وهؤلاء يجري عليهم حكم البغي إذا خرجوا على الدولة المسلمة البرة أو الفاجرة وقد ورد عن البغي الآتي: البغي: تعريفه: البغي في اللغة هو»و تجاوز الحد والإفراط على المقدار«. والبغي في تعريف المصطلح الفقهي:» هو الامتناع عن طاعة من تثبت إمامته في غير معصية بمغالبة أو تأول«. ابن عرفة عند الحنفية »البغاة هم الخارجون عن الإمام الحق بغير حق «. وعند المالكية والشافعية »هم مسلمون مخالفون لإمام بأن خرجوا عن طاعته بعد انقيادهم له، أو منعوا حقاً توجه عليهم كالزكاة، ولهم تأويل باطل ولهم شوكة وإن لم يكن لهم إمام« شوكة بمعنى قوة وعتاد. قال ابن قدامة في المغني ج»10/48« وكل من تثبت إمامته وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه وقال: ويحرم الخروج عليه لما فيه من إراقة الدماء وهتك الأعراض وإثارة الفتن والفساد«. والبغي عند الهيثمي »من الكبائر لقوله: البغي هو الخروج عن الإمام ولو كان جائرًا.. لما يترتب عليه من المفاسد التي لا يحصى ضررها ولا ينطفئ شررها« الزواجر عن اقتراف الكبائر ص 179 يقول د. محمد سليم العوا في كتابه في أصول النظام الجنائي الإسلامي ص 175 يعرِّف الفقهاء البغي بأنه خروج طائفة مسلمة لهم إمام وشوكة على الحاكم الشرعي بغية عزله عن الحكم بتأويل ولو بعيد المأخذ. »تقابل أفعال البغاة في الفقه الجنائي الإسلامي ما يعرف اليوم في التشريعات الجنائية المعاصرة بجرائم أمن الدولة« ما جاء في القرآن الكريم والسنة النبوية عن البغي: قال تعالى: »وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِن فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ« الحجرات /9 قال تعالى »إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُون«َ النحل/90 قال تعالى »إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ« الشورى /42 قال صلى الله عليه وسلم: » من حمل علينا السلاح فليس منا« رواه البخارى ومسلم. قال صلى الله عليه وسلم:» ستكون هنّات وهنّات، ألا ومن خرج على أمتي وهم جميع فاضربوا بالسيف عنقه كائناً من كان« رواه مسلم. قال صلى الله عليه وسلم: »إنه ستكون هنّات وهنّات فمن أراد أن يفرِّق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائناً من كان«. وفي رواية »من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشقق عصاكم أو يفرِّق جماعتكم فاقتلوه« رواه مسلم. قال صلى الله عليه وسلم:» ليس من أمتي من خرج على أمتي يضرب بَرها وفاجرها لايتحاشى منها ولا يوفي عهدها فليس مني ولست منه« رواه مسلم. قال صلى الله عليه وسلم »من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر فإن من فارق الجماعة شبرًا مات ميتة جاهلية« رواه الشيخان. قال صلى الله عليه وسلم :»ما من ذنب أحرى أن يعجّل لصاحبه العقوبة في الدنيا من البغي، وما من حسنة أحرى أن يعجّل لصاحبها الثواب من صلة الرحم «. مجموعة الفتاوى ج / 35/ ص 82. روى البخاري في تاريخه عن عبد الكريم البطاء قال: »أدركت عشرة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهم يصلي خلف أئمة الجور«. المسامرة في شرح المسايرة ج 2/167. قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه:» من دعا إلى إمارة نفسه أو غيره من غير مشورة من المسلمين فلا يحل لكم إلا أن تقتلوه« كنز العمال ج 5 / 2557. » حينما فكّر علماء بغداد في التمرُّد على الخليفة أيام الواثق بسبب القول بخلق القرآن وحمل الناس على ذلك واستشاروا الإمام أحمد بن حنبل قال: عليكم بالفكرة في قلوبكم ولا تخلعوا يداً من طاعة ولا تشقوا عصا المسلمين«. ابن حنبل حياته وعصره لأبي زهرة ص 172 يقول الإمام أبو زكريا الأنصاري: »إن الإمام ليس له أن يقاتل الخارجين قبل أن يسألهم عن سبب خروجهم، فإن ادّعوا مظلمة أو شبهة كان على الإمام أن يرد المظالم ويكشف الشبهات، ثم يدعوهم بعد ذلك للطاعة فإن لم يعودوا قاتلهم لأنهم يصبحون بامتناعهم عن العودة للطاعة بغاة ولو كانوا قد خرجوا في أول الأمر بحق« أسنى المطالب ج4 ص 114 . وقد قاتل الإمام علي رضي الله عنه الفئة الباغية، كما قاتل أبوبكر الصديق مانعي الزكاة، وقد اتفق الفقهاء على أن هذه الفئة الباغية لا تخرج عن الإسلام ببغيها لأن القرآن الكريم وصفها بالإيمان، مع مقاتلها، فقال:» وإن طائفتان من المؤمنين أقتتلوا000« ولهذا فإن مدبرهم لا يقتل، وكذلك جريحهم، وأن أموالهم لاتغنم، وأن نساءهم وذراريهم لاتسبى، ولايضمنون ما اتلفوا حال الحرب، من نفس ومن مال، وأن من قتل منهم غسل وكفِّن وصليَ عليه. أما من قتل من الطائفة العادلة، فإنه يكون شهيداً، فلا يغسل ولا يصلى عليه، لأنه قتل في قتال أمر الله به، فهو مثل الشهيد في معركة الكفار. شروط من ينطبق عليهم وصف البغاة:- 1- الخروج عن طاعة الحاكم العادل التي أوجبها الله على المسلمين لأولياء أمورهم. 