حتى قبل الاحتجاجات الشعبية الأخيرة التي شهدتها جامعات وشوارع وأزقة الولاية التي يحكمها، كثيرة كانت هي هموم ومشكلات الطبيب البيطري عبد الرحمن الخضر والي الخرطوم، وتكفي نظرة سريعة على أرشيف أية صحيفة لمعرفة المشكلات التي غرق فيها الرجل منذ استلامه منصب حاكم العاصمة عقب الانتخابات العامة عام 2010، مشكلات بدأت من توفير ماء الشرب وترميم مشروع النظافة، مروراً بالأجانب وبائعات الشاي ومحلات الشيشة، ونهاية بالمواصلات والأمن والمظاهرات. الخضر، الذي دخل مطلع حياته وبحكم خلفيته البيطرية في شراكة للإنتاج الزراعي والفراخ والبيض، صعد إلى واجهة الأحداث إبان عهد الإنقاذ من نافذة صراعه المرير مع كرم الله عباس أثناء تولي الأول منصب والي القضارف وتولي الثاني منصب رئيس المجلس التشريعي بذات الولاية، وبينما كان معظم حكام الولايات الأخرى ينعمون بقدر من الهدوء، عاني الخضر من خشونة الصراع الذي فرضه عليه غريمه كرم الله ، صراع انتهى بإقالة الرجلين ، ودخول الرجل إلى تجربة حكم الخرطوم بعد تجربة وصفت بأنها عصيبة في حكم القضارف. حضور عبد الرحمن الخضر الميداني والإعلامي شبه الدائم، ربما عدل قليلاً من صورة الوالي الضاحك د.عبد الحليم المتعافي الذي طالته بعض الانتقادات بسبب ابتسامته والطمأنينة اللافتة التي لاحت على محياه وهو يخاطب مواطني الولاية على أيام غزو الخرطوم من قبل حركة العدل والمساواة، التي عززت حينها صورته كوالٍ مستتر لا يظهر إلا ضاحكاً مستبشراً دون أسباب واضحة خاصة في وقت الأزمات، كما انتقد البعض حينها وعوده التي أطلقها ولم تتحقق إلا عقب رحيله، مثل جعل كيلو الفراخ أرخص من كيلو اللحم، وجلب (بصات الوالي) الحديثة المكيفة التي تجرى بمواطني الولاية في الطرقات. وبينما لقى والي الخرطوم السابق المتعافي انتقادات يتعلق معظمها بجوانب شخصية مثل سمته الضاحك وما تردد عن أعماله التجارية المربحة، انفجرت وتفاقمت العديد من الأزمات في وجه والي الخرطوم الحالي عبد الرحمن الخضر، مثل أزمات انقطاع ماء الشرب المتكرر عن العديد من الأحياء، كان أبرزها أزمة ماء منطقة بري التي خرجت بشبابها إلى الشوارع العام الماضي، وأزمة المواصلات المستحكمة التي لم تفلح بصات الوالي في حلها وقادت لمظاهرات عديدة في موقف جاكسون وكوبري أمدرمان الجديد ، وأخيراً أزمة جنون الأسعار وخروج الاقتصاد والعملة عن سيطرة اقتصاديي الإنقاذ وكبار منظريها الاقتصاديين، أزمة قادت بدورها مثل أزمتي الماء والمواصلات إلى خروج مظاهرات. الخضر، سئل عندما جاء لحكم الولاية في حوار مع قناة النيل الأزرق، عما إذا كان يتهيب ما ينتظره على كرسي والي الخرطوم، فقال إن الصعوبات التي واجهها في البحر الأحمر والشمالية ودارفور والقضارف تجعل من مهامه كوالٍ للعاصمة سهلة مقارنة بها، وتابع إن الخدمات، خاصة توفير ماء الشرب، سيكون أكبر تحدٍ يواجهه في الخرطوم. رغم أنه وعد في حملته الانتخابية بتقييم العوائد ومراجعة المحليات لتكون الحكومة قريبة من المواطن لتحل مشاكله اليومية، لم تحل مشاكل مواطني العاصمة اليومية في واقع الأمر، بل بقيت أزمة المواصلات على حالها، مع تحسن طفيف في خدمات ماء الشرب، وارتفعت أسعار السلع بشكل جنوني، ورغم أن من الصعوبة إلقاء المسئولية المباشرة للانهيار الاقتصادي وغياب البنيات التحتية العصرية للمواصلات والنقل على عاتق والي الخرطوم ، يبقى الخضر والياً فرضت عليه الأقدار التعايش مع عواصف كرم الله عباس وصراعاته في القضارف، ومع (كتاحات) الشباب والمواصلات وماء الشرب في الخرطوم..!