هنالك مقولة مشهورة «وراء كل تصدُّع أسري ظهور حدث جانح» أي أن وجود المشكلات داخل الأسرة خصوصاً بين الوالدين أو انفصالهما أو طلاقهما يجعل الطفل يعيش في حالة توتر وغالباً ما يخرج للشارع هروباً من الأجواء غير المستقرة داخل الأسرة ويتجاذبه أصحاب السوء فيدخل دائرة الإجرام، أو يدخل الطفل دائرة الجنوح بسبب دلاله الزائد من قبل والديه وتكون طلباته مجابة، وإذا لم تُجب طلباته يلجأ إلى السرقة للحصول على ما يريده، وتتعدد أسباب جنوح الأطفال، لكن هل هذا الجنوح سببه أسرته أم المجتمع أم الاثنان معاً، حول جنوح الأطفال أو «المجرم الصغير»، استطلعنا آراء خبراء في مجال علم النفس والاجتماع فإلى إفاداتهم: حالة لجانٍ صغير هنالك العديد من الحالات المقدمة أمام المحاكم المختصة بجرائم الأطفال سواء كانوا جناة أو مجنيًا عليهم، نذكر من بين تلك القضايا على سبيل المثال حالة الطفل «س» الذي يبلغ من العمر «13» عامًا، قضت المحكمة عليه بالسجن عامين بدار الفتيان في قضية سرقة مدير مدرسته مبلغ عشرة ملايين، وتعود تفاصيل قضيته إلى أنه قام برصد منزل المدير وقام ليلاً بالسطو على المنزل لكن شاهده بعض أهل المنطقة وتم التعرف عليه واللحاق به وتقديمه إلى قسم الشرطة وتمت إدانته. ضحيتهما معاً يوضح محمد عوض فضل «مدير مركز طيبة لتأهيل وتنمية قدرات الأطفال»: أن المجرم الصغير هو ضحية للأسرة والمجتمع معاً، فالأسرة لها دور، والمجتمع له دور في ذلك، فالأسرة يكمن دورها في التربية، فلو ربَّته تربية دينية معقولة يمكن أن ينشأ سليمًا، لكن عدم التربية والتعليم يجعله يتجه للشارع وفي الشارع يلتقي بأشياء كثيرة فيخالط أصدقاء السوء وقد يتعاطى المخدرات، والمجتمع لا يرحم طفل الشارع ويرى أنه خطر عليه، في حين أن الطفل يحتاج لرعاية من المجتمع وأيضاً مسؤول منه، وعند سؤالنا له هل هنالك إحصائية للأطفال الذين تتم رعايتهم من قِبل مركز طيبة أجاب بقوله: لا توجد إحصائية ثابتة لهم، فتتفاوت أعدادهم، لكن الآن لدينا «79» طفلاً متشرداً وتتفاوت أسباب تشردهم، فهنالك من تشرد بسبب التفكك الأسري، كأن يتم انفصال بين أبويه فيتزوج الأب من امرأة أخرى وتتزوج الأم من زوج آخر ويلجأ الطفل إلى الشارع، فيتم تصنيفهم من الشارع بواسطة الباحثين الاجتماعيين، وبعد دخولهم المركز تتم رعايتهم من حيث الرعاية الصحية والتعليم بإدخالهم المدرسة ثم محاولة إرجاع كل طفل لأسرته، وهنالك أسر ترفض استرجاع طفلهم لكن تتقبله الأسرة في النهاية، والغالبية العظمى من الأطفال يتم إرجاعهم لأسرهم لذلك الإحصائية غير دقيقة للأطفال في المركز، فهنالك دخول وخروج من المركز وإليه. ضحية سلوك الأسرة وفي حديثه ل«الإنتباهة» قال محمد أحمد عبد الحميد «خبير تنمية المجتمعات»: في علم النفس الاجتماعي يسمَّى المخطئ الصغير وليس المجرم الصغير، وعرَّف علماء النفس بأن الطفل ينشأ على شاكلة أبويه، فكما قال الشاعر القديم «مشى الطاؤوس يوماً باختيال فقلد شكل مشيته بنوه، فقال علام تختالون قالوا بدأت به ونحن مقلدوه» خلاصة القول إن الطفل الصغير ينشأ على الفطرة السليمة، ولكن ما يلحظه على أبويه يقع فيه دون إدراك، لاعتقاده بأن ذلك ليس خطأً فقد وجد ذلك على أبويه، وبالتالي هؤلاء الأطفال الذين يقعون في الأخطاء والتي تُعد في القانون الجنائي وقانون العقوبات جرائم تقع تحت طائلة القانون، وهؤلاء يعدون حسب الفقه القانوني الحديث المعاصر أحداثًا، ولهذا يُحمد للمشرِّع في القوانين السودانية أن جعلوا للطفل دون الثامنة عشرة قانونًا يراعي خصوصيته وصغر سنه وسُمِّي بقانون الطفل «2010م»، والسودان في ذلك أخذ منحى كثير من الدول العربية على رأسها جميعًا مصر، ولهذا يعتبر الطفل إذا وقع في أي جنحة أو أي أثر جنائي يُعتبر في نظر فقهاء القانون وجهابذة التربية والاجتماع مخطئًا، وليس مجرمًا، وبالتالي الفرق بين الخطأ والإجرام كبير، والطفل في هذه الإشكالات يكون ضحية لسلوك الأسرة الشائن وانحراف مجتمعه من الأصدقاء مما يعزز في نفسياته روح الإجرام والمغامرة مبكرًا، وبالتالي كل مخطئ صغير لا يجد