يبدو أن الجدل الكثيف الذي يدور رحاه بين الحكومة والمعارضة حول المشاركة في الحكومة المنتظر تشكيلها، في طريقه الى ان يصل الى نهايته، سواء بمشاركة الاحزاب او بدونها، وقد طفت مؤشرات ذلك على السطح، فاول الغيث قطرة، استهلها رئيس الجمهورية باعلانه للمرسوم الجمهوري الذي تم بموجبه ترفيع نائبه لمنصب النائب الاول، بينما جرت تسمية الأمين السياسي للمؤتمر الوطني نائباً للرئيس، وكان قد سبق للقيادي بالوطني إبراهيم غندور أن صرح بأن تشكيل الحكومة أمر مناط به بالرئيس وحده، ومارثون السباق للمشاركة الذي بدأ قبيل الاعلان الرسمي لانفصال الجنوب لم يكن الاول من نوعه، فقد سبق أن حدث السيناريو نفسه عقب انتخابات 2010م. وبعد أن شهد الوسط السياسي العديد من المطاولات بين الطرفين، أعرض الحزب الحاكم عن الأحزاب وقام بإعلان حكومته من دونها، وما أشبه الليلة بالبارحة، فقد اتخذت المعارضة مواقف متباينة من الحوار مع الحكومة، وبالتالي المشاركة معها في الحكم، أما الفصيل المناوئ فيمثله كل من المؤتمر الشعبي والشيوعي السوداني والمؤتمر السوداني، وفي ما يلي الأحزاب التي انتظمت في الحوار مع الوطني فهي الاتحادي الديمقراطي «الأصل» والأمة القومي، وكلا الحزبين ذا مواقف متذبذبة من المشاركة في الحكومة لدرجة، انقسام الاثنين الى تيارات، بعضها مناصر للمشاركة والآخر رافض لها، فالاتحادي الذي يعد اكثر الاحزاب قرباً من الحكومة أعلن رئيسه محمد عثمان الميرغني بعد عودته الأخيرة من الخارج ألا مشاركة في الحكومة، ولاحقاً جرى الحديث عن نية الحزب في فصل مجموعة من قياداته على رأسها علي السيد وأبو بكر أحمد علي والباقر أحمد عبد الله، بحجة هرولتهم للمشاركة في الحكومة لتحقيق مصالحهم الشخصية، وفي نفس الوقت يؤكد الحزب ان حواره مع الوطني قاصراً على الدستور وهيكلة الحكم، وتارة اخرى تقول قيادته ان الوطني لم يقدم لهم رؤية محددة للمشاركة حتى يدلوا برأيهم حولها، وما أمر الأمة ببعيد، حيث يعرف عن أمينه العام ورئيس لجنة الحوار مع الوطني محمد صديق إسماعيل، أنه من انصار المشاركة في الحكومة، حتى ان قيادات حزبه امتنعت عن لقائه لدى زيارته لولاية نهر النيل أخيراً، وهو الذي كان قد صرح في احاديث صحفية بأن نسبة الاتفاق بينهم وبين الوطني حول القضايا المطروحة تزيد عن الثمانين بالمائة، رغم ان الحزب قدم توضيحاً بأن زيارة صديق كانت اسرية ولا علاقة لها بالحزب، وفي المقابل هناك قيادات مناهضة للمشاركة، وقد رهن الحزب موقفه النهائي بلقاء رئيسه مع رئيس الجمهورية، ويذكر ان الامة ما فتئ يلوح باطروحته المسماة الاجندة الوطنية أو الطوفان، وانه لدى قبول الوطني بها فإنه سيأتي بكل القوى السياسية، والا سيسعى لإسقاط النظام بالجهاد المدني، ومن البنود الرئيسية لتلك الأجندة، تشكيل حكومة انتقالية، تمهيداً لإعلان انتخابات مبكرة، والتعامل بواقعية مع المحكمة الجنائية الدولية، أما الوطني فتتراوح تصريحات قيادته بين اليأس والرجاء في مشاركة المعارضة، وكان مساعد الرئيس د. نافع علي نافع قد وصف حوارهم مع المعارضة بالعقيم، وذهب رئيس القطاع السياسي د. مهدي للتلويح بأنهم لن ينتظروا المعارضة، وأن قطار الحكومة سيمضي بدونهم، غير أنه ما لبث ان عاد في اليوم التالي مباشرة لينقض غزله بيده عندما رهن إعلان الحكومة بمواقف الجهات التي دُعيت للمشاركة فيها، وتعزز تسريبات صحفية هذا الموقف، إذ تفيد بأن الوطني فرغ من تسمية وزرائه، وأنه بانتظار قرار حزبي الأمة والاتحادي حول المشاركة. والمتابع للأحداث الضاغطة التي تمر بها البلاد يدرك مدى ضرورة الحاجة للوفاق الوطني لمجابهة الإشكالات العصيبة التي تمر بها البلاد، ولعلها هي الداعي لإرادة الوطني لإشراك المعارضة في الحكم ولكن وفقاً لبرنامجه الذي يطرحه هو، ولعل هذا ما دفع أمين الاتصال السياسي السابق لنفي أية تعقيدات تواجه حوارهم مع الاتحادي والأمة، اما المعارضة فبالرغم من اعترافها الصريح بضعفها وعدم اتفاقها فيما بينها، إلا أنها تجتهد لاغتنام الأوضاع الراهنة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب السياسة.