تمرّ هذه الأيام الذكرى الرابعة عشر لتدمير مصنع الشفاء للأدوية، وسط صمت مطبق لوزارة الخارجية السودانية. ربما الوزارة الموقرة منهمكة ولا تزال في تناول كعك عيد الفطر المبارك!. قال المفكر الأمريكي (أمرسون) في يوميّاته وهو في سنّ الثامنة والعشرين (الحزب قناع أعِدّ ليحمي الإنسان من متاعب التفكير). وقد أثبتت تلك الحكمة تصريحات قيادات(التجمُّع المعارض) ، في أعقاب تدمير مصنع الشفاء. ومن فحوى التصريحات، كان واضحاً أن (التجمّع المعارض)، غائب عن الحقيقة غياباً تاماً. وغائب عن التفكير مثل غيابه عن الوطن. قال القيادي في (التجمّع) المعارض الفريق م. عبد الرحمن سعيد في أعقاب تدمير مصنع الشفاء (إذا كان مصنع دواء، أين هو الدواء؟. المواطن السوداني ليست له مصلحة في إقامة مثل هذه المنشأة المشبوهة. إن السودانيين يعلمون تماماً أن مصنع الشفاء مكان مشبوه). كان الفريق مهندس عبد الرحمن سعيد يشغل في (التجمع المعارض) منصب (رئيس القيادة الشرعية) و(نائب رئيس القيادة العسكرية المشتركة للمعارضة)، حيث كانت رئاستها للمتمرد لجون قرنق. كان مصنع الشفاء قبل أن تدمّره الغارة الأمريكية، ينتج (30) دواءً بشرياً من أدوية الأطفال والمضادات الحيوية ومضادات الملاريا وعلاج (الدرن)، إلى جانب (10) أدوية بيطريّة. كانت تقل أسعار أدوية المصنع، بفارق كبير عن الأدوية المستوردة. كان مصنع الشفاء يغطى أكثر من (50 %) من حاجة السودان من أدوية الأطفال والمضادات الحيويّة ومضادات الملاريا و(100 %) من علاج السّل و(90 %) من حاجة البلاد من الأدوية البيطريّة. لم يكن مصنع الشفاء منشأة عسكرية، كما صرّح الشيوعي التجاني الطيب (79عاماً) بعد تدمير المصنع. ولم يكن مصنع الشفاء مصنعاً لإنتاج الأسلحة الكيميائية، كما صرّح الفريق م. عبد الرحمن سعيد. ولم يكن مصنعاً مشبوهاً يموِّله أسامة بن لادن، كما صرَّح السيد/الصادق المهدي (76) عاماً. بل، كلّ حقيقة عن المصنع كانت علنيّة، ويعلمها كل العالم سوى التجمّع المعارض.فقد استورِدَت ماكينات مصنع الشفاء ومعدّاته من شركات أمريكية وبريطانية وألمانية وسويديّة وهولنديّة وتايلانديّة.وتمَّ تركيب الماكينات والمعدات بواسطة مهندسين وفنييّن من تلك الشرّكات، على رأسهم «هنري جوب Henry Jobe» من شركة(M.S.D) العالمية للأدوية)، «مصنع الأدوية البيطريّة». ويذكر أن مصنع الشفاء يتكوّن من (3) مصانع للدواء البشري، ومصنع واحد للدواء البيطري. وقد صدَّر المصنع منتجاته، خاصة علاج السّل والأدوية البيطرية، إلى عدد من الدّول الإفريقية والعربيّة. كما تعاقد المصنع مع لجنة العقوبات بالأمم المتحدة، لتصدير كميّة من الأدوية إلى العراق، في إطار برنامج النفط مقابل الغذاء. وقد زار مصنع الشفاء عدد كبير من الدارسين والمتدرّبين في الحقل الطبي، كما زاره عدد كبير من الأطباء الإختصاصيين والصّيادلة والبياطرة. على خلفيّة تلك الحقائق، يجب أن توضع تصريحات قيادات (التجمّع المعارض)، التي تطايرت في الفضاء، في أعقاب تدمير المصنع.