قال الكاتب : (ففي مسجد الجرافة قُتل ما يقارب أربعين رجلاً يصلون بين يدي الله كل هذا من نتائج هذا التدين) قلتُ : هذه الجزئية من نماذج ممارسة (قلب) الحقائق التي سار عليها الكاتب فمسجد الجرافة هو مسجد للسلفيين وخطيبه ومؤذنه وكثير من المصلين فيه هم من السلفيين ، والذي ارتكب تلك (المجزرة) هو عباس الباقر وهو شخص تكفيري ، فإذا كان الكاتب يعلم هذه الحقيقة وأخفاها فهي طامة وإن كان يجهلها فتلك طامة أخرى ، ومن لا يفرق بين السلفيين والتكفيريين كمن لا يفرق بين التمرة والجمرة !! وسبب هجوم التكفيري عباس الباقر على المسجد هو تحذير السلفيين منه ومن منهجه وعقيدته ، وقد كتب أوراقاً نشرتها سابقاً ضمن سلسلة حلقات من أربعة مقالات بعنوان : (بين التكفيري عباس الباقر وآخرين) .. والخوارج والتكفيريون ظهروا والصحابة موجودين فلم يقدح ظهورهم في علم الصحابة ودعوتهم ونشرهم للخير .. فلا يضر السلفيين وجود وانتشار الفكر التكفيري المنحرف .. والحقيقة التي لا بد من التسليم لها هي أن السلفيين هم من يردون على التكفيريين ويناظرونهم ويناقشونهم بالحجج العلمية والبراهين والأدلة .. ونفع الله بجهودهم قال الكاتب : (أول نتائجه كل من دخل في الدعوة الوهابية لا بد أن يعتقد موت أبويه على الشرك فمن يعتقد آباءه قد ماتوا على الإسلام يستتاب فإن تاب وإلا ضرب عنقه وصار ماله فيئاً للمسلمين هذا فى كتاب الدرر السنية 10/143عمدة السلفيين) ، قلتُ : هلا أورد الكاتب نقولاً يثبت بها هذه الدعوى العجيبة !! ويكفي رداً في قوله هذا ما يراه أفراد مجتمعنا من أبنائهم وإخوانهم السلفيين من أنهم ليسوا كما وصفهم الكاتب في هذه التهمة .. فالسلفيون يعيشون في مجتمعنا ويتعاملون مع الناس بالحسنى هكذا عامتهم ومن شذ من الأفراد في أسلوبه فلا يغير ذلك من الأصل شيئاً .. قال الكاتب : (وأما المرحلة الوسطى للتدين بالسلفية فسب وشتم ورمي الناس بالشرك وكل خطبهم التي يتشدقون بها لا تعدو مما ذكروه عن في القبور والشرك والقباب والبدعة ونحو ذلك لا تعتني ببيان فريضة أو سنة فهذا ما يعلمه القراء ويشاهدونه في كل يوم). قلتُ : إن كان يزعج الكاتب تحذير السلفيين من الشرك والبدع فليبشر بدوام الإزعاج ، فإنهم لم يتركوا ذلك لأن هذا هو نهج القرآن والسنة التحذير من صرف العبادة لغير الله تعالى ، وبيان استحقاق الله الخالق وحده للعبادة ، وقول السلفيين هذا شرك وهذا بدعة هو نفسه أسلوب القرآن والسنة .. وأما القباب فقد بينت في الحلقة الماضية الأدلة على تحريم بنائها وتحريم البناء على القبور وتجصيصها .. وأما بيان الفرائض كالصلاة والزكاة وغيرهما فمساجد السلفيين تزخر بذلك ومعاهدهم وكلياتهم ببلادنا وخلاويهم يدرس فيها ذلك ، لكن حقد الكاتب الدفين على السلفيين أعماه عن رؤية الشمس وهي في وسط السماء .. قال الكاتب : (وأما لمزه وغمزه للصوفية فإنه لا يشينهم بشيء لأن الصوفية هم الذين نشروا الإسلام في هذا البلد منذ أكثر من خمسمائة سنة بل فى معظم بقاع العالم وهم الذين علموا الناس التوحيد والقرآن والسنة). قلتُ : ما أقوم به لا يسمى لمزاً وإنما هو (نقد علمي) فإني أعرض ما في الكتب الصوفية من النثر والنظم وأعرضه على كتاب الله تعالى وسنة نيه محمد عليه الصلاة والسلام ، ولي أشرطة منشورة في الشبكة الإلكترونية ومقالاتي بهذه الصحيفة وغيرها وما كتبته في الحلقات السابقة من هذه السلسلة يشهد بذلك ، فإنه لا يوجد غمز ولا لمز ولا افتراء ولا بهتان ولله الحمد ، وإنما عرض ونقد بوضوح وجلاء ، وهذه الطريقة هي التي تعلمناها من الكتاب الكريم وسنة النبي الأمين عليه الصلاة والسلام في رد المعتقدات والآراء والأفكار المخالفة للشرع. وأما قول الكاتب إن الصوفية هم الذين نشروا الإسلام