تعتبر القارة الأفريقية من أكثر المناطق التي تدخلت فيها الأممالمتحدة لحلّ النزاعات. النزاعات الأفريقية التي تقارب خمسة وعشرين نزاعاً، تتباين إلى نزاعات داخلية (16 نزاعاً)، ونزاعات حدودية (نزاعان)، ونزاعات استعمارية. تدخلت الأممالمتحدة في عشرين نزاعاً أفريقياً، ولم يكن لها دور هام في خمس من تلك النزاعات. يأتي السّودان في طليعة دول النزاعات الداخلية، إلى جانب أنجولا، بورندي، رواندا، أفريقيا الوسطي، تشاد، زائير، جمهورية الكنغو، أثيوبيا، أريتريا، ليبيريا، مالي، موزمبيق، سيراليون، الصومال وأوغندا. أما النزاعات الحدودية بين الدول الأفريقية فقد اقتصردت على نزاعين، هما نزاع الكميرون - نيجيريا ونزاع تشاد - ليبيا. أما النزاعات الإستعمارية فقد كان نزاع ناميبيا. كما يوجد نزاع آخر في الصحراء الغربية في جنوب المملكة المغربية. النزاعات التي لم يكن للأمم المتحدة دور هام فيها هي نزاعات الجزائر، جزر القمر، جيبوتي، أريتريا - أثيوبيا، أريتريا - اليمن. تدخلت الأممالمتحدة عبر ما يسمَّى عمليات (صنع السلام) Peace Making في تسع نزاعات أفريقية، هي نزاعات أنجولا، بورندي، الكاميرون، نيجيريا، أفريقيا الوسطي، جمهورية الكونغو، سيراليون، الصومال، الصحراء الغربية. (صنع السلام) تعني محاولات التفاوض للوصول إلى تسوية سياسية. السودان لم يدخل هذه القائمة، لأن منظمة (الإيقاد) قامت بدور (صنع السلام). التجربة أثبتت أن دور الأممالمتحدة في (حفظ السلام) أكثر من دورها في (صنع السلام). بينما دور الأممالمتحدة في (صنع السلام) شمل تسع دول، تدخلت الأممالمتحدة عبر عمليات (حفظ السلام Peace Keeping) في اثني عشر نزاعاً أفريقياً، وذلك في السودان، أنجولا، أفريقيا الوسطي، تشاد، ليبيا، مالي، موزمبيق، ناميبيا، رواندا، سيراليون، الصومال، الصحراء الغربية. (حفظ السلام) تعني إرسال جنود الجيش أو الشرطة كإجراء انتقالي لتسهيل (صنع السلام) أو للمساعدة في إنفاذ إتفاقيات سلام تمّ التفاوض فيها بواسطة الأممالمتحدة أو آخرين. كما تدخلت الأممالمتحدة عبر ما يُسمَّى ب (التدخل الإنساني) في خمسة عشر نزاعاً أفريقياً وذلك في السودان، أنجولا، بورندي، تشاد، زائير، جمهورية الكنغو، جنوب أفريقيا، ليبيريا، موزمبيق، ناميبيا، رواندا، سيراليون، الصومال، أوغندا، الصحراء الغربيَّة. كما تدخّلت الأممالمتحدة (إنتخابياً) في أحد عشر نزاعاً أفريقياً في السّودان، موزمبيق، أنجولا، تشاد، زائير، أثيوبيا، ليبيريا، ناميبيا، سيراليون، جنوب إفريقيا، الصَّحراء الغربية. تدخُّل الأممالمتحدة (انتخابياً)، لايشمل البعثات الصغيرة للرقابة الإنتخابية التي ترسلها الأممالمتحدة. يلاحظ أن اسم (السودان) صار حاضراً في معظم قوائم النزاعات التي تتدخَّل فيها الأممالمتحدة. فقد أصبح السّودان مسرحاً لتدخّل متعدد الأبعاد للأمم المتحدة، سواءً كان تدخل (حفظ سلام) أو (تدخل انساني) أو تدخّل (انتخابي). ذلك الحضور المستمر في قوائم دول النزاعات وضع صورة السّودان دولياً في مأزق. وإمعاناً في التدخّل في الشأن السوداني، أضافت الأممالمتحدة (مجلس الأمن)، بعد أن وقعت حكومة السودان إتفاقية نيفاشا، أضافت تدخلاً رابعاً في السودان بإحالة أزمة دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، لتزيد من تعقيد سلام السودان. أصبحت أعاصير تدخل الأممالمتحدة تهب على السودان من الجهات الأربع. ولم تزل شهية الأممالمتحدة متفتحة لتدخل جديد، بإرسال قوات دولية ترابط بين الشمال والجنوب. كما جاء في قرار مجلس الأمن الأخير رقم (2046). ويذكر أن أمريكا قد عدَّلت (قانون سلام السودان) لتقنين تدخل عسكري أمريكي - أطلسي في السودان. ولا ينقص واشنطن بالطبع افتعال الذرائع للتدخل العسكري. كما أن منظمة أمنستي منذ عام 2003م ظلت تطالب بتدخل دولي في السّودان. وقد آن للسودان بعد إعلان نتيجة استفتاء يناير 2011م وانفصال الجنوب واستقرار الأوضاع في دارفور، أن يعلن عن رؤية واضحة واستراتيجية واضحة وقراراً واضحاً، بأن تغادر الأممالمتحدة السودان، لكي تُطوَى صفحات تدخل الأممالمتحدة في السودان. لقد اختفت أسماء عدد كبير من دول النزاعات الأفريقية وغير الأفريقية من نشرات الأخبار وأروقة الأممالمتحدة، بينما تمّ إبقاء إسم السودان وحده لأكثر من (29) عاماً. حتى أصبح في تزوير السياسة الدولية، كأنما السودان هو منطقة النزاع الوحيدة في العالم وكأنما نزاعه هو الأزمة الوحيدة في السياسة الدولية. وكأنما السودان وحده هو أخطر الأزمات التي تهدد السلم والأمن الدوليين. أمام صُنَّاع القرار ومتخذي القرار السياسي في السودان، مهمة إخراج الأممالمتحدة من السودان وتحرير السودان من كافة أنواع تدخلاتها التي تأتي خصماً على السيادة الوطنية. تلك قضية وطنية تحظى بالتفاف الجماهير السودانية حولها، كما تحظى بتأييد كل الدول النامية الرافضة لتدخل الأممالمتحدة في شأنها الداخلي. عدد تلك الدول النامية يقارب مائة وتسعين دولة.