2- أن يكون الخروج من جماعة قوية، لها شوكة وقوة بحيث يحتاج الحاكم في ردهم الى الطاعة، إلى إعداد رجال ومال وقتال. 3- أن يكون لهم تأويل سائغ يدعوهم إلى الخروج على حكم الإمام، فإن لم يكن لهم تأويل سائغ وكان قتالهم لعصبية ولأجل الدنيا والحصول على الرياسة ومنازعة أولي الأمر فهذا الخروج يعتبر محاربة وكانوا محاربين لا بغاة. »انظر بتوسع م2/ص601 للشيخ سيد سابق.وم35/ الفتاوى الكبرى لابن تيمية.« 4- أن يكون لهم رئيس مطاع يكون مصدراً لوحدتهم ،لأنه لا قوة لجماعة لا قيادة لها. الطائفه الرابعة: طائفة مسلمة عندها حجة من الله وبرهان أجمع العلماء على عدم جواز الخروج على الدولة المسلمة بالسلاح سواء اكانت عادلة أم جائرة ولم يستثنوا إلا ما استثناه الحديث الشريف »إلا أن تروا منهم كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان« وجوّز الفقهاء الخروج على الدولة في الحالة الثالثة التي تم وصفها آنفاً وتلك التي جانبت حكم الشرع الإسلامي أو نكصت عنه. Oعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه قال: »بايعنا رسول الله صلى الله عليه على السمع والطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وعلى أثرة علينا، وعلى أن لا ننازع الأمر أهله، وعلى أن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم وفي رواية وعلى أن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفراً بواحاً عندكم من الله فيه برهان.« رواه الشيخان O يقول الإمام ابن حجر العسقلاني في فتح الباري »في حالة أن يكون الحاكم معارضاً لإقامة الشريعة وبخاصة الحدود ويرى أن الإسلام غير صالح لهذا الزمن، وأن الحكم بالقانون يكون هو المفضل عنده، فإن هذا الحاكم كافر فيجب على المسلمين إذا كانوا قادرين الخروج عليه وإزالته عن منصب الحاكم، لأن ما قاله كفر بواح. ويُشترط في الخروج عليه أن لا يترتب عليه مفسدة أكبر من وجوده« فتح الباري ج/13ص5-6 O قال جابر بن عبد الله الأنصاري »أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، ان نضرب بهذا- يعني السيف- من خرج عن هذا يعني المصحف« فتاوى ابن تيمة م35 ص365 يقول الامام ابن حزم الظاهري :» إن من قام يدعو إلى أمر بمعروف ونهي عن منكر أو الى إظهار القرآن والسنة والحكم بالعدل فليس باغياً، بل الباغي من خالفه« »المحلى ج11 ص98« يقول الشيخ سعيد حوى في كتابه جند الله ثقافة وأخلاقاً ص388 تعليقاً على تعريف الأحناف: »البغاة هم الخارجون على الإمام الحق بغير حق« فالكافر ليس إمام حق، والمبتدع ليس إمام حق، والذي يلغي أحكام الله ويعطل شريعته ويريد أن ينشر الفسوق والإباحية ليس إمام حق« ويقول الإمام ابن حزم في المحلى ص176» إذا كان أهل الحق في عصابة يمكنهم الدفع، ولا ييأسون من الظفر ففرض عليهم ذلك، وإن كانوا في عدو لا يرجون الظفر لقلتهم وضعفهم كانوا في سعة لترك التغيير باليد« O يقول إمام الحرمين أبو المعالي الجويني في غياث الأمم ص110:» لأهل الحل والعقد التواطؤ على خلعه ولو بشهر الأسلحة وصب الحروب... ويقول ولكن إذا اتفق رجل مطاع ذو أتباع وأشياع ويقوم محتسباً بالمعروف ناهياً عن المنكر وانتصب بكفاية المسلمين ما دفعوا إليه »أيدوه« فليمضِ في ذلك قدماً والله نصيره على الشرط المقدم في رعاية المصالح والنظر في المناجح، وموازنة ما يندفع ويرتفع بما يتوقع« وهذا بعد استنفاذ الجهد في طريق النصح والإصلاح السلمي، والتحقق من شروط الإعداد المطلوبة في الآية الكريمة »وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ« الانفال/60 وختاماً اللهم أبرم لنا أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويهدي فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر.