كثيرًا ما تردد على لسان المسؤولين بالدولة عن وضع ضوابط لضبط وترشيد الإنفاق العام، ووضع التنمية ضمن الأولويات إلا أن تلك التصريحات لم تجد العناية الكافية بهدف تطبيقها وإنزالها على أرض الواقع، ويظهر ذلك من خلال الواقع الاقتصادي المعاش بالدولة والذي يمكن وصفه بالمتردي، وبعث وزير المالية بدر الدين محمود ببعض التطمينات أن موازنة العام «2014» تستهدف ضبط وترشيد الإنفاق العام وترتيب أولويات التنمية والالتزام بقانون الشراء والتعاقد ومراجعة النظم المحاسبية ووضع ضوابط لمنع التجنيب، وأثار حديث الوزير ردود أفعال الاقتصاديين ووصفوا حديث الوزير بأنه ليس بالجديد مشيرين بضرورة تطبيقة بالصورة المطلوبة وألاّ يكون حبر على ورق، واتفق عدد من الخبراء استطلعتهم «الإنتباهة» على ضرورة التزام الدولة بتطبيق تلك السياسات حتى تسهم في تحقيق الهدف المطلوب، ووصف الخبير الاقتصادي عبد الله الرمادي تصريحات وزير المالية بشأن ترتيب الأولويات التنموية من خلال وضع ضوابط واضحة لمنع تجنيب الإيرادات والالتزام بترشيد الإنفاق وصفها بأنها خطوة مهمة في ظل الوضع الحالي وشح الموارد كما أصبحت أوعية الموارد ضيقة نتيجة الأخطاء التي وقعت فيها السياسات الاقتصلدية خلال السنوات الماضية ولفت الرمادي في حديثة ل «الإنتباهة» أمس إذا لم يتم معالجة الأخطاء فإن الحال يظل كما هو مشيرًا إلى أن هنالك بعضاً من التنفيذيين من الوزارات وغيرها لديهم نفوذ أقوى من وزير المالية أصبحوا يتجاسرون على وزارة المالية وينتزعون جزءاً من الإيرادات التي توفرها وزاراتهم أومصالحهم، الأمر الذي حرم الخزينة العامة من جزء كبير من إيراداتها التي كان ينبغي أن تصب فيها، وانتقد تلك التصرفات لجهة أنها ليست لديها مبررات خاصة وأنها ممارسات خاطئة استمرت واستفحلت وهذا ما عرف بالتجنيب، وأشار إلى أن كثيراً من دول العالم تجعل قوامة المال العام في يد المالية ليتسنى لها أن تحصي مالديها وبالتالي تصبح موازنتها وفق إيرادات متوفره، وإذا تم خصم جزء من تلك الإيرادات أصبحت يدها مغلولة من أنها توفر الخدمات والصرف المنوط بها، وأضاف يجب أن نشد على يد وزير المالية لكي يسخر كل إصلاحاته بكل قوة حتى ينتزع حق وزارة المالية من أي متفلت، وقال هنالك ترهل كبير في الدولة في شكل الحكم الفيدرالي، وأضاف هذا يحتاج إلى زمن وإجراءات قانونية لتغيير فقرات الدستور حتى تلملم أطراف الحكم وهذا في المدى المتوسط، أما المدى القصير فهنالك إجراءات فورية يجب أن تتبعها الدولة لضبط الصرف الجاري والاستغناء عن كل المظاهر والترف المبالغ فيه على حد قوله من قبل بعض الوزارات، ودعا إلى ضرورة وقف التوسع في الأثاثات والمباني والتعينات غير الضرورية، وطالب بمعالجة أمر زيادة مواعين الإيرادات كماً ونوعاً والتخلي عن المفهوم الخاطىء أن الشركات الحكومية فاشلة موضحاً أهمية أقامة شركات حكومية ذات عائد وربحية عالية لكي ترفد الخزينة العامة بإيرادات معتبرة، وأضاف مثالاً لذلك «هيئة الموانئ البحرية، ومشروع الجزيرة، والخطوط الجوية السودانية، والسكة حديد» وكثير من المرافق تدار من قبل الحكومة بكفاءة عالية إذا أحسنَّا اختيار الإدارات لتلك الشركات، وقد كان فشلها في السابق بسبب وضع عديمي الكفاءة على رأس تلك المرافق، ولدينا مثال في إِمارة دبي فإن نسبة إيراداتها من النفط والمساهمة في الناتج الإجمالي المحلي لا تتعدَ « 2%» بينما أكثرها يأتي بسبة « 98%» من مثل هذه الشركات المذكورة أعلاه، وأضاف أن هذه الشركات والفنادق والأبراج التجارية تمتلكها الدولة، متسائلاً هل هذا يعني أنها دولة اشتراكية؟ هذا لا يتعارض مع مبدأ الاقتصاد الحر، ويجب تغيير المفهوم الخاطىء عن الخصخصة ومفاهيم كثيره خاطئة. وأوضح الخبير الاقتصادي حسين القوني أن موجهات موازنة العام «2014» هي تعبير عن مشكلات الاقتصاد السوداني بجانب التأكيد على الاهتمام بهذه الجوانب، وتوقع أن تطبق وزارة المالية تلك السياسات مثل التجنيب مرجعاً الأسباب لوجود مخالفات من بعض الوزراء السابقين بالدولة، وقال إن الفرصة أصبحت مؤاتية لتحقيق تلك السياسات كترشيد الأداء حتى يحقق للميزانية الربط الأفضل وتقليل العجز. ومن جانبه وصف الخبير الاقتصادي أحمد مالك الحديث عن موجهات الموازنة ليس بالجديد مشيرًا أن الموازنات السابقة حملت نفس الترتيبات دون أن يرى لها وجود على أرض الواقع، مبيناً أن الوضع الاقتصادي والسياسي لم يشهد استقراراً طيلة السنوات الماضية مشيرًا لارتفاع التضخم والدولار والأسعار بصورة كبيرة في ظل غياب الرقابة على الأسواق، مضيفاً أن الموارد لم تشهد تنمية بل بالعكس هنالك تباطؤ والدليل على ذلك عدم وجود صادرات بجانب الوصول للاكتفاء الذاتي رغم توفر الموارد الطبيعية، وأرجع عدم تطبيق تلك السياسات لغياب الإدارة السياسية داعياً الدولة إلى الاتجاه لتصحيح المسار خاصة الاقتصادي لتفادي الوصول لمرحلة الانهيار الاقتصادي مع ضرورة تشديد ربط الفعل بالعمل حتى تؤتي الموجهات أكلها والنتائج المرجوة منها وتساءل ما هي السياسات الجديدة التي يمكن أن تؤدي للاستقرار؟ مضيفاً لا بد من البحث عن الأسباب التي تحول دون تنفيذ الموجهات العامة بالميزانيات مشددًا على ضرورة معالجة الانحرافات ومتابعتها مع دعم السياسات المتعلقة بزيادة الإنتاج والإنتاجية، ويأتي السؤال أين دور القطاع الزراعي في الإصلاح الضريبي ومحاربة البطالة والفقر؟ فهذه عناوين متعددة لقضية مركزية وهي ترسيخ سياسة الدولة بشكل يعود على المواطن لتحقيق العدالة الاجتماعية وحمايته من الضغوط الاقتصادية في ظل العولمة الرأس مالية، لذلك لا بد من حلول واضحة تساهم في وضع سياسات مالية خاصة القطاعات الإنتاجية ليكون أثرها واضحاً على الوضع الاجتماعي والاقتصادي بالبلاد.