البقيع هي المقبرة الرئيسة لأهل المدينةالمنورة من عهد النبي عليه الصلاة والسلام ومن أقرب الأماكن التاريخية إلى مبنى المسجد النبوي الحالي، ويقع في مواجهة القسم الجنوبي الشرقي من سوره، وقد ضمت إليه أراضٍ مجاورة وبُني حوله سور جديد مرتفع مكسو بالرخام، ولا تزال المقبرة قيد الاستخدام حتى الآن، وتبلغ مساحتها «180» ألف متر، ويضم البقيع رفات الآلاف من أهل المدينة ومن توفي فيها من المجاورين والزائرين أو نُقلت جثامينهم على مدى العصور الماضية وفي مقدمتهم الصحابة الكرام، ويُروى أن عشرة آلاف صحابي دُفنوا فيها وكل زوجات النبي رضى الله عنهنَّ عدا خديجة وميمونة كما دُفنت فيه ابنته فاطمة وولده إبراهيم وعمه العباس وعمته صفية وحفيده الحسن.. وأول من دُفن فيه من المسلمين الأنصار أسعد بن زرارة ومن بعده الصحابي الجليل عثمان بن مظعون من المهاجرين. وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استطاع أن يموت بالمدينة فليمت بها فإني أشفع لمن يموت بها» رواه أحمد، وقال عليه الصلاة والسلام برواية ابن عمر «أنا أول من تنشق عنه الأرض ثم أبوبكر ثم عمر ثم آتي أهل البقيع فيُحشرون معي، ثم انتظر في مكة حتى أحشر بين الحرمين»، رواه الترمذي. وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسو الله صلى الله عليه وسلم كلما كانت ليلتها يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين وأتاكم ماتدعون، غدًا مؤجلون وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد». لذا نجد أن معظم الناس يتمنون الموت والدفن بالبقيع وخاصة السودانيين وقد ظهر ذلك جليًا في كثير من قصائدهم في مدح المصطفى صلى الله عليه وسلم.. نفرد هذه المساحة للتعرف على بعض السودانيين الذين وافتهم المنية هنالك ودُفنوا بالبقيع تلكم البقعة الطاهرة المباركة.. من منا لا يذكر الإعلاميتين المميزتين ليلى وهيام المغربي اللتين وافتهما المنية إثر حادث حركة أثناء تأديتهما لمناسك الحج في مارس «1999م» حيث دُفنتا بالبقيع. وأيضًا من الشخصيات المعروفة التي دُفنت هناك الرياضي الأستاذ منصور رمضان مدرب فريق الجبلين السعودي. ومن ولاية القضارف ومن قرية «عصّار» دُفن هناك الأستاذ والمربي الفاضل أبو كُليّقة علي حمد وهو داعية إسلامي واعتُقل بسجون ليبيا في عهد القذافي وتمّ الإفراج عنه إثر زيارة رئيس الجمهورية إلى هناك.. ومن إسهاماته الواضحة في ولاية القضارف أن الإخوة المسيحيين عندما أرادوا بناء مجمع كنسي لم يهدأ له بال وبالتعاون مع بعض الخيرين تم إيقاف بالبناء وأُقيم معكسر الدفاع الشعبي بالولاية وتمّ إنشاء معهد حاج الحسن الديني في ذات الموقع.. والأستاذ المعلم والمربي أحمد عبد الحفيظ من الذين دُفنوا هناك، وقد كان عليه الرحمة من أميز معلمي الرياضيات بولاية القضارف وهو من خريجي معهد بخت الرضا وقد قام بافتتاح معهد التربية بكسلا، وأيضًا من ذات الولاية دُفن هناك الشيخ الطيب محمد الأزرق وزوجته الحاجة ست الجيل وبنات الحاج علي المجذوب آمنة وبت أسد وأحمد حسن شبيكة والحاج جبريل اللحوي من الفشقة والحاجة بت حاج بابكر من قرية أم شجرة وهي زوجة العالم الفها هاشم. وقد أفادنا بذلك الشيخ حمد الأزرق. وللحاجة العازة فضل المولى قصة مع دفنها في البقيع كما روت لنا حفيدتها خديجة البرزن: عندما ذهبت جدتي للحج «كما وري لنا الكبار» كانت تتمنى الموت والدفن بالبقيع وكان يرافقها الخليفة حسن الشيخ وعندما طلب منها الأهل اصطحاب أحد أبنائها قالت للخليفة «أنا معاك دنيا وآخرة» وبعد انتهاء مراسم الحج وافتهما المنية وهم معًا في حادث حركة، وكان وقع الخبر قاسيًا على ذويهم خاصة وهم كانوا بانتظار حضورهم في اليوم الثاني وقد ذُبحت الذبائح وتجمع الأهل ولكن مازاد في يقينهم أن الحاجة عند ذهابها للحج قامت بوداع الناس وداع مفارق للأبد وقامت بسداد جميع ديونها وكان ذلك في ستينات القرن الماضي. وأيضًا هناك عدد كبير جدًا من السودانيين الذين دُفنوا بالبقيع ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر كما أفادنا الأستاذ الصادق إدريس حامد وهو مقيم هناك منذ أكثر من «30» عامًا،الحاج عبد المحمود محمد أحمد من الحريزاب الريف الشمالي لأم درمان الحاج بلال عبد الفرّاج من خشم القربة، الحاج الصادق قاسم النور من مدني،الحاج أحمد الأمين من ود ربيعة بولاية الجزيرة، والحاج خالد العطايا من ود ربيعة الجزيرة والحاج محمد الأمين بشير من ود الجنيد الجزيرة الحاج خضر سعد من رفاعة والحاج علي محمد علي من رفاعة والحاج أحمد علي السيفي من الأحامدة والحاج إبراهيم فرج الله من بورتسودان والحاج محمد الزبير من الكلاكلة الخرطوم.ومن السودانيين الذين دفنوا بالبقيع الشيخ محمد مصطفى الفادني الذي إنتقل إلى جوار ربه بالمدينة المنوّرة عام 1952م. ويعده الشيخ محمد مصطفى الفادني مرجعاً في حفظ وتوثيق المدائح النبوية. نسأل الله لهم الرحمة وأن يتقبلهم قبولاً حسنًا.. وبالتأكيد هنالك كثير من الأسماء التي لم نتحصل عليها.. وربنا يوعدنا جميعًا..