تبادل الهدايا بين افراد المجتمع يعد من الامور التي تؤثر ايجابًا على النفس وتدعم اواصر الالفة فيما بينهم، ورغم ذلك فان مجتمعنا بشكل عام لم يدرج في ثقافته على هذا الامر عدا في المناسبات وغالبًا ما يقتصر شكل الهدايا المقدمة على المساعدات المادية والعينية كدلالة على الكرم وحب مساعدة الغير وقد قال الرسول «صلى» تهادوا تحابوا ... من هنا يمكن ان نقول ان التهادي وسط المجتمع شئ مطلوب كما ان الهدية لا يشترط ان تكون قيمة وبسعر باهظ انما تكمن القيمة في الاهتمام الذي يبديه صاحب الهدية بالآخر ولكن هل تغيرت ثقافة تبادل الهدايا وسط مجتمعنا وتاثرت بالثقافات الوافدة: التهادي نادر يقول حسن ادريس «صاحب بوتيك» رغم ما لتبادل الهدايا بين الافراد من تأثير نفسي قوي الا انها تعد بمثابة ثقافة غير متعارف عليها وسط مجتمعنا حيث انها تكاد تكون محصورة وسط فئات بعينها ولا يوليها العامة الاهتمام الا انها بشكل عام متعارف عليها وسط الفتيات اكثر من الرجال فمن خلال عملي بالبوتيك لاحظت انه نادرًا ما يأتي شاب ليشتري هدية وقد يرجع ذلك لطبيعة التربية التي يتلقها الفرد داخل الاسرة، وانا متأكد ان الشخص الذي يجد اهله درجوا على تبادل الهدايا بينهم وبين المقربين منهم سيكون مثلهم تمامًا، واضاف قائلاً ان الهدية تعد من الأشياء التي تبعث داخل نفس الفرد الإحساس بالفرح والالفة تجاه الآخر لأنها تعبر عن اهتمام الطرف الآخر وتقييمه لشخصك وهوما يعتبر دافعًا للرد بالمثل. سحر الورود يوسف عبد الرحيم «موظف» ابتدر حديثه قائلاً: ارتبط تقديم الهدية في اذهان العديدين بالمناسبات رغم ان اي شخص يمكن ان يسعى لخلق المناسبات التي تقربه من الآخرين ويعمد الى تقديم الهدايا المناسبة لهم بغض النظر عن نوعها بغية ادخال السرور والغبطة الى نفوسهم وتوطيد اواصر الألفة، واضاف ان ابسط انواع الهدايا التي يمكن ان تؤثر ايجابًا في الآخرين هي الورود باعتبارها ابسط لغة واعمق تعبير، ورغم ان البعض يربطها بالمحبين فقط الا انها يمكن تبادلها بين الاصدقاء ايضًا، وقد درجت كل المجتمعات على تقديمها للمرضى على سبيل المثال بغرض تمني الشفاء العاجل الا اننا في المقابل درجنا على حمل الاطعمة والمشروبات لدى زيارة المرضى، واردف ضاحكًا وهو يقول: ذات مرة حملت باقة ورود لاحد اقاربي عندما ألزمه المرض المستشفى وقبل دخولي لزيارته التقيت صديقًا لي فسألني باستغراب قائلاً: الليلة عيد الحب ولا شنو؟ وبعد وصولي للمستشفى اوقفني الحرس وقال لي «خت القش دا هناك وادخل» فامتنعت من يومها عن تقديم الورود للآخرين باعتبارها ثقافة غير متعارف عليها في مجتمعنا. . القيمة تكمن في المعنى اماني عبد اللطيف «خريجة»: تلقيت اول هدية لي عند اجتيازي امتحان الشهادة السودانية بتفوق ولم اتلق غيرها الا بعد تخرجي في الجامعة حيث ان مجتمعنا لم يدرج على هذا الامر وينظر اليه وكأنه ثقافة غريبة وفدت الينا من