أوردت فى مقالات سابقة كيف انتقلت شرارة عدوى التمرد من جنوب السودان الى ولايات دارفور الكبرى بواسطة الحركة الشعبية بالتزامن مع مساعي مناقشة اتفاق السلام الشامل أي فى العام 2003م وكيف تدهورت الأوضاع هناك عند توقيع الاتفاق بما يعنى أن التمرد ملة واحدة ويغرى بعضه البعض !. واستعرضت على اثر ذلك نشأة وتأسيس حركة تحرير دارفور «هكذا كانت تسمى فى بادىء الأمر» بقيادة عبد الله أبكر وكيف انقسمت عقب اغتياله فى احدى المعارك وعاد الأمر الى مناوي وعبد الواحد، ولكن سرعان ما نشب الخلاف بينهما وانقسمت الحركة فى مؤتمر حسكنيتة بدعم ورعاية «ليبيا القذافي» وأجهزته الأمنية !. وأشرت وقتها الى المكون العرقى والجهوى لكل من الزغاوة والفور واحتكارهما لوجهتها، وهكذا مضى التفاوض الحكومى مع هؤلاء الى أن بلغت الأطراف اتفاق أبوجا الذى رجح كفة مناوى بضغط غربى أمريكى بحكم وجود قواته على الأرض وقتها !. وفى هذه الأثناء برزت بالتزامن حركة العدل والمساواة بقيادة خليل، وهى جناح عسكرى للمؤتمر الشعبى والكل شهد وجود علي الحاج فى بون الألمانية وتخطيطه وادارته لمؤتمر اتحاد المهمشين من مدينة قوتينقن فى أبريل 2003 وضرب مدينة الفاشر بعد اقل من اسبوعين من قيام هذا المؤتمر !.ومن هنا بدأ صراع الارادات مع أطراف فرعية أخرى كما هو الحال مع دريج وشريف حرير وغيرهم من الأسماء التى لمعت واختفت، وبدأت جولات التفاوض فى تبارٍ بين انجمينا وأبشي وغيرها من مدن الاقليم وقد فشلت كافة المحاولات لتوحيد هذه الحركات أو جعلها تنخرط فى منبر تفاوضى واحد مما أطال أمد الحرب ومكن للانشقاقات المتوالية فى صفوفها وان سعت لادخال بعض بطون القبائل فى داخلها الا أن مركز القيادة والسيطرة فى كل الحركات كان يرجح كفة الزغاوة والفور على غيرهم، ولا توجد لهذه الحركات أية مبادئ ولا عقيدة ولا أهداف محددة يمكن الاتفاق عليها سوى اسقاط الانقاذ وفق سياسة شد الأطراف بدعم الخارج!. وبمثل ما كان الخلاف بين مناوى وعبد الواحد حول الغنائم والمناصب والمكاسب الشخصية حتى انقسمت حركتهم باكرًا، لم يكن بمقدور خليل أن يسمي خليفة له خارج فضاء قبيلته، والشعبي يصر أن يتوارى ويتنصل من ارتباطه بحركة العدل والمساواة حتى غزوته الفاشلة لأم درمان فى عام 2005 بدعم واسناد ليبى أيضًا، وهي أبلغ دليل على هذا الارتباط !. وشهدنا كيف اشتركت كل من تشاد فى دعم هذه الحركات وتوفير الغطاء والدعم اللوجستي عبر أراضيها وتمريره اليهم، بل شهدنا معسكرات التدريب ودعم خليل لدبي فى الانقلابات التى تعرض اليها كما هو دعمهم الآن لكتائب القذافي قبل انهيار نظامه واختفاء القذافي وولولة أتباع خليل على مصيره !. ويبقى الرابط الذى يجمع هذه المكونات هو الخارج والارتماء في أحضان الأجنبي، وهذا جلي في الرعاية والإعلام والتوجيه، وسيطرة بعض دول الاستكبار على الشأن الانساني في دارفور عبر المنظمات المهولة الموجودة بدارفور في معسكرات النازحين وما تعده من تقارير واختطافات ونهب بتنسيق مع الحركات المسلحة، ومن خلال وجودها بمعسكرات اللجوء فى الأراضي التشادية !. انظر الى عبد الواحد وعلاقته بفرنسا واسرائيل حتى خروجه ليوغندا، وشهد الناس على أيام اتفاقية أبوجا كيف دعمت أمريكا ودول الاتحاد الأوربي مجموعة مناوي، وبالأمس كانت تشاد الى جانب خليل، ثم ليبيا ثم الحركة الشعبية ومن