{ خرج الثعلب ذات ليلة يتضور جوعاً، وهو في بحثه الدؤوب عن فريسة، أبصر توراً سميناً يقاوم بركة من الماء الضحل دفعه حظه السيء إلى الخوض فيها لكنه عجز عن الخروج منها. استبشر الثعلب خيراً في البدء، لكنه نظر فإذا البركة عميقة وواسعة وضحلة والثور المغري يتوسطها.. وهو طبعاً حسب ضعف بنيانه الجسماني لا يستطيع أن ينقض على الثور أو يقاومه دعك من استحالة اجتياز البركة. فالثعلب لا يملك إلا الذكاء والحيلة. ففكر في أصدقائه من الحيوانات التي تملك من القوة ما يمكنها افتراس ذلك الثور القوي السمين. لكنه أدرك بذكائه أن الأسد قد يظلمه في القسمة واستعرض كل الحيوانات فاهتدى أخيراً لصديقته الضبعة فذهب إليها ووجدها نائمة لا تكاد تقوى على الوقوف من الجوع. فلما أخبرها بالخبر المفرح نهضت من مرقدها إلى حيث وصف لها البركة وتركته يلهث من خلفها يرجوها التوقف لوضع خطة محكمة أو رسم «خارطة طريق».. وقد درس الثعلب كل حوليات البركة ورسم الطريق الآمن والأقرب للانقضاض على الفريسة خصوصاً أن البركة من العوامل المساعدة.. كما أن هناك صخرة مرتفعة عالية توفر الأمان للضبعة إن استثمرتها لتصل مباشرة لسنام الثور وما أدراك ما سنامه وما أحلاه في تلك الليلة القارسة. لم يفلح الثعلب باللحاق بالضبعة.. فالجوع أحياناً بل غالب الظن أنه كافر.. فوصلت الضبعة للبركة في زمن قياسي.. أدركها الثعلب ووجدها تجوس حول الحوض وقلبها على ذلك «الدوف» السمين.. والثور المسكين أعيته الحيلة وخمدت قوته من كثرة المحاولات التي لم تزده إلا «تلكيكاً» في تلك البركة المشؤومة. ثم هو من جانب آخر نظر بعينين مستسلمتين فأدرك أن ذلك الثعلب اللعين قد استعان «بقوات أجنبية» ليبلغ مبتغاه وينال منه.. ورمق الضبعة من طرف خفي فوجدها جاسرة نشطة.. ذات أنياب وأظافر كانت كلما ظنت أنها اقتربت من مكان مناسب محاولة القفز فيقفز معها قلب الثور المستسلم. والثعلب يصيح محاولاً أن يُهدي من «شفقة» الضبعة وتسرعها وإندفاعها وهوجتها دون جدوى فهو الذي بذكائه يملك خطة جهنمية قبل أن يهتدي لهذا المغنم رهط آخر من الفوارس. فشل الثعلب فوقف في مكانه عند سطح الصخرة يترقب. حاولت الضبعة أن تعوم لتدرك أو تنال حتى من ذنب الثور ولكن دون جدوى. والثور الأسير ينظر إليها من طرف خفي شامتاً فرحاً. ثم حاولت وحاولت وحاولت ولم تزدها أي محاولة إلا رسوخاً في الطين شأن سابق عهدها الثور ثم استسلمت الضبعة كما فعل الثور. ولم يبق لها إلا العينان تنظران لحظها العاثر ومصيرها المجهول!! لقد طاش عقلها فما عادت تفكر في الجوع أصبحت تحلم بالحياة وتتمنى الخلاص. وأخيراً نظرت للثعلب نظرة كلها اتهامات وحقد وقالت: والله حكاية عجيبة. فأجابها الثعلب المكار: الحكاية ما اسع.. الحكاية لمن يجي سيد الثور ويلقاك يا بليده معاهو في بركة واحدة.. حينها يتهمك بأنك السبب. ويغطس رأسك الغليد الغبي ده في الطين!!