٭ إذا كانت الأخبار تتحدث عن جسر جوي إسرائيلي لدعم الجيش الشعبي التابع للحركة الشعبية ولا نقول لدولة جنوب السودان التي يثور شعبها في كل ولاية على حكومة الحركة الشعبية، فما الغريب في الأمر؟!.. ومتى انقطع دعم إسرائيل لقوات الحركة الشعبية منذ استئناف التمرد يونيو عام 1983م بقيادة كاربينو وقرنق؟! إن الذي استجدّ أن هذا الدعم الإسرائيلي قبل انفصال الجنوب لم يكن معلنًا وبعد الانفصال ها هو يعلن، وهذا طبيعي بعد زيارة سلفا كير «الاحتمائية» إلى إسرائيل. وحكومة الحركة الشعبية تفهم أن تجاوزاتها تكون مباحة على الصعيد الدولي إذا كانت ذات علاقات حسنة وصداقة حميمة بإسرائيل. وكذلك هناك أنظمة حكم تتعامل مع الكيان الصهيوني برقة شديدة وتتنازل له عن بعض مواقفها أو بعض أراضيها لكسب رضاه وبالتالي رضا واشنطن وبالتالي يستطيع أن يحتقر شعوبها ويسومها سوء العذاب وينصب لها حمامات الدم كما يحدث في سوريا التي ينازل نظام البعث فيها عن المقاومة لاسترداد منطقة الجولان السورية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967م. ترى هل غض المجتمع الدولي الطرف عن حمامات الدم في سوريا ضد الشعب السوري لأن إسرائيل تكسب استمرار احتلالها لمنطقة الجولان السورية؟!.. ليس بالضرورة أن تكون هناك علاقات دبلوماسية بين إسرائيل ودولة أخرى ولا يكون التطبيع مع دولة الاحتلال إلا في إطار هذه العلاقات.. فهناك بعض الدول تعلن أنها ضد إسرائيل وتزايد بذلك ولكنها تقيم علاقات سرية معها وتشتري منها السلاح بسعر السوق الأسود بعد حظر بيعه عليها لصالح بعض الدول التي حاربتها. إن الغريب أن ترفض إسرائيل دعم الحركة الشعبية في جوبا وتنصحها بأن يكون الجسر الجوي لإغاثة شعب جنوب السودان الذي يواجه الجوع والمرض وغياب الأمن وما كان تأجيل طرد الجنوبيين من إسرائيل من الأول من أبريل إلى الخامس عشر من أبريل الجاري إلا بسبب الظروف الاقتصادية والأمنية السيئة التي يمر بها شعب الجنوب، واللاجئون الجنوبيون أنفسهم هتفوا أمام منزل رئيس الوزراء الإسرائيلي يقولون: «لا تسوقونا إلى الموت». والموت من الجوع والمرض هناك أكثر منه بسبب الحروب بين الثوار والجيش الشعبي، فالجنوب يحتاج إلى جسر جوي للغذاء والدواء، وإسرائيل تفهم هذا جيداً، لكنها بعنصرية اليهود تحتقر شعوب إفريقيا وتنفر منهم وهم لاجئون كما يهرب السليم من الأجرب، لكنها توظفهم لأجندتها المعلنة والسرية بأسلوب استغفالي، بل حتى «الفلاشا» وهم يهود إثيوبيون أصحاب بشرة «سمراء» تنظر إليهم إسرائيل على أنهم مواطنون درجة ثانية، وتتخذهم وقوداً لتحارب بهم المقاومة الفلسطينية، ثم إن الجسر الإسرائيلي لدعم الجيش الشعبي يمكن أن يكون لدعم الحركات المتمردة المنضوية تحت مسمى الجبهة الثورية، فلا يمكن إعلان دعمها كما لم يكن في السابق بالإمكان إعلان حركة التمرد بقيادة قرنق، وقبلها حركة التمرد بقيادة جوزيف لاقو كما اعترف هو نفسه. من الممكن إعلان الدعم اليهودي لدولة لها علاقات معلنة «معها، لكن ليس من الممكن أن تعلن إسرائيل دعمها لحركات متمردة، أما إذا وصلت إلى الحكم مستقبلاً مثل الحركة الشعبية فيكون من الممكن. والجسر الجوي الإسرائيلي يكون أيضاً لإنقاذ حكم الحركة الشعبية من المنعطف الخطير الذي يمر به بسبب ضغوط الثوار وتحقيقهم انتصارات مستمرة بالاستيلاء على مناطق كانت تحت سيطرة قوات حكومة جوبا وآخرها مقاطعة ربكونا بولاية الوحدة وكان قبلها السيطرة على مناطق واسعة من ولاية جونقلي مهد تمرد 1983م بقيادة قرنق، وكان مطار ربكونا يستقبل طائرات الجسر الجوي الإسرائيلي لدعم قوات حكومة جوبا. وبإحراز الثوار لهذا التقدم لابد من أن ترتجف إسرائيل خوفًا من إطاحة حكم حليفتها في جوبا، وتكون قد أضاعت المال والوقت والجهد سدى منذ انطلاق التمرد عام 1983م، وبذلك تكون تجارتها التآمرية قد خسرت بفداحة لذلك كان لابد من جسر الإنقاذ الجوي، لكن هل يتحول ما يأتي به الجسر الجوي إلى غنائم في أيدي الثوار الجنوبيين؟! إن الأمر خطير وستقول الخرطوم «لا بديل لنصائحنا» وحق لها أن تقول..