ورائها الغرب وأمريكا !. حتى وان بلغ التفاوض الدوحة وانتهى الى وثيقة سلام، يمت شخصنة السلام ورهنت هذه الدول المهيمنة السلام فى دارفور بضرورة انضمام هؤلاء اليها والا فإن الوثيقة بلا معنى أو مستقبل !. محاولات أجنبية كثيرة جرت لتوحيد هذه الحركات لأجل انجاح مشاريع الأجنبي لكنها فشلت جميعها لأن ما بين هؤلاء من اختلافات أكبر مما صنع الحداد، والسمة البارزة الأخرى التي تميزها هذه الانقسامات والانشطارات داخل صفها للتباينات الكثيرة بينها !. وفى آخر مسعى لمحاولات الترتيق لهذه الحركات تفتقت عبقرية عرمان لإقامة هذا التحالف من جوبا بين الحركة الشعبية وهذه المجموعات لينضاف اليها قطاع الشمال فى تكرار لمشهد التجمع الوطنى وبعض التحالفات التى أقامتها هذه الحركات «الخلاص الوطني» فيما بينها فى السابق ولكن سرعان ما انفض سامرها !. والسؤال هو، لماذا فشلت حركة جيش تحرير السودان المنقسمة في ضم العدل والمساواة: أو العكس !؟. هنالك عدة عوامل نذكر منها: 1- أن حركة جيش تحرير السودان حركة قبلية تدّعي العلمانية ولكنها فشلت في أول اختبار فانقسمت كما أسلفنا حسب الانتماء القبلي لعبد الواحد فور ومناوي زغاوة !.2- أما العدل والمساواة فهي أيضاً تقوم على خلفية قبلية ينازع فيها خليل قيادة من ينتمون من الحركة من الزغاوة حتى تلك التي تقطن تشاد !. كما أن الحركة ذات خلفية «إسلامية» لها حسابات أخرى غير دارفور وان حاولت أن تغطي عليها وتتماهى بالهم الدارفوري، ثم الاطاحة بالنظام، فتغيير المركز وغيرها من الشعارات !. أما لماذا انضم عرمان للحركات الدارفورية على تبايناتها ؟ فذلك لأنه ببساطة بلا قاعدة جماهيرية، وليس له قضية بعد فصل الجنوب وفقدان قطاعه للبوصلة، كونه تنظيمًا منبوذًا، و كشأن بعض المحبطين الخاملين الذين صعب عليهم العمل الجماهيري فآثر أن يحتمي خلف الحركات المنقسمة ويعيد تجييرها لصالح المخططات الأجنبية لتمزيق البلاد كما يفعل الآن مع الحلو وعقار لإثارة فرية وفتنة عرقية جديدة !. ولا ينطوي على فطنة السودانيين أن دور عرمان يظل أبدًا لخدمة حكومة جوبا والدور المرسوم لها لتمرير الأجندة الصهيونية والإمبريالية العالمية وكل ذلك ومن عجب بضجيج «ثوري» وبطولات زائفة يدعيها هؤلاء!. ومن هنا جاء تحشييد هذه المجموعات بالجنوب وتداخلت برامجها مع التدخلات الخارجية وتقاطاعاتها !. وها هما الحلو وعقار يدخلان على الخط فى ائتلاف قديم جديد نصرة لهذه المجاميع، والافادة من التطورات على الأرض فى جنوب كردفان وربما النيل الأزرق وأبيي، كلها بؤر للفتنة تلتقي على مقاتلة الإنقاذ ودحرها ان تأتي لهم !. تظل هذه الكيانات فى حركة دؤوبة تستهدف الدعم والإمداد من الحركة الشعبية وتحالف جوبا القديم، وكافة الدول التى تتمنى فناء الإنقاذ فى أمريكا والغرب بكل واجهاتها، وربما شهدت الفترة القادمة تطورات ميدانية فى ظل الحصار الذى يواجهه خليل فى ليبيا والحلو على تخوم جنوب كردفان، وعقار حول النيل الأزرق يجثم على أنفاسها، وستظل الحركة الشعبية تقف الى جانبهم لاستدامة الحرب واستنزاف الشمال والإبقاء على حالة عدم الاستقرار، مستفيدة من القضايا المعلقة معها وبنوتها لهؤلاء، لزمنا أن ننبه الى فضح هذا المخطط قانونيًا وعسكريًا ومحاربته بكل الوسائل المتاحة و بلا هوادة لإسدال الستار على محاولات التمرد القادم!. نواصل !!!