هو الذي وجد مع بداية الخلق وظهورالإنسان يتموج بشقيه الحلو والمر، مغرياً الجميع بارتياده قبل أن يجدوا أنفسهم في قاعه بأنفاس متقطعة يعقبها ظهور جثة طافية على السطح تعلن حالة وفاة جديدة! البحر أو النيل كلاهما أحد أهم أسباب الوفيات غرقاً، لأسباب تتفاوت، ولكن الأشهر فيها حالات الغرق عند السباحة، أو ركوب الأمواج في المحيطات في سيناريو يتكرر يومياً دون أن يتذكر الذي خطا نحو حتفه بأقدامه، أن آخر فقد حياته في نفس المكان على مبدأ المثل الذي يقول»البحر بشيل عوامو«. تطالعنا الصحف اليومية عن حالات غرق بين الشباب والأطفال، تبدأ بنزهة سياحية وتنتهي بمأساة غرق قد تكون عائلية، كما حدث مع عائلة شعراني أخيراً، التي فقدت ستة أفراد أثناء رحلة ترفيهية لوداع قريبهم، بدأت باندفاع الأطفال للنيل للاستحمام كما روى أقاربهم للصحف، تتقدمهم الشهيدة »منال السيد أحمد الشعراني« بالصف الثامن، وتبلغ من العمر(13) عاماً، وبمجرد دخولها النيل سقطت في حفرة وحاول شقيقها »محمد« ويبلغ من العمر (10) سنوات إنقاذها إلا أنه سقط هو الآخر، وتبعه صديقه »سيد الصادق(13) سنة وتبعتهما الخادمة الاثيوبية »زينب« 18عاماً فسقطت خلفهم، لتلحق بهم »آية حسين يوسف« 16 عاماً وبعدها»شريف عبد العظيم« (10) سنوات، وقد حاول عدد من الشباب الموجودين بالمنطقة مساعدتهم وإنقاذهم ولكنهم لم يفلحوا، إلا أنهم انتشلوا أربعة أطفال هم »منال وشريف وسيد والخادمة الإثيوبية زينب« تم ايصال ثلاثة منهم على قيد الحياة لمستشفى بست كير إلا أن سوء الإسعافات الأولية تسببت في وفاتهم بالمستشفى قبل إجراء اللازم، فيما كان الآخرون قد انتشلت جثثهم بواسطة شرطة الإنقاذ النهري، وأضاف أيضا أنه وبحلول المغرب تم انتشال(4) جثث، فيما بقيت جثتان لم تخرجا إلا في حوالى الواحدة صباحاً حيث خرجت جثة آية وتم دفنها في حوالي الثانية صباحاً، أما محمد فقد تم انتشال جثته فجر اليوم الثاني حيث دفن ظهراً مع الآخرين بمقابر حمد النيل. نزهة عادية تحولت لسرداق عزاء جماعي وذكرى مفزعة ستظل تلاحق ذويهم إلى الأبد، لا تختلف كثيراً عن التي حدثت للدكتور والصديق زاهر خوجلي الشاعر المرهف، الذي فقد أيضا أفراداً من أطفال عائلته في رحلة نهرية، وحتى الآن مازالت هناك نظرية تقول إن الطفلة المفقودة »بانة« سقطت وغرقت في البحر وفق كل المعطيات المنطقية بعيداً عن الاحتمالات الأخرى الواردة. في عام 2006 وعندما كان كوبري المنشية هيكلاً لم يكتمل، خرجت مجموعة من الشباب للجلوس على طرفه والاستمتاع بمنظر النيل، عندما سقط الجزء الذي يجلسون عليه وفقد الشباب أرواحهم في لمح البصر في النيل. والفاجعة التي هزت منطقة عووضة بمدني عندما خرج ثلاثة من شباب الحي للسباحة في البحر ولم يعودوا. والنيل في منطقة عووضة هو النيل الأزرق الذي يعتبر ثائراً ويلتهم كل من يغازله. و»الإنتباهة« نفسها تجولت على شاطئه كثيراً، وبدا واضحاً عمق المياه وخطورة النزول إلى الشاطيء، ورغم ذلك المنطقة مفتوحة ودخول الأطفال إليها وارد ولا توجد أية تحذيرات بخصوص عمق المياه وخطورة السباحة في هذه المنطقة. من أخطر المناطق تماماً في النيل الأزرق هي التي تحاذي منطقة أم سنط بولاية الجزيرة لأنها بقعة تبتلع سنويا عددا مقدرا من سكان المنطقة وزائريها. فيحكى أن مجموعة شباب درست بالاستشاري أصرّ صديقهم القادم من شرق السودان للسباحة في بحر