آية آهة حزن غرستها فينا برحيلك المفاجئ «يا قطبي» وآية دمعة حزن تركتها تنحدر من مآقينا.. فقد كان رحيلك بفاجعته عن دنيانا يكذب عقولنا التي لم تصدق لكنها أمام إرادة الله لا بد أن نصدق ونخضع لأمره سبحانه وتعالى فلا بقاء إلا لوجهه الكريم. صديقي الذي رحل.. لا لموت فجأة ادخرناك، ولكن لحياة تمهل رغم عواصف أيام عمرك وقد تخطفتها براثن الاغتراب.. فالمحبة لا نعرف عمقها إلا لحظة الفراق حينما تتجسد تلك اللحظة لتحكي معاناة القلوب التي تمتلئ ألمًا وحزنًا وإيمانًا وصبرًا.. حينها يسرقنا الحزن على مسارات الحياة فنتوقف لحظات عن التفكير في الغد وعن كتابة سطر جديد في دفتر المستقبل الغامض. تسرقنا فجيعتنا في فقد من نحبهم عندما يسترد الله جل وعلا ودائعه ويختارهم إلى جواره فتجول الدمعة الساخنة في الأحداق لحظة الفراق.. آه يالوعة القلب المدجج بالحزن وخيبة الرجاء في لقاء لم يتم بيني وبينك فمعذرة أخي إن جئت في آخر الموكب الحزايني لأقول كلمتي المكلومة والمسكونة بكل حزن العالم لتصبغ الأفق باللون الأسود لون الوجع والألم والفاجعة والفقد والوداع بلا عودة.. لقد كنت حبيس الدهشة مكبل المشاعر المصابة بالخرس من هول الفاجعة وصدمة الحدث وهكذا فجأة قيل لنا رحل أخيكم «القنصل قطبي» الرحيل الأخير.. وقد لا يكون رحيلك مستغربًا على الموت الذي يختار أجود الجواهر وينتقي أعلاها على حد قول الشاعر «الموت نقاد على كفه جواهر يختار منها الجياد». لقد كانت حياتك بيننا وبين كل من عرفوك وعاشروك بأكملها من غوالي الجواهر النادرة التي لا شبيه لها.. لم يبك لرحيلك أبناء جلدتك فقط؛ فقد بكاك كل من تعرف عليك لأنك لم تكن مجرد إنسان عادي، بل كنت كالنهر النقي الذي تمتد شرايينه إلى خارج مسقط رأسك.. لقد كنت كالقمر المضئ لكل بيت في الغربة.. كنت مثالاً للخلق الرفيع والروح العالية والنفس الكريمة التي يلقاها الإنسان في أحلك الظروف.. ثم ماذا أقول بعد ذلك وقد انطفأت مصابيح حياتك.. إنني أبكيك من القلب إلى يوم رحيلي.. فقد لا نبكي في أشد لحظات الألم والحزن لكن اليوم أبكيك يا قطبي والتفكير مهما بلغ التعبير لن يستطيع أن يسطر في سجاياك ومزاياك وخلقك الرفيع ما يوفيك حقك كاملاً.. فقد تشتت الكلمات وشلت قدرتنا على أن نعبر عما يجيش في قلوبنا. فعزاؤنا وعزاء الجميع أنك انتقلت إلى رحاب الخالق الذي ندعوه ودعوناه لك بالمغفرة وشآبيب الرحمة وما ذلك على الله بعزيز ورحمته وسعت كل شيء.. عزائي لأسرته المكلومة في زمن يعز فيه العزاء.. ها أنت تلحق بركب الذاهبين من رجال في رحيلهم المبكر واحد بعد الآخر.. واسمك يا قطبي سيظل في ذاكرة التاريخ.. وداعًا قطبي.. أودع سيفك السحاب وسجى جسدك المنهك على ثرى الوطن.. عليك سلام الله.. عليك سلام الله. والعزاء موصول لكل أسرة القنصلية بأسمرا وبالمملكة العربية السعودية «جدة»..