يعود شهر رمضان المبارك هذا العام والمتغيرات الكثيرة تعصف بالعالمين العربي والإسلامي، وترتفع وتيرة الأحداث الدامية في كثير من العواصم الإسلامية بعكس ما تنبأ به الكثير من المراقبين في بدايات ما أطلق عليه الربيع العربي منذ أكثر من ثلاث سنوات. فالموجات الارتدادية التي خلفها صعود الحركات الإسلامية إلى كراسي الحكم في كلٍّ من مصر وتونس وبعض المناطق الأخرى قد تسببت، وفي تأثير متوقع، في تكوين تيار مضاد توحد لغير ما هدف سوى محاولة إقصاء هؤلاء القادمين الجدد وحرق كل أوراقهم وهو ما يكاد وإلى حد بعيد ينجح في الحالة المصرية. كما أن ما يجري في بعض دول المغرب العربي من تكون لتيار إسلامي شعبي أصبح يصبغ الحياة الاجتماعية التي ظلت ولعهود تطاولت تتكلم بغير لسانها العربي والإسلامي، وهو ما سيمهد لبروز قوى جديدة قد تستطيع إعادة الروح الإسلامي لمجتمعات ظلت «مغربة» عن هويتها أمدًا طويلاً، كل هذا يظل يدفع باتجاه خلق جيوب مقاومة لهذا المد الجارف من أن يكتسح وبالتالي يؤدي لتغيير المنطقة العربية والإسلامية وإعادتها لهويتها التيّ غُيََّبت عنها. يعود رمضان ومتغيراتنا في السودان تظل تراوح مكانها، وما قلناه في شهر يوليو من العام الماضي تظل تلوكه ألسنتنا في شهر يوليو لهذا العام. والذي يبدو أن هذا الشهر أي يوليو سيظل يرتبط أبدًا بوزارة ماليتنا التي لا يحلو لها أن تتحدث عن ما يسمى ب«رفع الدعم» إلا مع اشتداد حرارة الصيف فيه، حتى لكأني بأحدهم تهكمًا يسميه شهر الرفع، فقد صدرت قرارات رفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع في العام الماضي في هذا الشهر، وهاهي الأيام، أو الوزارة سيان ما بينهما، تعود من جديد بقرارات قد وضعت أمام السيد رئيس الجمهورية لرفع الدعم عن المحروقات وبعض السلع كالقمح من أجل الموافقة على الإجراء. إن من المؤلم حقًا أن لا تجد وزارة ماليتنا وجهابذة خبرائها غير هذا الإجراء تظل تطبقه عامًا وراء الآخر من أجل معالجة الضائقة التي يعانيها الاقتصاد، فهو أي رفع الدعم من أسهل الحلول التي قد يتم اللجوء اليها ولكن بالمقابل فإن آثاره الاجتماعية والأمنية بل والاقتصادية ستكون كارثية على المديين القريب والبعيد على حد سواء، وهو ما يظل يؤكده كثير من الخبراء. لقد أكدت الكثير من الدراسات والمسوحات التي قامت بها كثير من الجهات المختصة على الآثار المدمرة التي يتسبب بها الفقر ومتلازماته، والذي هو أحد الآثار الجانبية لسياسات رفع الدعم المتوالية، فانتشار الأمراض المرتبطة بالفقر إضافة للأمراض المستوطنة التي تدمر الإنسان والذي هو أهم عناصر التنمية لأي دولة، انتشار هذه الأمراض قد أصبح بنسب مخيفة في السودان وهو ما كان ليقرع ألف ناقوس خطر لو كان في أي مكان آخر بالعالم ولكن لا حياة لمن تنادي !!.... هذا ناهيك عن الأمراض الاجتماعية التي انتشرت كما النار في الهشيم وأودت بالكثير من قِيمنا السودانية السمحاء. الآن المواطن البسيط