الأسرة التي خرجت الجمعة الماضية تمني نفسها بيوم جميل على شاطئ النيل قبالة الري المصري وتختلي بأفرادها لتعيش لحظات الصفاء التي اعتكرتها الشواغل واللهث وراء أكل العيش.. لم يكن على بالها بأن الساعات المقبلة تحمل لهم في طياتها ألماً وفجيعة.. بعضهم جلس تحت ظلال الأشجار يستمتعون بحديث ذو شجون وبعضهم منهمك في لعب الورق.. فإذا بصراخ قوي يشق سكون المكان ومتعة الإنس. انطلق الجالسون نحو مصدر الصوت، فإذا بفلذات أكبادهم يصارعون أمواج النيل، وتتعالى أصوات النجدة، فكانت المروءة السودانية حاضرة، فقفز بعض الشباب الذين استجابوا لإنقاذ الغرقى فاستطاعوا انتشال (4) أحياء.. أما ال (6) البقية فلم تتمكن قوات الدفاع المدني من انتشالهم إلا بعد الساعة العاشرة ليلاً جثثا هامدة. تفاصيل رحلة الشؤم انتهزت أسرتا حسين يوسف حسين وسيد أحمد الشعراني وبقية أفراد العائلة سفر أحد أبناء العائلة الى دولة عربية واعتزمت الاحتفال به على شاطئ النيل وقضاء يوم أسري قلّما يتكرّر كثيراً في ظل الركض خلف أكل العيش، فتجمع أفرادها من أمبدة والمربعات فتوجه جلهم قبل تناول الإفطار إلى الري المصري، بينما فضّل البقية الخروج بعد انتصاف النهار وتناول طعام الإفطار.. ويروي الطاهر عبد الله أحد أبناء الأسرة وشاهد عيان على حادث الغرق الذي شهده شاطئ الشجرة الجمعة الماضية وراح ضحيته (6) أشخاص من بينهم (4) من أسرة واحدة ما بين (11 الى 12) عاما سوى (2) وهما منال سيد أحمد الشعراني (15) سنة وفتاة من دولة أثيوبيا وتدعي زينب (18) سنة تعمل عند الأسرة، بأنهم في الرابعة بعد ظهر الجمعة كانوا يجلسون تحت الشجرة فإذا بصراخ قوي يشق المكان فهرولنا نحوه ووجدنا (10) من أبناء الأسرة يصارعون الأمواج التي حملتهم بعيداً.. ويمضي كانت البداية عندما دخلت المرحومة منال ذات ال (15) عاماً الى النيل ولم تكن تدري أن المكان غريق ولكنها تفاجأت وهي تسقط في هوة فصرخت مستنجدة فهب بقية الأطفال الذين كانوا جوارها ومن بينهم زينب الحبشية وألقوا بأنفسهم في النيل لإنقاذها، إلاّ أنّ التيار أخذهم بعيداً، فلم يكن أمامنا شئ نفعله فاستنجدنا من بالجوار فجاء شباب من الحي المجاور وأنقذوا (2) أحياء ثم عادوا مرةً أخرى وانتشلوا (2) أحدهما حالته كانت جيدة وإن شرب الكثير من الماء أما الآخر فكانت حالته سيئة حيث امتلأت رئتاه بالماء وتم نقله الى المستشفى وما زال.. وكان ذلك بعد ساعة من دخولهم الى النيل.. اما البقية وهم (6) أشخاص فتم انتشال (2) منهم مبكراً في الساعة الخامسة أما الأربعة تم انتشال (3) في الساعة العاشرة ليلاً وإحداهن وهي (آية) شقيقة المرحومة منال في الساعة السادسة صباح السبت، وبعد الإجراءات تمت مواراة الجثامين. ويقول آخر انهم كانوا منهمكين في لعب الورق، سمعنا صراخاً قوياً فأسرعنا نحوه فإذا ب(منال) ذات ال (15) عاماً تصارع الأمواج وقفز بقية الأطفال الى النيل لإنقاذها، إلاّ أنّهم لم يتمكنوا من الخروج فأطلقنا نداء استغاثة فجاء شباب من الحي المجاور ودخلوا الى النيل وأنقذوا (2) من الذين يصارعون الغرق، أما البقية فلم يتمكنوا من إنقاذهم