في تسعينيات القرن العشرين استضافت مدينة بورتسودان الدورة المدرسية القومية، وكنا وقتها نمثل ولايتنا «الحبيبة» القضارف والمنافسات التي كانت على أشدها خلبت العقول وأدارت الرؤوس بين مسرح الثغر وملاعب المدينة المختلفة، وبورتسودان وقتها مدينة تشتكي شح المياه وتذبذب التيار الكهربائي غير أنها كانت ثرية بإبداع إنسانها. في تلكم الدورة برزت أسماء كثيرة في مناشط عدة سرعان ما لمعت في سماوات الإبداع منهم على سبيل المثال فنياً إيمان توفيق وياسر السنوسي والراحل قدورة وفي كرة القدم منير البلة وبابكر دنيا والشبح وياسر الزنجي وغيرهم كثيرون. أكثر ما لفت الأنظار في بورتسودان وقتها كان ملاعب روابط الناشئين ومنشأتها التي تضاهي بعض دور الأندية الكبرى في العاصمة وكانت منافسات الناشئين تجتذب جمهوراً خرافياً ففرق رابطة وسط المدينة مثلاً كانت تمتلك ما تمتلك من المعدات والتجهيزات اللازمة لإدارة الكرة لا تتوافر حتى لفرق تلعب في دوري الأولى في كثير من مدن السودان. وما حققته أندية الثغر الثلاثة «هلال مريخ حي العرب» في الممتاز خلال أكثر من عقد من الزمان ما كان ليتحقق لها لولا فرق الروابط تلك. وما التراجع الذي آل إليه حال الكرة في بورتسودان إلا لإهمال أهل المدينة لاهم ثرواتها «الناشئين» عماد أندية المدينة، والهرولة كما أندية القمة نحو اللاعب الجاهز. وما اللاعب الجاهز هذا إلا فقاعة صابون سريعاً ما تنتهي ولو بحثنا سريعاً في كشوفات أندية المدينة الثلاثة سنجد أن التدهور الذي أصاب الكرة البورتسودانية الأنيقة يرتبط بدخول جيش من أنصاف المواهب وأسماء ما كان لها أن تحلم باللعب لأندية كانت تزلزل الأرض تحت أقدام فرق القمة وكثيراً ما أمسكت بالريموت كنترول ووجهت البطولة «على كيفها». بورتسودان اليوم تغير وجهها وتوفرت لها من الخدمات ما جعلها قبلة السوياح الأولى وتلك نعمة وفضل كبير لإنسان الشرق منَّ الله به عليهم في وجود واليها الهمام «ايلا» ولكن ... ألا يرى ايلا أن خلو كشف الممتاز من اسم ولايته منقصة كبيرة وبقعة سوداء في سفر إنجازاته الناصع؟ أكبر مسوق للسياحة التي راهنت عليها يا «ايلا» هي كرة القدم والدوري الممتاز هو بوابة بورتسودان للوصول لهذه الغاية على المستويين المحلي والإقليمي. كل أدوات النجاح متوفرة الآن لصناعة كرة قدم تعيد للاذهان «حرفنة» الراحل الطاهر حسيب. لفتة قناة فضائية وملاعب جاهزة وجمهور مجنون وخامات لاعبين تتفوق على «كوم» من يدعونهم محترفين. ماذا تنتظر يا ايلا؟!