كان الشعار الذي رفعته حركة التمرد في جنوب السودان بقيادة جون قرنق هو «السودان الجديد».. وتفسيره هو أن يتحول كل السودان من وادي حلفا إلى نمولي إلى دولة علمانية غير عربية، يعيش المسلمون فيها راضين بالدنية في دينهم، ويعيش العرب فيها سواء في دارفور أو الوسط أو الشرق أو الشمال وهناك معهم أخوالهم النوبيون، يعيشون مثل العرب في فلسطين وزنجبار.. هذا هو التفسير الجنوبي في أذهان كثير من الجنوبيين قبل الانفصال. أما التفسير الشمالي لدى المعارضة الشمالية فهو يأتي تماشياً مع ظروفها السياسية الحرجة ليكون التفسير لشعار السودان الجديد هو «التحوُّل الديمقراطي».. هكذا تريد المعارضة السودانية ممثلة بالأحزاب الكبرى وغيرها أن تستخلص من شعار «السودان الجديد» حالة تحول ديمقراطي.. تعيد إليها ما أضاعته عام 1989بعد أن قدمته لها النقابات والقيادة العليا للقوات المسلحة. بعد انفصال الجنوب وبوار شعار «السودان الجديد» احتار قطاع الشمال التابع للحركة الشعبية، فهو لم يستطع أن يفك ارتباطه بالحركة الشعبية ليثبت في الساحة السياسية أنه يمكن أن يعمل مستقلاً مثل الأحزاب السودانية الكبرى دون أن يحتاج إلى أبوية الحركة الشعبية الحاكمة في جوبا ودون ارتباط بقوات الجيش الشعبي التابعة للحركة نفسها. يعاني «قطاع الشمال» من عدم القبولية الجماهيرية في ولاية الخرطوم ومعظم الولايات الأخرى، لذلك تجده يرفض الرهان على تعاطف الجماهير معه في هذه الجهات، ويراهن على التمرد أسوة بجماعة قرنق الجنوبية ليصل إلى المناصب الرفيعة بعد مفاوضات واتفاق مع الحكومة السودانية بمجانية الديمقراطية، فهو يدرك أن لا حظ في الانتخابات القادمة حسب الدستور، لقد كان الأمين العام للحركة الشعبية «قطاع الشمال» ياسر عرمان مرشحاً لرئاسة الجمهورية في الانتخابات الفائتة التي أُجريت بموجب الدستور الانتقالي وتحت أعين الرقابة الدولية.. لكن«حزبه المسلّح» سحبه من المنافسة الانتخابية لذاك السبب «عدم القبولية الجماهيرية». فالسودان الجديد يعني للشمال الذي هو السودان الحالي أن يحكم سلفا كير وباقان وادوارد لينو ودينق ألور كل السودان، ترى هل هذا المعنى يمكن أن يسمح للحركة الشعبية أن تكسب الانتخابات؟! إنها كما بدا لم تكسبها حتى في الجنوب، فقد كان التزوير هناك «على عينك يا تاجر». إذن كان لا بد من تغيير الشعار المكروه إلى آخر قد يؤلّف قلوب حركات الجبهة الثورية «قطاع الشمال وبعض حركات دارفور» والأحزاب السودانية المعارضة «حزب الأمة والاتحادي الأصل وحزب عمّك الترابي والحزبي الشيوعي». وكان هو «الفجر الجديد».. فقد وقعت الجبهة الثورية على ميثاق «الفجر الجديد». لعلها تظن أنه أكثر قبولاً من أن يسمّى ميثاق «السودان الجديد». «الفجر الجديد» يعني إخراج سمعة الحركة الشعبية من مشروع إسقاط النظام بعد فشل التمرد وقطع العشم في «الربيع العربي».. ثم إن تسمية السودان الجديد لا تنسجم مع تسمية «الربيع العربي»، فذاك سودان جديد وهذا ربيع عربي، ترى ما العلاقة نظراً إلى أن «الربيع العربي ثقله إسلامي. «الفجر الجديد» يسميه دكتور نافع «الفجر الكاذب» .. ذلك لأن مكوناته لا شيء موضوعي يجمع بينها. أحزاب الخرطوم في فلسفة التمرد لا فرق بينها وبين المؤتمر الوطني، وحركات دارفور تتناحر جداً مع بعضها، فماذا ستفعل ببعضها بعد إسقاط الحكومة؟ هل سنسمع أصوات الرصاص تنطلق في القصر الجمهوري؟! هل ستُعاد أحداث بيت الضيافة التي كانت في يوم فشل انقلاب هاشم العطا؟!