زيارة الرئيس عمر البشير إلى جوبا أمس الأول أزالت الغبار وعزَّزت الثقة لدى حكومة الجنوب لاسيما بعد الاتفاق الذي تم بتشكيل لجنة مشتركة للنظر في القضايا بين البلدين، وقال البشير إن زيارته تأتي بمثابة تطبيع للعلاقات بين الدولتين مضيفًا أنها هدفت إلى إعطاء دفعة قوية لتنفيذ المصفوفة التي تمت مؤخرًا وأن استئناف ضخ النفط يعد أنموذجًا للتعاون المشترك، كما وجَّه إلى ضرورة فتح الحدود لتسهيل حركة المرور وأكد أن السودان يلتزم في كل الأحوال بما تم التوصل إليه من اتفاقيات وقال إن السودان سار في شوط تحقيق السلام إلى نهايته وبطي صفحة الخلافات الأمنية بين الدولتين تتطلع الأنظار إلى حتمية التبادل التجاري ومن خلالها تنساب التجارة ويتدفق بترول الجنوب عبر أنابيب الشمال ومنه إلى العالم وكذلك تبادل المنافع الأخرى والتي ستُنعش اقتصاد البلدين... تساؤلات عديدة طُرحت بشأن تلك الزيارة هل ستحقق السلام في الدولتين في ظل الضغوط الخارجية التي تشكل داعمًا قويًا لإفشال الاتفاقيات وجعل الحرب مستمرة أم أنها ستكون بمثابة خطوة إلى الأمام اتفاقيات عديدة تمت ولم تلتزم حكومة الجنوب بتنفيذها هل بعد هذه الزيارة تصدق نوايا جوبا. وتعتبر تجارة الحدود وحجم التبادل التجاري ضرورة لفائدة سكان الشريط الحدودي وبالتأكيد جوبا هي المستفيد الأكبر وستسعى جادة لتنفيذ الاتفاق لأنها تعتمد على التبادل التجاري عبر كل الوسائل ومنها النقل النهري الذي يصب في مصلحة اقتصاد الدولتين، ولقد ظل الاقتصاد في الشمال والجنوب مرتبطًا لمدة طويلة من الزمن، في مجال السلع الغذائية خاصة الذرة في غذائهم مما يجعل الجنوب أكثر حاجة لاستيراد بعض احتياجاته الغذائية من الشمال، ومازال جنوب السودان وسيظل لفترة من الزمن مرتبطاً بالطرق البرية والنقل النهري مع شمال السودان أكثر من ارتباطه بالدول الأخرى لأنه يعتمد على الأنشطة التي يديرها تجار الشمال منذ زمن بعيد وعلى ما يرد إليهم من عروض التجارة خاصة الأجزاء الشمالية من دولة الجنوب «الوحدة، وأعالي النيل الكبرى وبحر الغزال الكبرى»، حيث تمثل العمق التجاري بين البلدين في السلع الواردة لتلك المناطق مما يساعد على تنشيط حركة النقل النهري... كل هذه الأسباب تقتضي العمل على إزالة المعوقات الحالية ولا بد من إزالة المعوِّقات التي تعترض النقل النهري لم يتوقف التبادل التجاري بين البلدين ولكن تعاني الحركة التجارية من ارتفاع تكاليف النقل وعدم الاستقرار الأمني وكثرة الرسوم غير المشرعة وغير قانونية لذلك لا بد لدولتي السودان وجنوب السودان من التعاون حتى يجتازا هذه المرحلة الحرجة التي يمر بها اقتصاد البلدين والوصول إلى اتفاق نهائي. وفي ذات الاتجاه أكد عدد من الخبراء والمراقبين والمتابعين للقضية أن ما تم التواصل اليه سيصب في إنعاش اقتصاد البلدين، ومن المرجح أن تستفيد دولة الجنوب من التبادل التجاري مما يتيح الفرصة للدولة الوليدة لبناء اقتصاد قوي بجانب تأمين احتياجاتها من السلع غير المتوفرة في السودان، ومن الواضح أن جوبا كانت حريصة بسبب أوضاعها الاقتصادية المأساوية. وفي ذات السياق أوضح الخبير الاقتصادي والأستاذ الجامعي د. محمد أحمد الجاك أن التبادل التجاري بين الشمال والجنوب إذا تم دون عقبات سيوفر عملات حرة بأكثر من مليارين، وأضاف أن التبادل يمكِّن من حركة انتقال سلع كانت قبل الانفصال تستورد وتأتي من خلال التهريب مضيفًا أنها تتوفر من خلال الجنوب ويمكنها أن تحد من ارتفاع السلع المستورده خاصة الأجهزة الكهربائية الأمر الذي ينعكس إيجابًا على معدلات التضخم فيما أشار مدير مركز الدراسات الإستراتجية د.علي عيسى إلى أن زيارة الرئيس إلى جوبا جاءت مقننة للمصفوفة التي تم الاتفاق عليها مؤخرًا وهذا واضح في الاتفاق الذي كُوِّنت له لجان عليا برئاسة نائبي الرئيسين بين الدولتين يؤكد جديتهما في طي ملف الخلافات والسعي إلى تنفيذ اتفاق تعاون، وقال عيسى في حديثه ل«الإنتباهة» أمس إن توجيهات الرئيس بفتح الحدود تُعتبر أمرًا مهمًا الأمر الذي يؤكد جدية الدولتين في الوصول إلى غايات والزيارة خير دليل على ذلك، وقال إن جوبا هي المستفيد الأكبر من فتح الحدود لأنها تضررت كثيرًا من غفلها وبالتالي فإنها ستسعى جادة إلى التنفيذ كما أوضح أن ذلك يدل على إستراتيجية الخرطوم اختلفت تمامًا كما كان سابقًا وانها تسعى إلى زيادة حجم التبادل المشترَك.