الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد: لقد مضى عام على انطلاق ثورة الحرية في أرض الشام المباركة، ولم يتوقف فيه نزيف دماء إخواننا في سورية وإزهاق الأرواح وإهلاك الحرث والنسل لحظة واحدة، فضلاً عن ساعة أو يوم! لقد مضى عام والنظام الطائفي في دمشق لا يزداد إلا إمعاناً في الإجرام وولوغاً في دماء وأعراض المسلمين، مستخدماً قوة بطش جبارة دونما أدنى رادعٍ من قيمةٍ أخلاقيةٍ أو بقايا ضميرٍ إنسانيٍّ أو حتى غريزيٍّ! وبالمقابل أيضاً فقد مضى العام وإخواننا في سورية لا يزدادون مع المحنة إلا إصراراً على نيل حريتهم، وإقبالاً على بذلِ الأموالِ والمُهَجِ وأفلاذِ الأكباد، راضيةً بذلك نفوسهم مطمئنةً أفئدتهم، ومع إشراقة فجر كل يوم يقتربون من وعد الله الحق بالنصر بإذن الله، وتلتحق بقافلة الثورة شرائح كانت تتردد[1]، والنظام يتقهقر يوماً بعد يوم. إنها معركة من معارك الحق الفاصلة، تمايزت فيها الرايات، واتضحت فيها النوايا والغايات، وحزب الباطل يدأبون في الاصطفاف ويتفننون في المكر والكيد أفراداً وشعوباً وحكومات...! ليس في ما ذُكِر ضَيْر ولا تثريب؛ وإنما الممضُّ في الأمر، ذلك الصمت المريب لكثير من النخب والشعوب المسلمة، وذلك التباطؤ و (التواطؤ) في بعض صوره لكثير من النظم العربية والإسلامية، بما فيها النظم الوليدة من رحم ثورات الربيع العربي! تُرَى إلى أي حد يجب أن تصل الفاتورة التي يدفعها الشعب السوري من الدماء والأشلاء لكي تتحرك الضمائر؟ جدير بالأمة (حكومات وشعوباً وأفراداً) أن تعي أن الشعب السوري يمثل رأس حربةٍ في صراعنا الحضاري صراعِ الوجودِ، وجدير بها أن تتحمل مسؤولياتها تجاهه، ودونها قول ربها - سبحانه -: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25]. --------------------- عندما يمتلئ جحر الضب..!! د. أنس ابنعوف عباس رأيت ذات يوم شاباً معتنياً بهندامه، يرتدي ملابس فاخرة، تظهر عليه آثار النعمة، وقد أوتي بسطة في الجسم،غير أن نظري توقّف عند شعره المصفّف على هيئة معينة، حيث يبدو أنه قَصّ شعرَ جانبي رأسه وأبقى بعضه في المنتصف مرتفعاً على شكل خطّ (مجرد خط) ممتد من مقدم رأسه إلى قفاه، أشبه ما يكون بعُرف الدّيك..! بل تماماً مثل الديك حتى إننى لِوهلة خفت أن ينقرني..! وعلى الرغم من غرابة المنظر إلا أنني استبعدت أن يكون الشاب مختل العقل فلا المكان ولا المهمة التي كان بصددها تؤيد ذلك. ولم أستطع أن أمنع نفسي من ملاحظته أملاً في معرفة السبب الذي يغري شاباً مثله ب»التمثيل» بنفسه على هذا النحو..! وخمنت أنه يقلّد أحد المشاهير في طريقة حلاقة الشعر، ثم تأكد ظني بعد فترة عندما رأيت شباباً آخرين في مناسبات متفرقة بذات المظهر «الديكي»..! وعرفت أن صاحب براءة الاختراع هو لاعب كرة غربي، إذن فهي ليست مجرد نزوة عابرة أو سلوك فردي شاذ وإنما هي نزعة مستمرة لدى قطاع عريض من الشباب إلى تقليد ما يسمى بمشاهير الفن والرياضة، خاصة الغربيين منهم، متلقفين كل ما تجود به قرائحهم «المتقيّحة» من تقليعات وموضات، فيسارعون إلى تقليدها دون تفكير، فيُلغون عقولهم وأفهامهم – إن كان لديهم أصلاً أشياء من هذا القبيل - ويطرحون أمزجتهم وتقاليدهم وأعرافهم، ولا يبقى في أذهانهم إلا صورة واحدة لتلك القدوة المزيفة..! ربما لا أعجب لو قلّد الشاب أحد المشاهير في حسن مظهره أو اعتدال مشيته أو أو في الاعتناء بتقوية بنيَته، فهي صفات تحبها النفوس وتميل إليها عادة، لكنني أعجب ممن يقلد من الصفات ما ليس بمحمود في عُرف الناس ولا محبوب– فضلا عما يثير الاشمئزاز - حتى إذا فعله ذلك النجم الشهير صار منتهى الجمال والأناقة وغاية التقدم والعصرية..!إنها الانهزامية في أسوأ صورها، حتى إننا صرنا إذا لاحظنا انتشار زيّ معين أو طريقة جديدة في الملبس علِمنا – دون أن نسأل – أنها «موضة» جديدة صاحبها لاعب كرة أو فنان أو ما أشبه.. قبل فترة انتشرت – ولا تزال – ظاهرةُ لبس البنطال القصير أو «الشورت» أو ما يسمى «البرمودا» بين الشباب، ولم يكن ذلك إلا تقليدا سافراً للغرب، ولو تأملنا قليلاً لوجدنا أن الشاب الملتزم إذا قصّر بنطاله فرفعه فوق الكعب شيئاً يسيراً فإنه قد يُسخر منه أو يعدّ متزمتاً أو رجعياً أو متخلفاً....الخ، في حين أنه ما فعل ذلك إلا تأسياً بالنبي صلى الله عليه وسلم وطاعة له في الأمر بتقصير الإزار إلى ما فوق الكعبين، وفي المقابل لما ظهر البنطال القصير كموضة أقبل الشباب عليه وتهافتوا على ارتدائه..! ألأنه وارد غربيّ..؟ أبين عشية وضحاها يصبح الفعل ذاته - الذي كان في نظرهم رجعية – تقدما ومواكبة..! أي نفس مغلوبة مهزوزة يحملها ذلك المقلِّد المتشبّه ؟ أي شخصية خانعة مستسلمة ؟ بل أي فراغ وخواء يخيّم عليه ؟ إن هذا الأمر لا تفسير له سوى أن محبة ما يسمى بمشاهير الفن والرياضة تضخمت في صدور الشباب حتى غلبت محبة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه وسنته.. إن كان بقي منها بقية..! إن هذا يعني بكل وضوح أن كثيرا من شبابنا لم يعد لهم قدوة – وأخشى أن أقول قِبلة – إلا سقطة الغربيين وحثالتهم، يسيرون خلفهم حيث ساروا، وينزلون حيث نزلوا، صدق فيهم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من روايةأبي سعيد الخدرى قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو دخلوا فى جحر ضب لاتبعتموهم». قلنا: يارسول الله آليهود والنصارى؟ قال: «فمن؟». وهاهو جحر الضب الآن يمتلئ..!