{ تأخر تعليقي على عبارة والي ولاية الخرطوم الدكتور عبد الرحمن الخضر بشأن صعوبة العيش التي تواجه بعض المواطنين في ولاية الخرطوم، حيث قال «الغلبتو العيشة في الخرطوم يطلع منها».. أي من لم تتيسر له المعيشة في ولاية الخرطوم فعليه بمغادرتها. ولا أود هنا أن أسوق كلمات احتجاج أو اعتراض، ولست بصدد مناقشة هذا الحل الذي قدمه السيد الوالي لبعض المواطنين، إنما ينطلق تعليقي من السؤال القائل: هل كل الذين صعبت عليهم المعيشة في ولاية الخرطوم هم أصلاً من مناطق خارج الولاية المزدانة بالتقاء النيلين والمشرّفة بطابية الدولة المهدية والموسّمة بقصر عثمان بك جركس والمؤرّخة بآثار سوبا شرق؟! مئات المناطق والقرى داخل ولاية الخرطوم في عمقها وأطرافها بها مواطنون يقيمون فيها قبل أن ينقل عثمان جركس العاصمة من مدني إلى الخرطوم، وقبل أن تحول الدولة المهدية العاصمة من الخرطوم إلى «أم در أمان» .. التي تحوّلت إلى أم درمان، مثلما تحوّلت منطقة عائلة الفونج إلى منطقة «العيلفون» ومثلما تحوّلت «خور التوم» إلى «الخرطوم». فأين إذن سيذهب هؤلاء المواطنون من أبناء قبائل البطاحين والجموعية والأحامدة والمسلمية والعبدلاب والقريّات؟! أين مناطقهم خارج الخرطوم؟!.. لا توجد بالطبع.. اللهم إلا إذا كانت في الجزيرة العربية والشام ومصر عمرو بن العاص رضي الله عنه. وما يجدر ذكره هنا هو أن بعض البطاحين والأحامدة قبل عشرات السنين أفراداً وأسراً قد نزحوا من ولاية الخرطوم إلى مناطق مختلفة بالسودان من أجل كسب العيش أو بسبب مضايقة سلطات الاحتلال البريطاني لهم أو طلباً للعلم، وأبرزهم طبعاً هو الشيخ فرح ود تكتوك ابن قبيلة البطاحين أو أسرته التي ربما كانت تسكن «حلة كوكو».. وقد هاجر إلى سنار التي كانت هي العاصمة. لكن عند كثير تبقى الخرطوم هي الأحياء التي خططت أراضيها الحكومة، واستخرجت لها شهادات بحث أو هي أراضي الحيازات. يعرف كثير من الناس أسماء الأحياء والمدن الاسمنتية في ولاية الخرطوم، ولكن لا يعرفون كثيراً من قرى الجموعية والأحامدة وهي بالمئات. والخرطوم لم يبلغ عدد سكانها عشرة ملايين نسمة حتى تكون «الهجرة العكسية» حلاً لفك ضائقة المعيشة، والمعيشة الضنكة مكتوبة على صاحبها في أي مكان. «ما تدري نفس ماذا تكسب غداً وما تدري نفس بأي أرض تموت» الآية. وزيادة الناس في أية منطقة من المناطق تنعش السوق بزيادة حجم القوة الشرائية، والسعودية كانت تستفيد من قبل البترول من مواسم الحج. والهجرة العكسية لا نريدها إلا لتحرير القدس وأرض فلسطين. أما في الخرطوم فلا علاقة لها بحل مشكلة الضائقة المعيشة. ولكن يكون الحل بأن تتجه الدولة إلى إشعال ثورة التنمية الريفية بتعبيد الطرق وبناء الموانئ الجوية وتشييد المؤسسات الإنتاجية في عواصمالولايات أو مدنها أو قراها على طريقة إنتاج السكر. ترشُّح طنطاوي اعتبر مراقبون جولة قام بها رئيس المجلس العسكري المصري الأعلى للقوات المسلحة المشير محمد حسنين طنطاوي وسط أبناء الشعب المصري، اعتبروها بداية لحملته الانتخابية، مع أنه لم يطرح نفسه في الساحة ضمن المترشحين لانتخابات الرئاسة المصرية التي ستنعقد في يوم 28 نوفمبر المقبل. لكن هل يريد طنطاوي أن يستفيد من الزمن ويرى أن إعلان ترشحه يناسبه وقت قريب جداًمن انطلاق عملية الانتخابات ؟! هذا إذا صح استنتاج المراقبين. لكن المعلوم هو أن في العالم الثالث قد جرت العادة على أن يكون الفوز في أية انتخابات هو حليف الرئيس إذا كان ضمن المرشحين، وفي بعض الدول الغربية الكبرى يكون الرئيس المنتخب مترشحاً في ولايته الأولى ليكسب الثانية، وإذا كسبها لا فرصة له للترشح لكسب الثالثة. وغالباً ما يكسب الثانية ربما لوجوده في السلطة عبر ولايته الأولى، وربما ما جعله يكسب الأولى جعله أيضاً يكسب الأخرى. ومن حق طنطاوي أن يترشح طبعاً، لكن إذا سمح له الدستور بأن يترشح إلى أن يتوفاه الله فهذا يبقى تكراراً لحالة حسني مبارك، وقد يواجه مصير مبارك أيضاً، ولا داعي لنقول مصير غيره، كفاه الله الشر، آمين. لكن السؤال الأهم هو هل القوى السياسية المصرية التي تفاجأت بتفجر الثورة الشعبية مستعدة لخوض انتخابات تشكل نقطة تحوُّل كبيرة لصالح مستقبل الديمقراطية في مصر؟ إذا ترشح طنطاوي يمكن أن يستفيد بوجه شرعي لا اعتراض عليه من إمكانيات الدولة الإعلامية وبطريقة غير مباشرة يمكنه الاستفادة من عملية الصرف الإداري المعتمدة على موازنة الدولة. لكن تبقى العبرة بألا يسمح الدستور بترشح الرئيس لأكثر من دورتين، وهذا هو ما يناسب شعب مصر دون غيره من الشعوب لكبر حجمه، وهو نفس الأسلوب المعمول به في الولاياتالمتحدةالأمريكية مثلاً، وهذا هو سر استقرارها السياسي بالرغم من تحديات أخرى لم تنفك من أمامها حتى الآن مثل وصمة إبادة الهنود الحمر ووصمة استرقاق الأفارقة عبر السنغال، حيث ميناء غوري المشهور الذي كان مخصصاً لجلب الرقيق بطرق يندي لها الجبين، إنهم أجداد وجدات سوزان رايس وكندليزارايس. المهم في الأمر أن شعب مصر لا يملك استعداداً لحاكم دائم حتى عبر صناديق الاقتراع، فهو أكثر من ثمانين مليون نسمة، ولم يستطع مبارك والسادات أن يحكماه وفق ما يريدان، وحتى عبد الناصر مع قلة الكثافة السكانية في عهده لم يلجأ لبرلمان مصري في موضوع توجيه الضربة الاستباقية لاسرائيل أيام هزيمة حزيران يونيو 1967م، بل نزل عند رغبة موسكو حينما طلبت منه ألا يبادر بالهجوم، فوقع في الفخ. ومعلوم أن روسيا بها جالية يهودية، وكثير منهم هاجر إلى إسرائيل. إذن لا بأس من ترشح طنطاوي لكن بشرط ألا يعيد إنتاج حالة حسني مبارك أو السادات، ليحذر المصريون.