ردعًا من الأسرة والمجتمع فهو مشروع مجرم كبير في المستقبل، وينبغي أن نلاحظ أن أطفال الشوارع «الشماشة» جميعهم أحداث وصغار في السن ولما لم يجدوا الردع فمن المؤكد أنهم بعد خمسة أعوام من سن الطفولة سيكونون مجرمين يعاقبون بالقانون الجنائي السوداني للعام 1991م وليس بقانون الطفل «2010 م». وصية ويضيف محمد أحمد: هنالك وصية يجب اتباعها وهي على الدعاة والأئمة في المساجد والمرشدين الاجتماعيين وخريجي علم النفس والاجتماع أن يقوموا بدورهم في التوعية والإرشاد والنصح للأسر بإحسان تربية الأبناء وعليهم أن يذكروهم بالتوجيه النبوي في إحسان تربية الأطفال «ليس منا من لم يرحم صغيرنا».. و«ومن عال ثلاث بنات فأدبهن وزوجهن وأحسن اليهنَّ فله الجنة»، و«من بر الآباء على الأبناء إحسان تربية الناشئة». العبء الأكبر على الأسرة ويرى د. عمرو مصطفى «اختصاصي نفسي» أنه من الصعوبة أن نقول إن السبب في إجرام الطفل الأسرة أو المجتمع لكن بصفة عامة الأسرة مسؤوليتها أكبر لأن أي جنوح أو انحراف للطفل نُرجعه للأسرة في المقام الأول إذا كانت أسرته مكتملة «أبواه موجودين»، لكن نرجعه للمجتمع إذا كانت أسرته أو أحد أبويه أو كلاهما متوفى، في هذه الحالة نحمِّل المجتمع المسؤولية، لكن الجنوح أسبابه مختلفة، وغير مربوط بالفقر أو التخلف لأنه في أغلب الأحيان نجد هنالك أسرًا محترمة أبناؤها جانحون، فالأسباب متعددة وليس هناك سبب واحد فقط بل تتعدد وتختلف حسب الحالة، فالحالة الأولى غياب الرعاية أو الرقابة الأسرية على الطفل فينشأ من غير أن يجد شخصًا مسؤولاً عنه فينقاد للجريمة وهناك سبب ثانٍ يقود الطفل للإجرام كالمشكلات الأسرية أو الطلاق فإذا كان هنالك جو غير صحي في الأسرة يصاب الطفل بالقلق والخوف وعدم الأمان فيترك الأسرة ويخرج إلى الشارع ويقضي به وقتًا أكبر من الذي يقضيه في البيت لأن الطفل لا يتحمل هذا الضغط النفسي وهذه المدة التي يقضيها في الشارع يكتسب فيها ويتعلم سلوكيات ويتعرف على أشخاص يقودونه للجنوح أو الإجرام، أيضًا هنالك الدلال الزائد «الدلع» وهذه من المشكلات التي تجعل الطفل مجرمًا لأن الدلال الزائد عن اللزوم يجعل الطفل أنانيًا وأي شيء يريده يعطى له وبعد ذلك يستولي على أي شيء يريده ويسرق، وهذه الأنانية تولد الغيرة، فإذا وجد طفلاً عنده شيء هو لا يمتلكه يحاول الاستيلاء عليه باي طريقة، وسبب ثالث يمكن أن يقود الطفل للإجرام وهو توفر المال بصورة زائدة عن اللازم في يد الطفل ففي هذه الحالة لا يعرف الطفل ماذا يفعل بهذا المال فيدخل في مجال الإدمان والمخدرات أو يقوده من هم أكبر منه ويستغلونه ويجرونه لعالم آخر لا يقصدونه ولكن القصد أخذ المال الذي معه وكيف الاستفادة منه، وواحد من الأسباب التي تقود الطفل للإجرام الفشل الدراسي، فيترك الدراسة ويخرج للشارع، والصعوبات التعليمية مثل أن يكون مستوى ذكائه ضعيفًا فهذا قد يؤدي إلى أن يتسرب إلى الشارع، وهنالك سبب آخر، فأحياناً السلوك الإجرامي يمكن أن يكون متعلَّمًا عن طريق الملاحظة، إما أن يكون عند أحد أفراد الأسرة فيتعلمه ويجد التشجيع من الفرد الذي يسلكه في الأسرة، أيضًا واحد من الأسباب للجنوح المشاهدة الكثيرة للأفلام أو برامج العنف أو الجريمة لأن الطفل عندما يكون صغيرًا لا يميز، وأي شيء يراه يحاول تطبيقه فيقع في الجريمة دون قصد، لذلك نجد بعض البرامج يتم التنويه فيها بعدم تجريب ما يتم رؤيته وفي أوربا يتم التنويه بعدم مشاهدة البرنامج أو الفيلم لأقل من عمر 18سنة، أيضاً الحروب والتشرد والنزوح تجعل الطفل جانحًا لأنه ليعيش الطفل يجب أن يستعمل ذراعه، ولذلك أرى أن الأسرة والمجتمع لهما دور في جنوح الأطفال، لكن الأسرة دورها أكبر لأن الأسرة كلما كانت واعية استطاعت المحافظة على أطفالها، لكن المجتمع ليس له دور كبير في ذلك لأن المسؤولية المباشرة للأسرة متمثلة في الأم والأب وبنسبة «99%» يقع العبء على الأسرة، والأسرة هي المسؤول الأول لأن هنالك أمثلة كثيرة جدًا لأسر فقيرة جدًا وأبناؤها ناجحون، وبالمقابل هنالك أسر ميسورة الحال لكن أبناءها جانحون.