كليلة ودمنة السوداني والخفاش أبو الوطواط قال الملك دبشليم للفيلسوف بيدبا: حدثني يا بيدبا عن الإنسان يطلب الشيء فإن ناله لم يدرك عواقبه ولم يرضه. قال بيدبا: اصلح الله حال مولاى الملك.. فاعلم أن الخفاش كان من أسرع الحيوانات. يجري على رجليه الخلفيتين الطويلتين فيسبق جميع الحيوانات البرية بما فيها الفهد. وكانت الحيوانات تفتخر به وقد توجته ملكاً للسرعة. وهو الوحيد الذي كان يسابق الريح.. ولكن هذا الحال لم يكن يعجبه وكان يحسد الطير على الطيران.. ويظل أياماً يراقب الطير وهي تضرب في الجو بأجنحتها فيتحسر ويتألم... لو أنه فقط استطاع أن يضع أجنحة على يديه.. ولكن أنى له ذلك وأصابعه صغيرة لا تمسك قلماً. فذهب إلى أبو السعن حكيم الطير وحكى له مشكلته وإنه يود أن ينضم إلى فصيلة الطير فيستمتع بالطيران.. فقال له أبو السعن: أراك لم تقنع بما وهبك الله له من موهبة وبراعة في الجري تحسدك عليها جميع حيوانات البر.. بالأمس جاءتني غزالة وقالت لي: آه...لو أستطيع أن أجري مثل الخفاش، فلن يستطيع أي كائن من ذوات الناب والمخلب أن يظفر بي. أنت لا تدري كم أنت محسود على النعمة التي أنت فيها. فيصيح الخفاش: بل قل النعمة التي أنت فيها.. تستطيع أن تطير إلى طبقات الجو العليا وتملأ رئتيك بالهواء النقي وأنت ترى الأفيال تحتك صغيرة كالجراد. نفسي أن أرى الفيل.. ذلك الذي يستعلي علينا بضخامته.. نفسي أن أراه في حجمه الذي يسعدني أن أراه فيه.. صغيراً حقيراً لا يساوي نملة. قال حكيم الطيور أبو السعن: في هذه الحالة يجب أن تتخلى عن الجري لأن الجري والطيران لا يجتمعان لأحد ولو كانا يجتمعان لاجتمعا للنعام. وعليك أن تصوم عن الأكل حتى يضمر جسمك وتسأل الله أن يستبدل رجليك بأجنحة وهو القادر على كل شيء. وصام الخفاش وظل يدعو الله ويتوسل إليه أن يستبدل رجليه بأجنحة يطير بها.. وكان كلما يلح في الدعاء يرى أصابعه وقد أخذت تطول وتطول وتطول ثم تكتسي بغشاء أخذ يتمدد كالعباية ويغطي جسمه بينما تنكمش أرجله حتى صارت لا تقوى على الوقوف... وعندها زحف على بطنه حتى وصل حافة البحر ثم فرد عباءته وقفز ولفرحته وجد أنه يطير في الهواء مثل الطير وسرّه ذلك سروراً عظيماً وظل طيلة النهار يطير ثم يرتفع إلى أعلى ليرى الفيل وقد تحول فى نظره إلى جرذ صغير حقير فيزداد سروره. وقبيل الفجر اوى إلى شجرة ولكي يحافظ على توازنه وقد فقد رجليه كان عليه أن يتعلق على فرع شجرة ويتدلى منها رأسه إلى أسفل وظلت هذه طريقته للنوم إلى يومنا هذا. ولهذا عندما صحا من نومه في المساء نظر باستغراب وقال: لماذا الدنيا مقلوبة بهذا الشكل؟ وظل من يومه ذلك وهو يرى الأوضاع مقلوبة ويشتكي أن الأمور لا تسير كما ينبغي. الغيبونة الثانية لا .. بالله أحد الأشخاص كانت تشغله فكرة الموت والمرض وتستحوذ على جانب كبير من تفكيره وهذا تعبير مهذب قصدنا به عدم التصريح علانية أنه كان لا يخاف شيئاً في حياته مثل خوفه من الموت. فكان عندما يسمع أن أحد الأشخاص قد فقد بصره كان يسارع لزيارته ومواساته قائلاً: الحمد لله ربنا ريحك.. وهو في حاجة بشوفوها؟ حتى الفضائيات أصبحت كلام فارغ. وكان عندما يسمع بأن قريبه صار يعاني من حبس البول كان يؤاسيه قائلاً: أهو كدا إنت تريحت على الآخر.. مافي داعى الواحد كل مرة ماشي الحمام وجاي من الحمام. وكان عندما يسمع أن شخصاً فقد السمع كان يسرع إليه قائلاً: يا أخي أحمد ربك.. هو في حاجة بسمعوها.. كلها تصريحات متضاربة متناقضة... وحتى الغنا كلو بقى هابط.. راجل المرة.. وبالضرا... وورا.. ورا .. ورا ومن ناحية أخرى كان عندما يسمع بوفاة أحد الأشخاص يسارع الى مكان العزاء ثم يسأل أقارب المتوفى عن سبب وفاة فقيدهم فإذا قالوا له مات بعد أن عانى من مرض السكر ينفجر قائلاً: هو مش عارف إنو الإسراف في تعاطي السكر والحلويات يؤدى الى مرض السكر؟؟ ومنو القال ليه املأ بطنك بالسكر أو أي شيء من هذا القبيل. ثم يسمع بشخص آخر توفي في حادث مروري .. فيصيح: ومنو القال ليه أسرع وتهور؟ هو مش عارف إنو السرعة قاتلة؟ وإذا قيل له إن الفقيد لم يكن سائقاً بل كان راجلاً ويمشي بعيداً عن الشارع عندما داهمته سيارة يقودها سائق متهور كان يصيح أيضاً. وليه ما يبقى في منزلو وهو مش عارف إنو التجول في الطرقات بسبب وبدون سبب هو البودي الى النهاية والسائق المتهور دا كان حيصدمه لو كان الفقيد في منزله؟ ولكن ماذا تقول كل شخص ما عايز يبقى في منزله. ولو عرف أن أحد الأشخاص مات بسبب ارتفاع ضغط دمه وأصابته بجلطة أو نزيف في الدماغ كان يسارع بالقول: ومنو القال ليه اكل حتى تنسد شرايينك وأوردتك؟ ليه ما تتجنب الأكل البتحتوى علي نسبة عالية من الكلسترول؟ الى أن كان ذات يوم وعلم بوفاة أحد أصدقائه فهرع لمنزل المتوفى وطرح سؤاله المعهود عن سبب وفاة الفقيد. قال له أخ المرحوم: -ما كان بشكي من أي شي جينا نصحيه في الصباح وجدناه ميت. ويبدو أن صاحبنا كان يتوقع أية إجابة إلا تلك الإجابة وأسقط في يده ولم يجد شيئاً يقوله إلا أنه غمغم قائلاً: أهو دا النحنا خايفين منه. ولكن أطرف شيء وأغرب مسائل أنه كان يسهر مع أحد أصدقائه وامتد سهرهما الى الساعات الأولى من الفجر وعند انتهاء السهرة أوصل صديقه لمنزله بسيارته وودعه وذهب. وفي الصباح اتصل بصديقه يسأل عنه فقيل له تعيش إنت مات. فصاح: مات مش معقول ومات كيف؟ فأجابه أخ المتوفى: بعد مشيك كان عايز يقلع جلابيته.. فك الزرارة .. جاته زغطة وشهقة وطوالي مات. بس؟ بس لا حول ولا قوة إلا بالله .. ربنا يرحمه. إلى أن كان يوم وجاء هو متأخراً في الساعات الأولى من الفجر وأراد أن يخلع جلابيته ففك الزرارة وجاءته زغطة وشهقة. فأسرع بإرجاع الزرارة الى مكانها وهو يقول: لا بالله.. تلقاها عند الغافل!