يكافح من أجل توفير متطلبات الحياة الكريمة من مأكل ومشرب وتعليم وصحة لمن يعول، وكل ذلك في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة وقاسية لا يكاد يجد لها معينًا. والسوق يزداد شراسة يومًا وراء الآخر وترتفع الأسعار دون مبرر يومًا وراء الآخر ولا يكتوي بهذه النار سوى البسطاء الذين يريد السيد وزير المالية إضافة عبء آخر على كاهلهم المثقل أصلاً، بزيادات جديدة ستفتح جحيمًا آخر عليهم، ولا مبرر له سوى أن هذا الدعم يذهب للأغنياء!!!! ولا ندري هل من يمتلك عربة في هذا الزمان الأغبر يصنف على أنه من الأغنياء والموسرين وإن كانت حاله لا يعلم بها إلا خالقه ولا يجملها سوى الصبر؟؟ لا ندري هل الغالبية من الناس في بلدي والذين يتجرعون الصبر ويلتحفون السماء ويرجون رحمة لا بد آتية، هل كل هؤلاء لا يعنيهم أمر زيادة قرش أو اثنين على جوال قمح أو سكر وهم في عرض ما هو أقل من ذلك؟ هل يدري وزير ماليتنا أن هناك الكثيرين من طلبة المدارس لا يملكون ثمن وجبة فطور ويحملون كتبهم ودفاترهم في خرق بالية، ويسيرون على أرجلهم مسافات قد تتطاول من أجل الوصول لمقاعد الدرس..؟ هل يدري وزير ماليتنا عن أب يظل يدور بطفله على مستشفيات الدولة بحثًا عن دواء قد عزَّ وطبيب قد أصبح أعزَّ وهو لا يملك لا قطميرًا ولا نقيرًا؟؟ هل وهل وهل؟ من يدري ومن؟ التعليم والصحة والمعيشة اليومية... هم يهمي فوق آخر ولا مناص ولا تزال المالية تتحدث وتتحدث وتتحدث... عن دعم يُرفع وجراحات لا بد منها ليشفى الاقتصاد،؟ وتتحدث المالية عن زيادات في الأجور وهي بلا ريب لموظفي الدولة فقط والكثير من قطاعات الشعب هي بلا مرتب دولة تتحدث المالية عن هذه الزيادة وهي فرحة برغم أنها تعلم أنها لفئات محدودة ومحددة، وغول السوق والخدمات يضحك ملء فيه بانتظارها ليبتلعها باسمًا. وكذلك تتحدث جمعية حماية المستهلك عن حملات للمقاطعة وكأنها تعزف وتغرد خارج السرب فكيف يستغني المواطن عن أساسيات حياته المعيشية؟؟ كيف يستغني عن الخبز والسكر والقمح والمواصلات والكهرباء... كيف يستغني عن الماء والدواء والقلم والكراس لطفله و... و... و... وكل ذلك ستقفز أسعاره بالزانة فور تطبيق سياسات رفع الدعم؟؟ بل هي الآن وبدون أي محفزات وفقط لغياب الرقباء تقفز صعودًا مع كل إطلالة صباح جديد!!! يا سيدي الرئيس، والقرار الفصل قد وُضع بين يديك، من يقول إن دعم المحروقات والكهرباء يذهب للأغنياء فقط وأنت تعلم أن هناك أسرًا كثيرة تعولها وتحميها من مذلة السؤال والانحراف مصادر دخل تعمل بهاتين السلعتين «الذهبيتين»؟؟ من يقول بأن الاقتصاد السوداني فقير وبلادنا تمتلك من الثروات الصناعية والتعدينية هذا غير الزراعية ما يظل يقاتلنا عليها العالم من أقصاه الى أقصاه ولكن.. ألا توافقني أنه عجز القادرين على التمام !! إن ما يحتاج إليه إقتصادنا هو عقول منفتحة تستطيع أن تصنع المستحيل وكل المواد الخام هي تحت الطلب فقط... إن أردنا ذلك.