وذلك لكي يتّضح قبل بُعدها عن الوطنية، بُعدها عن الحقيقة، وبُعدها عن التفكير. مثلاً اقرأ التصريح الكاريكاتوري الذي أطلقه محمد المعتصم حاكم الناطق باسم محمد عثمان الميرغني بعد تدمير مصنع الشفاء(إننا نبَّهنا كثيراً، وكشفنا كلّ ما يحيط بهذا المصنع، وعدَّدنا مخاطره منذ سنوات). وقال السيد الصادق المهدي (هناك العديد من المواقع الأخرى غير مصنع الشفاء تثير القلق والشكوك في مناطق مختلفة من السودان). ولكن، لماذا كان ذلك الموقف من (التجمُّع المعارض) والسيد الصادق المهدي؟. حيث تسبَّبوا في تدمير مصنع الشفاء. وبعد تدميره برّروا وأيدوا وغالطوا، وحرّضوا على تدمير مدينة (جياد) الصناعية. كان التجمّع المعارض والسيد الصادق المهدي يظنون أن ذلك الموقف سيجعلهم أحبّاء واشنطون، وعندما تحبّهم، ويصحّ الودّ من الرئيس كلينتون، سينقلهم من الحاضر الأغبر إلى المستقبل المشرق!. ولكن تلك هي مواقف التجمع المعارض والصادق المهدي في الغزو الأجنبي الثلاثي للسّودان العام 96-1997م، وفي تدمير مصنع الشفاء العام 1998، وفي علمانيّة العاصمة العام 2003م، وفي مذكرة الجنائية ضد رئيس السودان. وهي مواقف ظلَّت دائماً تبعد سنة ضوئية عن الحقيقة والتقدير السّليم. ومن كلّ العالم، لم يؤيد الرئيس كلينتون والصهاينة في إدارته في تدمير مصنع الشفاء، إلاّ البارونة كوكس و(التجمع المعارض) برئاسة الميرغني وقرنق والصادق المهدي وبنيامين ناتنياهو. وقد شهد العالم كيف احتفت إسرائيل بتدمير مصنع الشفاء، وكيف طرب (بنيامين ناتنياهو) ، عشيَّة الخميس 20/8/1998م، ورقص رقصة أهل الدّرع والسيّف،أهل السّديريّة. حيث رحَّبت إسرائيل رسمياً بتدمير مصنع الشفاء، وبحرارة زائدة، ووصفت الغارة الأمريكيّة بأنها خطوة في الإتجاه الصحيح. وأسمت اسرائيل تدمير مصنع الشفاء الضربة الأمريكيّة لقواعد الإرهاب. كان ذلك هو الإسم الذي اتفقت عليه الصحافة الإسرائيلية الصادرة صباح الجمعة 21/8/1998م. حيث أعطت الصحافة العبريّة تغطية الحدث الأولوية في العناوين (المانشيت) والتقارير الرئيسيّة. وكان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أول المرحِّبين بالغارة الأمريكيّة على مصنع الشفاء. وكان نائب الرئيس الأمريكي (آل غور) من منتجعه في (هاواي) قد أخطر (نتنياهو) مسبَّقاً بالهجمة الأمريكيّة قبل يومين من وقوعها، أى يوم الثلاثاء 18/ أغسطس 1998م. وأعلن نتنياهو في بيانه الرسمي أنه لم يُفاجأ بالغارة الأمريكيّة على الخرطوم. وقد صدق. وأصدر ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي بياناً رسمياً مساء الخميس 20/8/1998م، نفس مساء الغارة الأمريكيّة على مصنع الشفاء، يعرب عن تأييده وتأييد إسرائيل الكامل للنضال الأمريكي ضدّ الإرهاب، لا سيّما ضرب بنيته التحتيّة. وأثنى وزير الدفاع الإسرائيلي (إسحاق موردخاي) على