ولاية جنوب دارفور هى واحدة من أكبر ثلاث ولايات فى السودان بمواردها البشرية والطبيعية وثروتها الحيوانية ومعادنها وخامتها الاقتصادية وهى الولاية الوحيدة التى تربط قمة جبل مرة «شاو فوقه وأوه فوقه» بمنطقة بحر العرب داخل حدود ادارية واحدة وحاضرتها مدينة نيالا واصبحت من اكبر المراكز الحضرية والتجارية والصناعية فى البلاد. الولاية لها سجل اجتماعى ناصع فى اطار الارث الحضارى لدارفور التى تداخلت فيها اعراق وانساب المجموعات السكانية حتى اوجدت نسيجًا متجانسًا لدرجة الانصهار والاندماج. وكان زعماء القبائل من السلاطين والنظار والشراتى والعمد والشيوخ يُعرفون بحكماء دارفور لقدرتهم الكبيرة على حل المشكلات وادارة المجتمعات المحلية عن طريق العرف والتراضي، وفى عهدهم تطورت الاعراف حتى جذبت اهتمام الباحثين فى الدراسات الاجتماعية واصبحت مادة تدرس فى الجامعات على مستوى العالم، ورغم التاريخ المتميز والارث الحضارى الكبير لكن الحياة فى جنوب دارفور قد اضطربت فى العقود الاخيرة وتدهورت حتى اصبحت صورتها هى الاسوأ بين ولايات السودان واضمحلت القدرة على ادارة المجتمعات المحلية وتقديم الخدمات وإحداث التنمية الاقتصادية والاجتماعيةو وأصبحت الولاية تعانى نقصا فى كل شيء حتى فى الاصول الثابتة والمبانى والعقارات التى تستضيف مؤسساتها، وظهرت الحروبات بين القبائل حتى المتجاورة منها منذ مئات السنين وتفشت ظواهر القتل والنهب والتفلت الامني، واصبحت سلطات الولاية غير قادرة على أداء المهام المنوطة بها بعد ان تراكمت استحقاقات عامليها والصناديق التى تقوم بخدمتهم لتصل لمبالغ خرافية مقارنة بموازنتها المالية السنوية، ومنذ إنشاء الولاية قبل «18» عامًا مازالت جميع وزاراتها ومفوضياتها ومؤسساتها الولائية مستضافة فى مقار مؤقتة من المبانى المستأجرة او المبانى القديمة التى تعود لمركز جنوب دارفور المنشأ فى عهد الادارة البريطانية وزارة التربية مثلا مازالت طوال هذه الفترة مستضافة فى مدرسة بعد ان طردت التلاميذ منها حتى يومنا هذا، التردى فى اوضاع الولاية الامنية والخدمية والتنموية جعل المهتمين يلتفتون اليها للبحث والتدقيق عن الأسباب ولأن النظام المتبع فى الولايات هو نظام رئاسي سلطاته بيد الوالى والآخرين من الوزراء هم مساعدون له فقط سيكون التركيز على الولاة الذين تعاقبوا على ادارة الولاية مركزين على طرق اختيار كل منهم وأبرز انجازاتهم من البنيات التحتية والمبانى والعقارات لمساعدة أولى الامر فى التقييم والتقويم ليبدأ اهل الولاية هذه المرة فى ظل الولاية الثانية بعد شطر ولاية شرق دارفور بالضعين البداية الصحيحة. تسلسل الولاة الذين تعاقبوا على الولاية: «اللواء طبيب/ بابكر جابر كبلو 1994م د.عبد الحليم اسماعيل المتعافى 1996م د. الحاج آدم يوسف 1997م الناظر/ حريكة عزالدين حميدة 1999م الذى فقد منصبه عندما ترشح فى الانتخابات البرلمانية عام 2000م فى دائرة لقاوة بجانب الاستاذ/ كمال سيد احمد مكلفًا لفترة الانتخابات الناظر/ صلاح على الغالى 2000م الفريق/ آدم حامد موسى 2003م المهندس/ الحاج عطا المنان 2004م الأستاذ/علي محمود محمد 2007م الذى فقد منصبه عندما عزلته قيادة حزبه «المؤتمر الوطنى» من رئاسة فرع الحزب بالولاية لأسباب موضوعية متعلقة بالسلبيات التى لازمت عهده ثم د. عمر احمد عبد الجبار 2010م مكلفًا لفترة الانتخابات فقط د. عبدالحميد موسى كاشا 2010م الذى اختاره حزب المؤتمر الوطنى رئيسًا لفرعه بالولاية ومرشحه لمنصب الوالى «كاشا» فاز فى الانتخابات بحصوله على «56%» من اصوات الناخبين الذين ادلوا بأصواتهم ولكنه فقد منصبه بعد «20» شهرًا نتيجة لانشاء ولايتين جديدتين فى دارفور«وسط وشرق دارفور» واخيرًا الأستاذ/حماد اسماعيل حماد عين مطلع 2012م واليًا مكلفًا لحين إجراء الانتخابات «او اى تطورات اخرى» اثنا عشر واليًا تعاقبوا على ادارة الولاية فى فترة «18» سنة بمتوسط عام ونصف العام لكل منهم وهذا يعكس عدم استقرار اداري وسياسي عانت منه الولاية الوليدة خاصة فى تأسيس جهاز الخدمة العامة مما ادى لضعف المردود والخدمات والتنمية، ففى جانب اختيار الولاة وفيما عدا «د. كاشا» الذى انتخبه سكان الولاية فإن جميع الولاة الآخرين تم اختيارهم بواسطة قيادة حزبهم، وبالبحث والتدقيق عن المعايير التى اختير بها كل منهم المتعلقة بالمواطنة «الإقامة فى الولاية »الكفاءة او القدرة او الخبرة فى