كانت ومازالت مفاصلة الإسلاميين في السودان حدثًا لا يمكن تجاوزه في تاريخ الحركة الإسلامية السودانية وفي تاريخ السياسة السودانية، كانت قرارات الرابع من رمضان تعطي مؤشرات كثيرة وتأثيرات عديدة حكمت ما بعدها من مقاصد ومشاهدات السياسة السودانية في عهد الإنقاذ الوطني وطرحت تساؤلات عديدة عمَّا كان يحدث في الإنقاذ منذ انطلاقها وماذا يدور في كواليس الحركة الإسلامية من قبل الإنقاذ هل كانت هذه الحركة تتمتع بالشورى والديمقراطية أم أنها حركة نخبوية تتمركز قراراتها وإرادتها فى صفوتها ويتجمع كل ذلك تحت عمامة الشيخ الترابي؟ كانت بداية مفاصلة كبيرة داخل الحكم الإسلامي قاد أحد شقيها الدكتور الترابي وقاد الشق الثاني الرئيس البشير، فأصبح هناك اتجاهان مختلفان «القصر والمنشية»، وعلى إثر هذه القرارات تم إقصاء الترابي من الحكومة وتم تجريده من كل صلاحياته وانشق من حزب المؤتمر الوطني مؤسسًا حزبه الجديد حزب المؤتمر الشعبي، لكن يبدو أن خيبة أمل الترابي ومُراهنته على تلميذه الأكبر علي عثمان محمد طه كان من أبرز المفاجآت ولماذا أقدم طه على الخروج من أبوية الشيخ الترابي في الرابع من رمضان حيث اعتبره الترابي رهانًا للمرحلة القادمة وعليه الترجل في وقت محدد وزمن معين لكن قد بدت الأمور وكأنها أزمة باقية لم يتم تجاوزها حتى الآن وذهبت الشعارات التي كان ينادي بها الترابي «متين يا علي تكبر تشيل حملي» أدراج الرياح، وعلى ما يبدو أن الحنين إلى الأب الروحي ما زال يُراود طه حتى الآن ونلمح ذلك جليًا من خلال التنسيق الذي تم بين علي الحاج وعلي عثمان في زيارة الأخير لألمانيا ولا يفوت على القارئ الحصيف تصريحات نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض علي الحاج التي تحمل في طياتها دلالات ظاهرة وأخرى باطنة إذ لم يستطع القيادي بحزب الترابي إخفاء مرونة اللهجة إلى حد ما تجاه غريم الحزب اللدود ومنافسه الأول «سابقاً» علي عثمان.. تلك اللهجة التي تنسجم وحدها مع ما قاله مراقبون إن الغرض الرئيسي من زيارة علي عثمان لألمانيا هو لقاء علي الحاج وليس الفحوصات كما ذُكر. ومن خلال دعوة الحكومة السودانية خصومها السياسيين إلى تجاوز مرارات الماضي وابتدار حوار وطني يقرب وجهات النظر بين جميع مكوِّنات البلاد السياسية وحرصًا على حماية التوجه العام للدولة تم تنسيق لقاء النائب الأول لرئيس الجمهورية مع نائب الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي المعارض علي الحاج محمد بمبادرة من الأخير وتطرق لقاؤهما إلى القضايا الوطنية والتحديات والمهدِّدات التي تواجه البلاد، وأضاف أنه لمس شعورًا عميقًا عند الحاج بالمخاطر التي تجابه الوطن وأنه أبدى استعدادًا لتجاوز مرارات الماضي والاتجاه نحو حوار وطني جامع يقرب وجهات النظر بين الفرقاء السياسيين، وكان القيادي بحزب المؤتمر الشعبي المعارض د. علي الحاج قد أعلن في وقت سابق أنه التقى طه أثناء زيارة الأخير لألمانيا وأجريا حوارًا حول قضايا البلاد والمخاطر التي تتهددها، وكشف عن اتصالات واسعة قال إنه أجراها مع قادة المعارضة السياسية والمسلحة والأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حسن الترابي أبلغهم فيها بما دار بينه وبين طه حول إجراء حوار وطني لتحقيق الاستقرار بالبلاد وأعلن طه عن استعداد حكومته للحوار، وقال طه إن لقاءه القيادي الإسلامي السابق والمعارض الحالي د. الحاج بصدد نبذ العنف وأن الحوار حول مختلف القضايا هو السبيل الوحيدة التي يمكن أن تعالج كل الموضوعات والقضايا.. هذا ما أدركه أخيرًا.. بالرجوع إلى حيثيات الخلاف بين الترابي وتلاميذه يعود على حسب تقدير الساعوري إلى ما قبل المفاصلة عندما أصبح علي عثمان وزيراً لتلك الوزارة الضخمة التي أدمجت له ثلاث وزارات وأخذته المسؤولية الكبيرة عن علاقته بشيخه ويقال إن الشيخ كان عاتباً على قيام علي بالكثير من المهام والعمليات دون مشورته وخصوصاً ما نُسب في حادثة أديس أبابا وهو ما يعني عند الشيخ أن علي عثمان بدأ يشق طريقه لإدارة النظام والتنظيم خاصة أن علي عثمان كان غير راضٍ عن قرار الترابي بحل الحركة الإسلامية. وبعد محاولة اغتيال حسني مبارك بدأ الشك يتسرب إلى الدكتور الترابي في محاولات علي عثمان في إحياء الحركة الإسلامية وبعثها من جديد ومعروف أنه من يملك زمام خيوط التنظيم لذلك بدأ الشيخ الترابي يسرع الخطى حول إحياء وتجميع الخيوط القديمة للحركة الإسلامية التي قام بحلها وهنا كانت هي نقطة الصفر للصراع بين الشيخ وتلميذه طه ومع مرور الأيام والسنين على مفاصلة الإسلاميين واستمرارالقطيعة ما بين طه والترابى وسفينتهم تبحر فى عباب أمواج متلاطمة لا تكاد تجد لها مرسى ورياح هوجاء تأخذهم في كل اتجاه ولا يلوح في أفقها بوادر اتفاق على ما اختلفوا فيه والكل يمضي في طريق وحده والوطن تحدق به مشكلات عدة وما رسخ في نفوسهم كان أكبر من تجاوز مرارات اختلافاتهم السياسية والفكرية، بيد أن صحوة ضمير الابن العاق تجاه والده استيقظت مُجدداً وحان أوآن طلب العفو بواسطة «الأجاويد» المقربين السؤال الذي يطرح نفسه هل يستطيع علي أن يُعيد علي «لدار» والده ورأب الصدع الأسري من جديد؟