أم سنط الذي ابتلعه مخلفاً ألما كبيرا لأصدقائه الذين حل عليهم ضيفا فلم تنصرم الظهيرة إلا وكان قد غاب في جوفه. وما حدث للطالب محمد رشاد الصادق إدريس ابن العميد مهندس رشاد الصادق إدريس قائد ثاني سلاح المهندسين بأم درمان الذي يدرس بجامعة الخرطوم كلية الهندسة قسم الميكانيكا ولقي حتفه غرقاً بهذه المنطقة ليس ببعيد عن الأذهان، وتعود ملابسات الحادث الأليم المفجع إلى أنهم كانوا في رحلة علمية لمدينة كسلا ووقفوا في مدينة ود مدني لزيارة بعض الأقارب، وزيارة النيل زيارة مبرمجة ومخطط لها. وذهبوا ما بين »4- 5« أشخاص للنيل، وابتلع النيل الطالب المرحوم. ويحكي سكان المنطقة عن بقعة تسمى»بيارة بجيقة«هذه البقعة بالذات لا ينجو منها أحد، وتعددت الروايات حولها، فيميل سكان المنطقة إلى فرضية أنها مسكونة بجان يخطف كل من يسبح فيها، وهناك فرضية تقول إن هناك هيكلاً لبناء مشروع ري لم يكتمل يتسبب بجذب كل من يسبح في المنطقة. وتظل فرضية أن هناك تيارات باردة تعمل في شكل شيمة لا يخرج منها من يدخل فيها لأنها زوبعة بحرية قاتلة. بعض من نجوا من بجيقة يحكون أنهم رأوا الموت رأي العين. تقول فوزية إنها ذهبت لزيارة خالها قبل أكثر من عشرين عاماً، وذهبوا للسباحة، وفجأة شاهدت شقيقها الأصغر يغرق في بجيقة فصرخت واتجهت نحوه وغطست معه ولحسن حظها رآهما غطاس محترف قفز وأخرجهما. وتؤكد أنها مازالت تتذوق لسعة البرودة التي لفحتها وهي تغرق قبل أن يكتب لها عمر جديد. ويحكي أشرف نفس القصة وكأن المنطقة بها جان، يقول فجأة سقطت دبلة زواجي مني في النيل فغطست أبحث عنها، فوجدت نفسي منسحباً نحو الأسفل بصورة جنونية قبل أن ينقذني زوج شقيقتي. والغرق في النيل ليس حكراً على السباحة في المناطق غير الآمنة فقط، فقد يكون حظك سيئاً للحد الذي يجعل سمكة شرسة توازي صعقتها قوة الكرسي الكهربائي للإعدام توجد صدفة بالشاطىء فتغرق وأنت في »القيفة«! سمكة البردة لها صعقة كهربائية تشل الحركة وهي مسبب أساسي للموت في النيل أسوة بالتماسيح التي رحلت ولم تعد توجد بنفس أعدادها القديمة، وأيضا ثعابين النيل السامة التي تسبح بسرعة رهيبة في البر والبحر أيضا، وهناك الثعبان الضخم المرعب الذي يوجد في جنوب السودان بصورة كبيرة ولم ترصد له حالات في نيل الشمال هو »الاناكوندا« الذي يوجد في المستنقعات والمياه العذبة التي تحيطها أدغال كثيفة. وكانت إدارة الدفاع المدني قد أعلنت في إحصائية للصحف أن عدد الغرقى يتراوح بين »4-6« حالات في اليوم تتزايد في فترات الصيف مما يعني 2190 غريقاً في السنة. وبحسب إحصائيات مشرحة أم درمان، أكد د. جمال في حديث ل»الإنتباهة« أن الأعداد تتزايد عاماً تلو آخر منذ التأسيس، جاءت كالآتي: 2009 »15« غريقاً، و2010 »28« غريقاً، 2011 »29« غريقاً، 2012 »19« غريقاً حتى اليوم. وقد تستقبل المشرحة في اليوم الواحد أربعة غرقى، كما حدث عند غرق العبارة قبالة توتي أثناء حفل تخرج استلمنا في لحظة واحدة أربعة جثث. النيل..أجمل ما في السودان، ومتعة السباحة فيه لا تعادلها متعة أخرى، إلا إذا انتهت بغرق أحد أفراد العائلة لأي سبب، فتصبح مأساة، لذا لا بد من وضع مناطق آمنة لارتياد الشواطيء ووضع علامات تحذير على المناطق الخطرة، وفتح المناطق التي تمر بجزر لأن الجزر تخفف من حدة التيار التي تجرف الكثيرين سنوياً دون أن تردع البقية عن القفز داخل النيل.