مجال ادارة المجتمعات المحلية او من المشهود لهم بالإلمام بخصائص الولاية وارثها وثوابتها وتوازنها الموروث او المشهود لهم بالأداء المتميز والقدرة على الانجاز والنجاح لم نقف على شيء من تلك المعايير «إلا قليلاً» الولاة الذين تعاقبوا منهم من خلد ذكراه فى سجل تاريخ الولاية بالإنجازات الشامخة من البنيات التحتية والمشروعات والمبانى والعقارات يأتى في هؤلاء جميعًا المهندس الحاج عطا المنان ادريس الذى شيد موارد المياه من الآبار الجوفية والمضخات اليدوية والحفائر وسدود الأودية كما شيد المستشفيات ومراكز التشخيص ومرافق الصحة الاولية وشيد المساجد والمآذن وخلاوى القرآن الكريم والمدارس وداخليات تعليم ابناء الرحل والريف واعاد اعمار العديد من القرى المتأثرة بالحرب فى دارفور وزودها بمرافق الخدمات الضرورية من المياه والأمن والمرافق الصحية وشيد شبكات المياه والكهرباء والمحطات الأرضية للتفزة الإذاعية بالمدن الوسيطة مثل «كاسرهيدالبردى عد الفرسان تلس برام الضعين عديلة وشعيرية» كما انشأ مبانى المجلس التشريعى ومبانى هيئة الاذاعة والتلفزيون ومجمع مبانى مكتب الوالى متحف جنوب دارفور ملهى البحير بجانب الطرق الداخلية والمعابر والكبارى داخل نيالا.. الموثقون عن الولاية يرون ان المهندس الحاج عطا المنان هو المؤسس الحقيقى لولاية جنوب دارفور ونال عن جدارة نجمة الإنجاز من السيد رئيس الجمهورية بجهوده الخاصة لتوفير التمويل المالى لتلك المشروعات ويأتى فى المرتبة الثانية د. عبدالحليم اسماعيل المتعافى الذى شيد سد ام دافوق على وادى سندو على حافة الحدود مع الجارة الشقيقة افريقيا الوسطى وهو من اهم مشروعات حصاد المياه التى توفر مياع الشرب لبادية «رهيد البردى وتلس وعد الفرسان ونتيقة وكبم» خلال موسم الجفاف كما نفذ مشروعات شبكتى مياه الضعين وبرام، ويأتى فى المرتبة الثالثة لهما د.الحاج ادم يوسف الذى شيد قاعة الخليفة عبدالله التعايشى بامانة حكومة الولاية والتى تكتسب اهميتها من كونها القاعة الوحيدة فى الولاية وهناك ولاة مروا على الولاية وذهبوا دون ان يشعر بهم احد ولم يتركوا اى شيء يذكرون به فطواهم النسيان بمجرد مغادرتهم الولاية وهنالك ولاة اضطربت الحياة فى عهدهم وتفشت ظاهرة الاضطراب الامنى والحرب القبلية واعمال القتل والسلب والنهب والتفلت وضربت الفوضى اطنانها وصلت لدرجة تعطيل حركة الملاحة البرية والقوافل التجارية مما ادى لبوار المنتجات المحلية من المحاصيل والماشية وهبطت اسعارها وقل دخل المنتج وفى المقابل قل المعروض من البضائع والسلع وارتفعت اسعارها مما ادى لغلاء المعيشة والفوضى وصلت لدرجة ضرب السجون واخلاء نزلائها من ذوى الأحكام الكبيرة فى قضايا النهب والسلب والتلفت والمخدرات. عهود اتسمت بسوء الادارة وتبديد واهدار الموارد خاصة من الاموال وسيارات الدفع الرباعى وهدم المبانى والعقارات الحكومية التاريخية «الآثار» دون تشريع عهود تحتاج لتسليط مزيد من الضوء عليها لأن صورة الولاية فيها كانت هي الاسوأ غياب المعايير الواضحة والمقنعة فى اختيار الولاة والقيادات السياسية التى بيدها كل السلطات خاصة المعايير ذات الصلة بالكفاءة والقدرة والالمام بخصائص الولاية ادت للعصف بموروثها ونسيجها الاجتماعى وادت لتفجر الاوضاع الامنية بسبب غياب الاداء المتميز والقدرة على الانجاز وهى التى جعلت المشكلات الصغيرة التى تطرأ والتى كان زعماء القبائل يعالجونها بكل حكمة تتبلور وتتطور لمشكلات كبيرة تتجاوز محيطها المحلى والقومى لتصل للمحيط العالمى المترصد والمتربص ولتبدأ الولاية هذه المرة البداية الصحيحة لتتجاوز «وحل» المرحلة الاولى مطلوب من قادة الاحزاب والتنظيمات السياسية فى بلادنا خاصة الحزب الحاكم ان تطور المعايير الواضحة لضمان اختيار الاشخاص المناسبين لادارة الولايات من المشهود لهم بالكفاءة والاداء والنجاح والسيرة الطيبة ليقودوا الولايات نحو الاهداف الوطنية التى تعزز الوحدة الوطنية وتعيد رتق النسيج وتقوى الروابط وتنمى الموارد وتحمى البيئة وتوفر احتياجات السكان من الخدمات والتنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة فالمعايير الواضحة المقنعة تعزز وضع الاحزاب نفسها وتقوى صفها لشعور اعضائها بالكفاءة «satisfaction» طالما ان المواقع القيادية يتم الاختيار لها وفق المعايير وليس بطريقة «الخيار والفقوس» كما يقول المثل السودانى. ايدام عبد الرحمن آدم