عجيب أمر ما يجري وأعجب منه أن تدري! جاء في بعض الصحف وأنا هنا أرد على ما جاء في الصحف لأني لم أكن حاضراً ولم أسمع ما قاله إمام المسجد، فقد روت الصحف أن إمام أحد المساجد قد أمر جمال فرفور ألا يصلي خلفه في الصف الأول وأن يتقهقر للصفوف الخلفية لأنه فاسق، فإن صحّ ما روته الصحف وبهذه الكيفية فإني أقول إن هذا مقام «إنا لله وإنا إليه راجعون» لأن هذه مصيبة أصابت أبناء هذه الأمة بمثل هؤلاء الأئمة غلاظ القلوب، أفظاظ القول، الذين قال الله سبحانه وتعالى مخاطباً نبيه «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» (آل عمران: 159) فإذا كان هذا الإمام يتبع نهج رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه لم يقرأ ما أُمر به النبي: «خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ» (الأعراف: 199) «وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ (الحجر: 88) ولذلك كان النبي «بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ» (التوبة: 128). وحاشاه أن يحذو حذو هذا الإمام الغائب عن الصراط المستقيم والغائب عنه السلوك القويم فيطرد أحداً من المسجد أو يأمره أن يتقهقهر للخلف بغلظة تليق بسلوك أهل جاهلية القرن الحادي والعشرين.. ألم يطّلع على سلوك الرسول الكريم وهو يعالج سلوك ذلك الأعرابي الذي تبول في المسجد؟ لقد أوردت من قبل قصةً عن الشيخ الصالح معروف الكرخي «وكان قاعداً على دجلة ببغداد إذ مر به أحداث في زورق، يضربون الملاهي ويشربون؛ فقال له أصحابه: ما ترى هؤلاء في هذا الماء يعصون الله، اُدع الله عليهم، فرفع يديه إلى السماء قال: «إلهي وسيدي، كما فرحتهم في الدنيا أسألك أن تفرحهم في الآخرة. فقال له أصحابه: إنما قلنا لك: ادع عليهم، فقال: إذا فرحهم في الآخرة تاب عليهم في الدنيا، ولم يضركم شيء». «وقد كان أن هداهم الله جميعاً.. وأصبحوا من عباده المتقين» أين سلوك هذا الإمام من هذا ولا أراه إلا من شاكلة «الذين يظنون أنهم يحسنون صنعا». بل أين سلوكه من سلوك إمام مسجد سلطان أحمد وقد حكاها لي صديق تركي عام 1985م قابلته في اسطنبول وقد كنت متضايقاً من إقبال الأتراك على التدخين و أنا أعاني من حساسية مفرطة تجاه الدخان.. وفي مكتبة السليمانية كنت أبحث عن أمهات المراجع عندما استرعى انتباهي أحد الأتراك وهو لا يدخن فذكرت له ذلك.. فقال لي كنت في يوم من الأيام أدخن كبقية الأتراك ولكني سألت إمام مسجد سلطان أحمد بعد صلاة الجمعة عن التدخين وهل هو حلال أم حرام.. فقال لي- التدخين ليس حراماً. قلت ولكن بعض الناس يقولون إنه حرام.. قال أنت سألتني وأجبتك بأنه ليس حراماً.. وإذا أردت أن تدخن الآن يمكنك أن تُخرج سيجارتك وتدخن. قلت فزعاً: هنا ؟ في المسجد؟ قال: نعم هنا في المسجد.. قلت: لا.. لن أدخن في المسجد.. هذا لا يجوز قال: لماذا لا يجوز؟ قلت: لأن هذا مكان طاهر .. ولن أدنسه بالدخان. قال: لقد قال الرسول الكريم «جُعلت لي الأرض مسجداً» .. فأين ستدخن؟ إلا في كوكب آخر. وفهمت الرسالة ومن يومها أقلعت عن التدخين. من وقت لآخر يطل علينا أحد من المتنطعين، المتفيقهين، المتشدقين، تماماً كما قيل في آخر الزمان يزجر هذا ويعبس في وجه هذا ويلقي خطبة في المصلين وهو لا يدري كم خريفاً ستهوي به في نار جهنم بينما يظن أنه يحسن صنعاً. والجرم الأكبر يقع على عاتق وزارة الأوقاف التي لم تمحص جيداً في اختيار أئمة للمساجد بل رمت بعض المساجد بمن هم لا مكان لهم في مسجد أو جمع مرحوم بإذن الله رغمت أنوفهم. وأقول للأخ والصديق القانوني الفنان جمال فرفور قل: «إنا لله وإنا إليه راجعون» فما حدث لك جزء من ابتلاءات هذا الزمان ويبدو أننا قد أدركنا آخره الله أعلم فالفتن تترى كقطع الليل البهيم التي تجعل الحليم حيرانَ والقابض على دينه كالقابض على الجمر. ولا تترك الصف الأول وصلِّ في مسجد آخر غير الذي يصلي فيه هذا الإمام الممتلئ بغضاً وشحناء حتى يقضي الله أمراً كان مفعولا. ونسأل الله أن يهدي هذا الإمام ويجعله من الذين يدعون إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة وأن يغفر له تلك الغلظة والفظاظة التى ما تحكمت في سلوك إمرئ إلا أوردته موارد الهلاك. آخر الكلام: دل على وعيك البيئي.. لا تقطع شجرة ولا تقبل ولا تشتر ولا تهد هدية مصنوعة من جلد النمر أو التمساح أو الورل أو الأصلة أو سن الفيل وليكن شعارك الحياة لنا ولسوانا. ولكي تحافظ على تلك الحياة الغالية لا تتكلم في الموبايل وأنت تقود السيارة أوتعبر الشارع. وأغلقه أو اجعله صامتاً وأنت في المسجد.