لعلها صادفت لحظة استجابة تلك الدعوات بالمغفرة التي هَمْهَم بها الحضور بقاعة الشهيد الزبير الرئيسية والذين لم يستطيعوا حبس دميعات انهمرن على الخدود عندما أعلن الأمين العام لمجلس الصحافة العبيد مروح الزميلة بصحيفة السوداني الراحلة فاطمة خوجلي ضمن الفائزين بجائزة التفوق الصحفي لعام «2012» التي لحقت بصديقتها وشريكتها في القدر نادية مختار إلى الدار الآخرة وربما كان في حكم ذلك القدر «عزاء» لمن لم تكن الجائزة «مقدرة». وعودة لموضوع هذه المادة فقد ظهر مبدأ التحفيز في الولاياتالمتحدة عام 1918 كأعظم جائزة يتنافس فيها الصحفيون المهنيون ثم ظهرت جائزة مصطفى أمين وجائزة دبي للصحافة في البلاد العربية. فقد أُجيز مشروع الجائزة عام 1994 كمبادرة من مجلس الصحافة والمطبوعات وسميت الجوائز بأسماء رواد الصحافة والمؤثرين فيها وتمنح سنويًا بعد تجديد معاييرها وتهدف لتشجيع الصحفيين في الصحافة الورقية على الإبداع في ظل التأثيرات المباشرة للإعلام الجديد، إبراز دور الصحفيين في خلق المعرفة لدى القراء وتسجيع التنافس الإيجابي للارتقاء بالمهنة. اللجنة لاحظت حسب رئيسها الكاتب الصحفي بصحيفة الخرطوم الدكتور فضل الله محمد ضعفًا نسبيًا في التقديم للجوائز وإحجامًا عن التقديم للكاركتير والأداء الثقافي، ومن الملاحظات المحبطة للصحافيين ملاحظة أخرى أبدتها اللجنة بأن معظم الأعمال المقدمة لا ترقى للمعايير المحددة وأوصت بمعالجة الخلل بتسليط مزيد من الأضواء على المعايير مستقبلاً والاهتمام بالتدريب العملي، وإن اتفق الصحفيون مع اللجنة في ملاحظتها حول في ضعف الجهد البحثي في الصحافة الاستقصائية إلا أن تساؤلاً يبرز حول ماهية الوسائل التوضيحية ووسائل الإبراز والتأثير فيما عدا الصورة أو القدرة على صياغة المادة بطريقة جاذبة، وبخصوص الأخير فإنه يجدر أن يكون شرطًا لقبول الصحفي ضمن «إصطاف» أي صحيفة وليس كمتنافس على جائزة ما. أمران أثارا عدة تساؤلات ويجدر بمجلس الصحافة النظر فيهما مستقبلاً أولهما أن لجنة الجائزة لم تحز اتفاقًا من قبل الصحفيين إذ شكلت من كتاب أعمدة أو أكادميين، ويرى الصحفيون مع تقديرهم الكبير لأعضائها وأنهم قد يكونون مفيدين في تصحيح امتحانات الإعلام بالجامعات إلا أنهم ليسوا من يقيم الأداء الصحفي بمختلف أشكاله خاصة في ظل الملاحظات آنفة الذكر حول تقييم الأعمال المقدمة ووصفها بالضعف، وكان أجدى لو اختيروا من بين رؤساء أو مديري تحرير الصحف وتضم اللجنة الكاتب الصحفي الدكتور فضل الله محمد رئيسًا، والدكتور أبوبكر وزيري نائبًا للرئيس وعضوية كل من د. النجيب آدم قمر الدين، وبروفيسير مختار عثمان، ود. فتح الرحمن محجوب، ود. منال إلياس، والأستاذ محمد عثمان مصطفى، ود. عادل محجوب والأستاذ صديق عمر نورين عضوًا ومقررًا والمعز محمد يس نائبًا للمقرر. الأمر الثاني الذي أثار التساؤلات هو فوز «5» صحفيين من الزميلة «السوداني» بجوائز، ولم يشكك الزملاء في مقدرات الفائزين ولكنهم تساءلوا: «مثلما اشترطت معايير الجائزة تقديم عمل صحفي واحد لكل متنافس لماذا لم تحدد فائزًا واحدًا من كل صحيفة من الصحف المتقدمة لتحقيق العدالة ولتتشارك جميعها الفرحة؟ الملاحظتان طرحناهما أولاً على الأمين العام لمجلس الصحافة العبيد مروح فأجاب عن الأول بقوله: «ليسوا كلهم أكاديميون فمن بينهم ممارسون لأكثر من 30 عامًا مثل النجيب آدم ومحمد عثمان مصطفى دبايوا وأبوبكر وزيري وفتح الرحمن محجوب وفضل الله نفسه محارب إضافة لأكاديميين مثل منال وعادل، ويتم تقييم المواد وفقًا للمعايير التي اعتُمدت للجائزة» وبخصوص السؤال الثاني فسر مروح فوز «5» من السوداني وليس بالضرورة أن يكون صحيحًا أن الصحيفة حرصت على أن يقدم كل منسوبيها واختارت أفضل الأعمال لتنافس بها وقال إن الصحفيين متنقلون وقد يقدم الصحفي من صحيفة ثم ينتقل إلى أخرى يعلن فيها فائزًا، واعتبر مروح الملاحظات التي أبدتها الإنتباهة «مشروعة» ويمكن أن تخضع للدراسة والاستفادة منها مستقبلاً فأي نقد إيجابي أو سلبي يصب في جودة وتطوير الجائزة. طرحنا ذات الملاحظتين على رئيس اللجنة د. فضل الله محمد فأجاب عن الأولى كالآتي: «اللجنة كُونت بطريقة متوازنة فيها صحفيون وأساتذة إعلام وأنا لم أبدأ ككاتب عمود زي صحفيين اليومين ديل بل بدأت من الأخبار..» وفيما يتعلق بالفائزين قال إن الأسماء تحجب من إستمارات التقديم وتقييم الأعمال وفق معايير الجائزة ولم يتضح لهم أن «5» من السوداني إلا بعد ظهور النتيجة النهائية والتفسير أن الصحيفة اهتمت بتقديم منسوبيها». المناسبة كانت بمثابة تدشين لمهام وزير الدولة بالإعلام ياسر موسى الذي أكد أن دعم الوزراة للجائزة يعبِّر عن حسن رعاية الدولة للصحافة باعتبارها منفذًا لها في أدوارها الوطنية، وأكد اتجاه الدولة في «2014» لتمكين الصحافة من الحصول على المعلومة بالقانون عبر تشريعات ستجاز قريبًا، وقال إن المرحلة القادمة ستشهد تحديات أبرزها الاتفاق على الدستور والانتخابات واستكمال بناء النهضة، ووعد بأن يتم تجاوز كل الإشكالات القائمة بين الدولة وأجهزة الإعلام. الإحباط الذي أحدثه تقرير لجنة الجائزة في نفوس الصحفيين كانت كلمات رئيس المجلس بروفيسير علي شمو بمثابة البلسم له وهي تشيد بالصحافة السودانية وعمق تأثيرها وخروجها من التقليدية ومنافستها للصحافة العالمية خاصة في مجال التحقيقات. بقي أن نختم تقريرنا بأسماء الفائزين وهم عبد القادر باكاش «السوداني»، ياسر عبد الله «السوداني »، الراحلة فاطمة خوجلي «السوداني»، ياسر الكردي «السوداني»، وجدان طلحة «السوداني»، صديق دلاي «المجهر»، غادة عبد الحميد «الأسواق»، أمين حميدة جانو «آخر لحظة».