الولاياتالمتحدةالأمريكية لتوجيهها ضربات عسكرية للسّودان، مهنئاً الرئيس كلينتون ووزير الدفاع وليم كوهين على (قرارهما وعمليتهما الشجاعة). وصرح إيهود باراك زعيم المعارضة الإسرائيلية «حزب العمل الاسرائيلي» (أنه يشدّ على أيدي الولاياتالمتحدةالأمريكية في نضالها ضدّ الإرهاب أينما كان). ووصف (يوس سريد) زعيم حزب (ميرتس) اليساريّ أنّ الردّ الأمريكي صحيح وفي وقته. وقال رئيس لجنة الخارجية والأمن في البرلمان الإسرائيلي الكنيست، (عوزي لانداو)، من حزب الليكود، (يجب توجيه تحية تقدير وإجلال للولايات المتحدةالأمريكية على عملياتها ضدّ الإرهاب في السودان). وكتبت صحيفة (يديعوت أحرونوت) في عنوان بالبنط العريض احتلّ كامل عرض صفحتها الأولى (ضربة أمريكية لقواعد الإرهاب الإسلامي). وكتبت صحيفة (هآرتس) في عنوانها الرئيسى (أجهزة تجسس واستخبارات أجنبية شاركت في تخطيط الهجوم الأمريكيّ). وكتبت صحيفة معاريف(كلينتون يقطع إجازته، والولاياتالمتحدةالأمريكية تهاجم مصنعاً لإنتاج الأسلحة الكيمائية في الخرطوم عاصمة السّودان). وصرح السياسي السوداني السيد الصادق المهدي لصحيفة الشرق الأوسط اللندنية في عددها الصادر بتاريخ 25/8/1998م (إن هذه الضربة - الغارة الأمريكيّة على مصنع الشفاء - لا يمكن تفسيرها أو أخذها بمعزل عن سياسة الحكومة السودانية باستغلال مؤسسات مدنيّة لأغراض عسكريّة)، مؤكِّداً أن الدلائل والشبهات تؤكد ذلك. و(حمَّل) السيد الصادق المهدي حكومة السودان مسؤولية الضربة الأمريكية ودعا إلى مؤتمر دولي يعالج الإرهاب!. وكتبت (الأوبزيرڤر) أن اثنين من المختصين البريطانيين الذين عملوا في المصنع أكدوا عدم وجود صفة عسكرية للمؤسسة. وصرح الشيوعي التجاني الطيب (79 عاما) في مقابلة صحفية بثتها وكالة الأنباء الفرنسية ونقلتها صحيفة القدس العربي الصادرة بتاريخ 25/8/1998م (إن مصنع الشفاء ينتج الأسلحة الكيميائية، مع غيره من المصانع. إن اسم مصنع الشفاء ورد في الحديث عن التصنيع الحربّي، طبقاً للمعلومات التي وصلت إلينا من الداخل. لقد كشفنا هذا كله للعالم).ولكن لم يُجِب الشيوعي التجاني الطيب إطلاقاً حتى رحيله على سؤال مَن هو هذا العالم الذي يعنيه، وقام بكشف كل المعلومات له؟. وأشار السيد الصادق المهدي إلى وجود العديد من المواقع الأخرى - غير مصنع الشفاء - تثير القلق والشكوك في مناطق مختلفة من السّودان. هذا وإلى اليوم لا أحد يدري لماذا مزجت الغارة الأمريكية على مصنع الشفاء سعادة التجاني الطيب بأفراح إسحاق موردخاي، أو لماذا أحدثت توأمة سيامية نادرة بين طاقية نتنياهو الصغيرة والعمامة السودانية الكبيرة.هذا الذي جعل الأفهامَ حائرة وصَيَّرَ العالِمَ النِحِّريرَ زنديقاً. وقد ادّعت إدارة الرئيس كلينتون أنّ تدميَر سفارتيهَا في نيروبي ودار السلام، كان من أسباب الغارة على الخرطوم. ولكن ماذا قالت الصحافة البريطانيّة عن سفارات أمريكا في شرق أفريقيا؟