إذا سألت أي شخص عن إنجازات الإنقاذ فإنه سيقول لك إنها اكتشفت البترول وأنشأت الكباري وأقامت السدود وزادت إنتاج الكهرباء وأنشأت المدارس وفتحت عشرات الجامعات وغيَّرت وجه العاصمة القومية وعواصم الولايات، وقد يأتيك بنفس الإجابة بعض المحسوبين على الإنقاذ من كبار المسؤولين، ولكن في اعتقادي أن الإنقاذ قد قامت بمنجزات معنوية ورسخت الكثير من المفاهيم المنسية يمكننا تلخيصها في الآتي: أولاً: قامت بكسر الاحتكار الذي كان يضربه أهل البيوتات الدينية والتي استولت على مقاليد الحكم منذ الاستقلال بعد أن استلمتها من المستعمرين. فالمعروف أن الحكم في السودان ظل متبادلاً بين ثلاثة بيوت بدعم من الحكومة البريطانية ولم يتم تفكيك هذا «الطوطم» إلا بعد أن قامت الإنقاذ مفسحة الوظائف والوزارات والمراكز لأبناء الفقراء وعامة الناس وحتى صار أهل الأحزاب «يكوركو» ويقولوا إن عدد الوزراء أكثر من عدد الشعب فهناك وزراء من صقع الجمل وعد الغنم وأم دافوق والتميد والصليع. ثانياً: قامت الإنقاذ بتفكيك الولاءات الطائفية التي كادت أن تصل حد الاستعباد وبحيث إن آباءنا وأجدادنا ظلوا رهينين لما يُعرف بالإشارة لأهل الطوائف، والذين كان بعضهم يعد الناس بمنحهم شبراً في جنة الخلد يوم القيامة. ثالثاً: رفعت الإنقاذ من قيمة المشاركة الشعبية وسط قطاعات المواطنين باختلاف ألوانهم وسحناتهم وعقائدهم ابتداءً من اللجان الشعبية ولجان القرى وما استلزم ذلك من كسر لاحتكار بيروقراطية الخدمة المدنية بناءً على التبعية الطائفية. رابعاً: أسقطت الإنقاذ القداسة التي ظل يتسربل بها زعماء الطائفية والعشائرية وأحفادهم وبحيث صارت المواطنة والتفاعل والأداء هما المقياس المطلوب لاستحقاق التدرج. خامساً: رسخت الإنقاذ مفهوم العزة والكرامة للمواطن ولجيشه بأن ظلت تقاوم الاستعمار بأشكاله المختلفة وتقاوم عملاءه في الداخل والخارج، مثلما رسخت مفهوم الاستعلاء ضد الأجنبي. سادساً: رسخت الإنقاذ لمفهوم الاتجاه بإيجاد البديل لدول الغرب وأمريكا وتمكنت من إنتاج البترول وفك الحصار في ظل ظروف بالغة التعقيد كان الغربيون يعتقدون أنها ستؤدي إلى تفتيت الإنقاذ ومن ثم انهيار السودان. سابعاً: أدخلت الإنقاذ مفهوم الجهاد والاستشهاد وهو مبدأ لم يكن وارداً حتى في زمن الاستقلال. وبهذا فلابد أنها كوّنت مجموعات جاهزة لتقديم النفس والنفيس والأرواح رخيصة في سبيل الفكرة، وهو ترسيخ لعنصر المواطنة وللانتماء للأرض. ثامناً: أدخلت الإنقاذ مفهوم المشاركة الشعبية كسند للقوات المسلحة وهو أمر كان غائباً تماماً في كل فترات ما بعد الاستقلال. فهي قد دربت أنماطاً وأنواعاً من المواطنين نساءً ورجالاً سواء الخدمة الوطنية أو الدفاع الشعبي أو الشرطة الشعبية والمجتمعية، وبهذا أدخلت قيمة المساهمة والسند الشعبي والغطاء لظهر القوات المسلحة