في السودان ، فأؤكد أن الإسلام دخل السودان عن طريق صحابة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وفي ثوابت التأريخ أخبار دخول عبد الله بن أبي السرح إلى أرض السودان وتأسيس المسجد بمنطقة دنقلا العجوز ، وقد دخل التصوف أرض السودان في وسط القرن التاسع الهجري فدخلت الطريقة الشاذلية على يد الشريف حمد أبو دنانة ، ثم جاء تاج الدين البهاري في آخر القرن العاشر الهجري فأدخل الطريقة القادرية ، فهذه المعلومة مما يجب أن يصحح ، والصحابة كانوا على هدي النبي عليه الصلاة والسلام وطريقته في الدعوة إلى التوحيد والتحذير من الشرك والاستقامة على السنة النبوية .. وإن سلمنا بأي دور كان للصوفية أو لغيرهم فإن ذلك لا يكون مبرراً للصوفية أو لغيرهم لتبديل الشريعة ونشر الشرك والبدع والتعلق بالقبور ودعاء الموتى .. فالدين ما شرعه الله تعالى في كتابه وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم .. هذا هو مصدر إثبات العقائد والعبادات والأخلاق والأذكار ومصدر التحليل والتحريم.. والتوحيد هو إفراد الله تعالى وحده بالألوهية والربوبية وإثبات ما له من الأسماء والصفات ، فتصرف له العبادات وحده ولا يشرك به شيئاً .. فيدعى ويستعان ويستغاث به جل وعلا ، ويتوجه العبد إليه بدعائه وخضوعه وإنابته وتوكله .. وحده ولا يشرك به شئياً .. ومن يعلم عن أضرحة المتصوفة وكتبهم يعرف مدى موافقة أو مناقضة ما لديهم للتوحيد الذي خلق الله لأجله العبيد .. وقد حُكي لنا عن زوّار بعض الأضرحة قولهم : يا شيخ فلان نحن لا نفسّر وأنت لا تقصّر ، وأمثال ذلك كثير وقد أصبحت تلك المشاهد متاحة في فضاء الانترنت ومقاطع (اليوتيوب) ، وأما السنة التي ذكرها الكاتب فقد تقدم عرض بعض الأحاديث التي أوردها وتبين من خلال ما تم نقده .. أنها ما بين موضوع مكذوب وضعيف .. قال الكاتب : (وذكر الكاتب للشيخ البرعي والسيد البكري أبياتاً تَوَهَّمَ هو فيها الإطراء والغلو). قلتُ : ليس توهماً وإنما هي غلو ، وليت الكاتب علّق عليها حتى يدحض ما بينته فيها من الغلو .. علماً بأن أشعار البرعي ليس فيها الغلو في النبي عليه الصلاة والسلام فقط ، بل فيها الغلو في مشايخ السمانية ووالده وغيرهم ، وأضرب مثالاً لما قاله عن الشيخ أحمد البشير حيث قال فيه : : يحضر مريدو في النزع والقبير* للحجة يلقنو بأحسن التعبير* وليه يوانس في الوحدة والشبير! وقال في قصيدة باسمه عن أضرحة شيوخه : حملت ذنوباً كالجبال وإنني ***أتيت إليهم خائفاً أترقب ومرغت بالأعتاب خدي تذللاً***إذ الباب مفتوح لمن يك مذنب وقال في إعطاء المريد الوصفة التي يلتزمها عند شيخه أستاذك يافقير ***كون عندو ذليل حقير كون ليه قريب وجار*** له أخدم غير إجار كن ثابت عندهو*** لا تضحك عندهو في كربك أندهو*** بتغيثك جندهو سيب غيرو وليهو روح ***قبال تفنى وتروح سلّم لو وكن طروح كالجسد الما في روح ويقول عن والده : فللفتح والإرشاد أنت وسيلة *** كذا لقضا الحاجات أنت مجرب وقال عنه : وعلمه الكريم علم الحقيقة ***وعلم الغيب مع علم المعاهد وقال عنه : رئيس الكون شرقاً ثم غرباً *** حكيم الطب للداء المؤلم رقا بالسر في الملكوت أيضاً ***وفي الجبروت لا تنكر وسلم يرى بالغيب ما يخفى علينا ***ويسمع صيحة القاصي المكلم ألا يا من تريد الوصل شمر***وقف بالباب صامت لا تكلم وأدخل بالخضوع بغير كبر ***وعند مقامه أبرك وسلم لتحظى بالفيوضات العوالي***عياناً بعضها في النوم يحلم وقال عنه : يسبق ياء نداء الدركان ويحضر حين يجو الملكان فهذه نماذج مما لدي من مئات الأبيات التي تنضح غلواً وشركاً بالله تعالى ..مما يجب أن يحذر منه طالما طبع في كتب ونشر على أوسع نطاق في النشر .. وأواصل في الحلقة التالية إن شاء الله ..