (الماسورة) الملوث، لتفاجأ بزيادة عذاباتها بانقطاع المياه، ليصبح الوضع: لا ماء، ولا دواء، ولا أكل، ولا كساء. قالها والي الخرطوم عبد الرحمن الخضر، عندما فاز في انتخابات أبريل والياً علينا، إن من أولى أولوياته الحل الجذري لمشكلة المياه في الخرطوم. فهلل الناس وكبروا، مستبشرين خيراً بحديث الوالي الجديد، ولأنه لم يكن جديداً علينا نحن أهل القضارف؛ لم ألتفت لحديثه كثيراً. لذا لم أكن متفائلة، ولم أتفاءل به، والدليل أزمة المياه التي تشهدها العاصمة، والمعاناة المرة التي تواجهنا يومياً منذ الصباح الباكر، والكل في حيرة من أمره، ماذا يفعل حتى يتسنى له أن يذهب إلى عمله، وهو يحلم بكوب من الماء بعد أن صرف النظر عن الحلم بكوب شاي؟ والينا الهمام يوزع الدولارات على معسكرات الهلال والمريخ في قاهرة المعز، ووصلت 72 ألف دولار أو أكثر، كما أوردت الصحف الرياضية، وكأنه والي ولاية نيويورك! المتقدمة في كل شيء، ولا ينقصها شيء، بل يعيش أهلها عيشة أهل النعيم، لذا يبحث عن أشياء أخرى ليوزع عليها أموال ولايته التي تكدست ولم يجد لها مكاناً. نحن لسنا ضد تبرعات سيادته لأندية القمة، بل هي بادرة طيبة لدعم الرياضة ودفعها للأمام، ولكن هل حلَّ الخضر كل المشاكل التي تواجه ولايته، فغادرنا إلى القاهرة ليقف مع الهلال والمريخ، وتتصدر تصريحاته الصحف الرياضية. سيادة الوالي، يا ليتك تعلم أن ولاية الخرطوم هي عاصمة الولايات، وإدارتها ينبغي أن تكون بصورة أفضل، بحل الأزمات ومعالجة مشاكل الفقر، والالتصاق بالجماهير، ومعرفة مشاكلهم، وتكوين لجان للمتابعة، والتفكير في إصلاح الشوارع والمجاري، لا سيما أن الخريف صار قاب قوسين أو أدنى، وحل أزمة المياه التي نعاني منها الآن، إن انصلح الحال؛ سنكتب عنك، وفي نفس هذه الزاوية مهنئين، وإن واصلت عدم المبالاة التي تتبعها الآن؛ فلن نقف مكتوفي الأيدي، ونحن نغرق وبسرعة نحو القاع. صديقتي المفضلة، قالت لي إن المياه صارت مثل الذهب، حلم كل أسرة، وكل امرأة تحديداً، وإن جاءت في منتصف الليل تكون مثل العصير الثقيل، لا تصلح حتى للاستحمام، خوفاً من أن تكون حاملة للأمراض، من بلهارسيا وإسهالات وكلى يصعب أن يعالجها كثير من أطبائنا المضربين، ولو بعد مائة عام. صارت العاصمة مثل القرى البعيدة في أقاصي دارفور، والكل في أحيائها يحمل (الجركانات) بحثاً عن المياه، وكأننا نعيش في العصر الحجري. بالله عليكم، هل يعقل أن يكون هذا حال عاصمة دولة يحلم أهلها بأن يكونوا في مصاف الدول المتطورة؟ جددنا العهد للمؤتمر الوطني لولاية ثانية، ولم يجددوا التزامهم معنا، بل زاد الطين بلة كما تقول جدتي رحمة الله عليها. لك الله يا محمد أحمد، ولك الله يا سودان، فالله معكم، يمهل ولا يهمل، فقط ارفعوا أكفكم بالدعاء، وهو حسبكم ونعم النصير.