فاتصلنا بالإنقاذ النهري أو الدفاع المدني ولكن لم يأتوا إلاّ بعد مضي نحو ساعة ونصف. الأسرة المكلومة فقدت أسرة حسين يوسف حسين ابنتها (آية حسين) بينما ما زال ابنهم ابراهيم في المستشفى يعاني من امتلاء الرئتين بالماء وضعف في نبضات القلب وفقدت أسرة سيد الشعراني (منال سيد الشعراني) ومحمد سيد الشعراني، وفقدت أسرة عبد العظيم السنوسي ابنها شريف عبد العظيم، وبالرغم من الفقد الجلل إلاّ أنّ عبد العظيم السنوسي والد شريف يتمتع بثبات والإيمان بالقضاء والقدر. وقال ل (الرأي العام) إن الفقد جلل ولكن لا يمكن القول سوى لا حول ولا قوة إلاّ بالله العظيم وحسبنا الله ونعم الوكيل.. ولكنه أضاف بأن المكان الذي غرق فيه ابنه ابتلع الكثير من أبناء الشجرة كما قالوا.. فكان على السلطات تحذير روّاد الشاطئ بعدم الاقتراب من الأماكن الخطرة والغريقة أو منعهم من الاستحمام والسباحة، كما أبدى ملاحظة بقوله إنه ليست هناك نقطة للإنقاذ النهري. أين التحوطات..؟! وبالرغم من نشر أكثر من (73) وسيلة إنقاذ بحري (لانش) مُزوّدة بكل مطلوبات الإنقاذ مع وجود دوريات على مدار ساعات اليوم لمراقبة سواحل النيل والمناطق التي تشهد إقبالاً واكتظاظاً من قبل المواطنين خاصة الشباب حسب الإدارة العامة للدفاع المدني في تصريحات سابقة، واضطلاعه بالعديد من الأدوار المهمة في منع الاستخدامات الخاطئة لمياه المسطحات من قبل بعضهم كغسيل العربات ومياه الصرف الصحي وغيرها من ملوثات المياه، وكشفها عن قرار يقضي بمنع السباحة في عدد من المناطق بالعاصمة (توتي وبري وخور أبو عنجة) وذلك لأنها تحظى بنسب تردد عالية من قبل المواطنين، وقال ان اكثر المناطق بالعاصمة التي تشكل السباحة فيها خطراً كبيراً على حياة المواطنين هي جزيرة التمساح والقماير والحتانة، ومناطق كمائن الطوب التي تم توجيه أصحابها بضرورة عمل سور يوضحها حتى يكون بمثابة حماية وإنذار للذين يسبحون في النيل، ومراقبة المواعين النهرية التي تُسخدم لغير أغراضها ما يشكل مصدر خطر على مستعمليها، بعد مراجعتها عقب حادث الغرق الذي راح ضحيته (18) مواطناً في أحد الأعياد، وضبطها لاستعمال المواعين النهرية لأغراض السباحة وغيرها وذلك لضمان السلامة، ووجود (11) مركزاً موزعا على النيلين الأزرق والأبيض والنيل وذلك بغرض المراقبة وضبط المواعين النهرية ومناطق السباحة بمختلف أنحاء العاصمة رغم كل ذلك إلاّ أنّ حوادث الغرق لم تتوقف كما قال سكان الشجرة فالمكان الذي يتخذه الكثير من سكان العاصمة متنفساً لهم يبتلع الكثير من رواد النيل.. وسؤال آخر يفرض نفسه بقوة لماذا تأخرت الاستجابة لنداء الاستغاثة الذي أطلقه أهالي الغرقى يوم الجمعة الماضي أكثر من ساعة.. وبالرغم من إيماننا بالقضاء والقدر إلاّ أنّه ربما كان بإلامكان إنقاذ الغرقى إذا هبت النجدة مبكراً..! ولماذا لا تَكون هناك مناطق في الري المصري يمنع فيها السباحة أو يتم تحذير المواطنين من الاقتراب من مناطق مُعيّنة خطرة قد تعرِّضهم للخطر.. نأمل من سلطات الدفاع المدني نشر قوة من الأفراد على شريط النيل خصوصاً في المناطق التي يرتادها المواطنون بكثرة.