الخارج رغم ان تبادل الهدايا يعد احد الاشياء التي اوصى بها الرسول صلى الله عليه وسلم لما لها من تأثير نفسي عميق يدعم اواصر الود بين افراد المجتمع، وتستطرد قائلة ان تبادل الهدايا لا يكلف الكثير حيث انه غير مرتبط بقيمة مادية بعينها ويعتبر بمثابة الرسول من قلبك الى قلوب الآخرين مباشرة. ذكرى مميزة صفاء عثمان «طالبة جامعية» تقول ان التهادي بين افراد المجتمع يخلق بينهم التراحم والتوادد ويزيل الكثير من الآثار السالبة التي تلحق بالنفس سواء كانت حسدًا او غيره كما ان الهدية لها وقع جميل في النفس يصعب ان تمحوه الايام، فاذا عمد احد الاشخاص الى اعطائك هدية فستظل تذكره كما ان علاقتك ستصبح اقوى وذات طابع مميز مهما كانت الهدية صغيرة، واذكر قبل عدة سنوات ان اخي اهداني قميصًا جديدًا وبألوان زاهية وشاءت ارادة الله ان يتوفى اخي وهو في ريعان شبابه لتصبح هديته التي اهداني اياها بمثابة ذكرى عزيزة على نفسي. صعوبة الواقع شرف الدين محمد عثمان «موظف» يقول ان الواقع الذي نعايشه اصبح صعبًا والمعايش لا تترك لك مجالاً حتى لتعرف متى تجد وقتًا لتهدي فيه هدية ثم اردف بقوله: اذا قام احد باعطائي هدية فأنا عن نفسي متأكد من اني لن اتذكر حتى المكان الذي وضعتها فيه من كثرة الهموم ولكن هذا لا يعني ان تنتهي هذه الاشياء الجميلة من حياتنا وارجو ان نراجع انفسنا لكي نتذكر ان الحياة بها كثير من الأشياء الجميلة التي تحتاج الى النظر اليها مثل تبادل الهدايا مع المقربين والمساعدة والتبسم في وجه الآخر حيث ان علاقات الود بين افراد المجتمع تعد بمثابة المعين الذي لا ينضب والكنز الذي لا يعوَّض. ثقافة لكل مجتمع يقول الأستاذ محمد اسماعيل الباحث الاجتماعي ان المجتمع كلما اصبح متماسكًا دل ذلك على ان افراده في تواصل وانسجام فالنسيج الاجتماعي يتكون من الافراد وهؤلاء الافراد يجب ان يكونوا في تواصل دائمًا في ما بينهم للدفع بمجتمعهم قدمًا، والتهادي نوع من التواصل كما هو ثقافة دينية فالرسول «ص» كان يقبل الهدية ونلاحظ ان اي مجتمع من المجتمعات له ثقافة معينة في تبادل الهدايا والاسلوب المناسب لها، فنحن في السودان على سبيل المثال لا نعمد كثيرًا الى التهادي بالازهار رغم انها تدل على المحبة ولكن هناك مجتمعًا يعتبر التهادي بالازهار نوعًا من رفع المعنويات للمريض، فكثير من الدول يقوم مواطنوها بجني الاموال من الازهار باعتبارها الأكثر مبيعًَا الا ان ثقافة مجتمعنا منذ القدم لم تخلُ من تبادل الهدايا، فقد درجنا على مساندة بعضنا البعض في المناسبات وهو دليل قوي على الترابط والاهتمام بالآخر ذلك الى جانب تبادل الاطعمة المتعارف عليه بين الجيران في رمضان والاعياد وغيرها والذي يعتبر دلالة على الكرم ويضيف قائلاً: ان تقديم الهدية يجب ان يكون بدافع الود حتى يؤتي اكله وليس بدافع انتظار المقابل المادي من الآخر او«قدم السبت تلقى الأحد» كما يقول البعض.