كثيرة هي هموم الاغتراب، وكثيرة هي القصص المحزنة في حياتهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون وإن كان معظمها مسكوت عليها من قبلهم؛ لأنها أحياناً تأتي من أقرب الناس إليهم خاصة فيما يتعلق باستثماراتهم.يقول لي أحدهم: لي قطعة أرض وكلفت أخي لكي يقوم ببنائها وصرت أرسل له بين كل فترة وأخرى ما ادَّخره من المرتب بعد ضغط المصاريف وحينما عدت إلى السودان لم أجد الأرض، ولم أجد أخي فقد هرب بكل شيء.. فكان لسان حالي الصمت أبلغ من أي قول.. فماذا أقول فيه وهو أخي وشقيقي. ويحكي لي آخر: اتصل بي نسيبي ليبلغني بأن هناك أراضي ممتازة للبيع وبسعر معقول فوافقت خاصة أن إحدى أمنياتي أن أمتلك قطعة أرض في الخرطوم لكي أبني عليها حلم المستقبل منزل يأويني أنا وأولادي من غربة غير مضمونة العواقب فأخذت كل ما أدّخره وأضفت إليه ذهب أم العيال وقررت أن لا أسافر هذا العام إلى السودان؛ لأنني صرت لا أمتلك حتى سعر التذكرة لي ولأولادي وقلت أضحي بهذا العام من أجل الأرض وأرسلت له كل ما أملك، ولكن بعد عامين عندما عدت إلى السودان لم أجد الأرض ولم أجد القروش فقال لي نسيبي تصرفت في القروش لظروف قاسية مرت بي وسأردها لك فكانت النتيجة أن وقعت مشكلات بيني وبين نسيبي وكانت الضحية ابنتهم. مشكلة أخرى يحكيها صديقي حيث يقول: أرسلت للأسرة حافلة لمساعدتهم في مصاريف البيت التي هدَّت حيلي ولم يتبقَ لي أي مدخر وأمامي مستقبل وأحلام أُريد أن أُحققها وخطيبة تنتظرني لها الآن أكثر من ثلاث سنوات واستطعت في السنة الأولى أن أوفر مبلغًا محترمًا، ولكن مع بداية السنة الثانية اتصلوا بي ليخبروني بأن الحافلة تعطّلت وتحتاج إلى إسبيرات؛ فقلت لهم أين دخلها اليومي؟ قالوا لي كانت تذهب في مصاريف البيت مع العلم أن المبلغ المطلوب يأخذ نصف مدخراتي، فتوكلت على الله وأرسلت مبالغ أخرى، ولكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد وصاروا كل شهر أو شهرين يتصلون بأن الحافلة تحتاج إلى كذا وكذا فأغلقت تلفوني وحتى الآن لا يعلمون أين أنا. هذا قليل من كثير يحدث في مجتمع المغتربين وهناك قصص أخرى مُحزنة سنحاول عرض بعض منها لاحقًا. ------------------------- الطلاق بين المغتربين.. غياب الأسرة الممتدة عرض: هناء عزالدين «الطلاق» أبغض الحلال عند الله.. ظاهرة باتت تتنامى ومشكلة اجتماعية تأخذ بتلابيب المغتربين وتثير هواجس أسرهم في الغربة وهي ظاهرة تفشت في الآونة الأخير وهي نار يكتوي بها الآباء و الأمهات في دول المهجر وعادة مايكون هذا الطلاق هو نتاج إفرازات الغربة لفترات طويلة والابتعاد عن الوطن. «الإنتباهة» حاولت فتح ملف هذه القضية واستجلاء بعض جوانبها فأجرت سلسلة من اللقاءات والاتصالات مع المغتربين وأسرهم.. ولحساسية القضية أمسكت الصحيفة الأسماء الحقيقية واكتفت برموزها الحرفية: تقول «م. ع.» عندما تزوجت من طليقي تحت ضغط من الأسرة لأنه من أقدم الأسر السودانية في دولة الإمارات وتربطنا بهم علاقات أسرية ولم أكن أعرف في حياتي رجلاً غيره وحتى طفولتنا كانت سويًا وبعد أن كبرنا كان قرار الأهل أن نتزوج باعتبار أن هناك معرفة بيننا وبينهم ولا أنكر أننا قمنا باختيار كل شيء مع بعضنا البعض وحتى أدق التفاصيل ولكن بعد الزواج حدث الانفصال بعد فترة قصيرة لأني تفاجأت باستهتاره وعدم احترامه لي كزوجة وحتى أهلي اشتكوا فهو لم يكن يبالي لأي أمر عكس ما كان في السابق ولذلك كنت أرغب في الطلاق منه غير مبالية برأي المجتمع وكنت على قناعة بأني سوف اتصدى لكل الضغوط المجتمعية التي قد تواجهني بسبب الانفصال من زوجي. اما «رزان» فتقول إنها تزوجت بشكل تقليدي دون دراسة سابقة حيث إنها لم تكن تعرف عنه شيئًا قبل الزواج فاكتشفت فيما بعد أنها وقعت في سوء اختيارها الأمر الذي عرضها لخيار الطلاق بعد «5» أشهر فقط من الزواج وكان والسبب خلافات بسيطة كان يمكن معالجتها فقررت العيش هنا في الإمارات لأنني أعلم أن المجتمع السوداني لن يرحمني ولكن في الأمارات لا أحد تعنيه مشكلتي ولم ينتبه لي أحد إن كنت مطلقة أو متزوجة.أما والدة رزان فتقول إنها حاولت الضغط على ابنتها حتى تتحمل زوجها وأخبرناها أن الخلافات ملح الحياة الزوجية كما حاولنا إقناعها بالعودة إلى السودان والعيش مع زوجها إلا أنها رفضت وفضلت الانفصال والتخلي عن أحد أطفالها على العودة والعيش مع أهل زوجها حيث إنه أخذ منها الابن الأكبر مقابل الطلاق وتنازلت عن ابنها بكل سهولة. وهذه الظاهرة يبدو أنها أصبحت أكثر تعقيدًا عندما تتطاول سنوات البعد عن السودان وعن الأسرة الممتدة في الوطن حيث يدخل الابن أو الابنة هذه التجربة بدون تجهيز ذهني أو نفسي كما أن أهم أسباب الطلاق ترجع لعدم فهم الأبناء لطبيعة الحياة الزوجية أما لصغر سنهم أو لقلة تجربتهم في الحياة بجانب الدلال الزائد أو ما يسمى في السودان «بالدلع» من الوالدين لإحساسهم أن أبنائهم يفقدون في الغربة الحنان من الأهل في السودان مما يجعلهم لا يستطيعون تحمل أعباء مسؤوليات الزواج فيلجأون إلى الطلاق في أول مشكلة دون البحث عن حلول ثم تتعقد المشكلة وتتداخل فيها أشياء أخرى وهذه العوامل المتشابكة تتمازج مع بعضها لتشكل واقعًا للفشل والضغط النفسي في الحياة الجديدة.. ويتحول هذا الضغط للأبناء ويشكل ترسبات في دواخلهم.. وأقل ما يمكن تقديمه من مساعدات لمعالجة مثل هذه المشكلات هو الإرشاد النفسي وإشاعة المودة والتعاطف إلا أن الواضح في المشكلات الزوجية أن هؤلاء الأزواج نجدهم دومًا يعانون الوحدة و يصارعون أنفسهم ويحتضنون تجربتهم وخبرتهم في الحياة رغم أنها خبرة فطيرة