وشد أزرها. تاسعاً: أقامت الإنقاذ مشروعات الزواج الجماعي وهي بهذا تكون قد أدت عملاً اجتماعياً ذا بُعد ديني وفي ذات الوقت استقطبت لنفسها مؤيدين وموالين ربطتهم بها ربطاً محكماً. فإذا كانت الإنقاذ قد نفذت في العشرين سنة الماضية ما يعادل مليون زيجة فهذا يعني أنها قد استقطبت اثنين مليون أسرة وكل من هذه المليوني أسرة لابد أنها ترتبط وبأكثر من خمسة أشخاص. وهذا يعني أنه عن طريق الزواج الجماعي وحده تكون الإنقاذ قد حققت لنفسها رصيداً من المؤيدين لا يقل عن عشرة ملايين شخص عاقل وواعٍ ومميز. وهو الأمر الذي ينعدم عند غيرها من الكتل السياسية وزعماء الأحزاب. عاشراً: عاش حكام الإنقاذ وسط المواطنين وزاروا بيوتهم وحضروا أفراحهم ومآتمهم ودفنوا موتاهم وغنوا معهم ورقصوا بمشاركتهم وعرضوا في أذكارهم ومناسباتهم الشعبية وهو أمر كان يغيب عن زعماء الأحزاب الطائفية. وكان لهذه القيمة الخاصة بالمشاركة والاندماج سبب في أن يحبهم الناس مهما كانوا لبعضهم كارهين. وأخيراً فإن الناس قد ذاقوا مع الإنقاذ حلاوة الصبر على المكاره والحصار والتضحية وهذا في حد ذاته أحد القيم المهمة ذات الطعم الخاص. حادي عشر: ومنه أهم انجازات الإنقاذ أنها قد «فكتنا» من الجنوب والجنوبيين وجعلت ذلك أمراً سهلاً وبرغبة الجنوبيين أنفسهم والذين ظلوا حجر عثرة أمام انطلاق السودان الشمالي وتقدمه وكبّلوه بقيود التخلف والمجاعة والحروب المتلاحقة ولهذا تجد فيهم المعارضة القشة التي تتعلق بها لإعادة مجدها الزائل وكراسيها الطائرة. كسرة: علمت من شخصية رفيعة أن بعض أعضاء المجلس من الذين لديهم شيكات طائرة مقابل شراء سيارات قد يكونون من الجنس اللطيف. ويبدو أن قطاع النساء في المجلس حديث عهد بالتعامل في الشيكات وقد يغيب أن رجوع الشيك بدون رصيد جريمة في القانون الجنائي أجازها المجلس التشريعي نفسه وأعطاها رقماً هو 971 وجعل عقوبتها السجن ويبقى حتى السداد. ولعل المجلس يعالج الأمر بالدفع نيابة عن أعضائه أو ربما يتم اللجوء إلى بيع السيارات وإرجاعها. ويظل الطلب ملحاً في أن ينظر المجلس الموقر في إلغاء هذه المادة المعيبة أو على الأقل قبول الضمانة العادية في محبوسي هذه المادة بمن فيهم أعضاء المجلس. ومن غير المفهوم أصلاً أن يتم تخصيص سيارات غالية الثمن ودفع رباعي «قريبة الشبه بليلى علوي» وانتظار تحصيل قيمتها شهرياً من «موظف» أو «عضو مجلس» لا يصل مرتبه لثلاثة آلاف جنيه! فإذا كان يأكل ويشرب بألف وخمسمائة جنيه ويكُب بنزين بألف جنيه ويجامل الناس بخمسمائة جنيه وبالنسبة للسيدات هناك «ختات» و«محتاجات» مكلفة جداً قد تصل قيمتها إلى ألفي جنيه فهذا يعني أن مرتب العضو أو «العضوة» الشهري يجب ألّا يقل عن عشرة آلاف جنيه حتى يتمكن من مقابلة التزاماته الشخصية ثم من بعدها التزامات سلفيات العربات والشيكات الطائرة.