اللقاء الذي قدمته قناة «الخرطوم» مع النّيل أبو قرون هو مادة احتوت على ضلالات ومجازفات خطيرة وفيها التعدي على الإسلام وفتوحاته وبعض أحكامه من الثوابت وفيه التعدي على جناب الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام وعلى القرآن الكريم ومن نقلوا الدين .. ومما تضمنته تلك الحلقة إنكار النيل أبو قرون «حد الردة» ورده للنصوص الشرعية الواردة في هذا الحكم الشرعي ، وهو من الأحكام التي فيها إجماع علماء المسلمين بناءً على النصوص الشرعية الواردة في ذلك. قال النيل : «لأنو أنا أصلاً ضد محاربة الفكر أصلاً» قال مقدم البرنامج : «إنت لا تعتقد أن الإنسان ممكن يحاكم في فكرو؟» فأجاب : «إطلاقاً...الفكر ما موضع محاكمة» قال المقدم : «ولا يوجد ما يعرف بحد الردة أو كذا؟» فأجاب : «قوله : وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» قال المقدم : «يعني لا يوجد ما يسمى بحد الردة ؟»فأجاب : «إطلاقاً» قال المقدم : «وحرية الفكر مكفولة؟» فأجاب : «حتى الحديث اللي بيقول «من بدّل دينه فاقتلوه» الحديث ده إذا كان مسيحي بدل دينو بقى مسلم يُقتل برضو..........» ثم قال : «بهذا النص نعم وبعدين الإسلام لم يأت نافياً لما سبقه من أديان بل جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً لا رافضاً أصلاً» قال المقدم : «يعني أنت لا ترى انو ممكن الإنسان أن يحاكم بالردة في أفكارو» ، فأجاب : «إطلاقاً» وختم هذه الجزئية بقوله : «أنا أرى نعم حرية الرأي هي متاحة للإنسان». قلتُ : وهكذا تضرب الأحكام الثابتة في الإسلام وتعارض بالأهواء ويقدّم ذلك عبر قناة فضائية ويغلف هذه المخالفات والضلالات مقدّم البرنامج بأنها «اجتهادات وآراء» و«وجهات نظر» !! وإن هذا من تقديم الأهواء على النصوص الشرعية ومن ردِّ النصوص الثابتة ، وهو مخالفة لإجماع علماء المسلمين ، والنّيّل أبو قرون ادّعى بفهم منكوس وفقه معكوس المعارضة بين نصوص الكتاب الكريم ونصوص السنة النبوية ليجد مبرراً لردّه الصريح لأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام فتارة يتكلم في أحاديث البخاري ومسلم وتارة يرد أحاديث مباشرة وتارة يشير إلى جمع السنة النبوية وغير ذلك من الشبهات المتهافتة التي ينشرها بعض الكفار من اليهود والنصارى وينشرها الشيعة الروافض للتشكيك في السنة النبوية المصدر الثاني للتشريع في الإسلام وحي الله الذي أوحاه للنبي عليه الصلاة والسلام .. فيدّعي هذا النّيّل الاكتفاء بظاهر القرآن وعلى ذلك سار في دعواه أن عبد الله بن أبي بن أبي سلول ليس منافقاً .. وذهب يفسر سورة عبس بجهالات وينكر حقائق ثابتة بنصوص واضحة ، وذلك للتشكيك في السنة النبوية الشريفة ، ومثل النّيّل أبو قرون في هذا كمن أخبر فيهم النبي عليه الصلاة والسلام بقوله : «ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن ، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه» رواه أبو داؤد والترمذي وابن ماجة وصححه الألباني ، فإن ما حرم رسول الله مثل ما حرّم الله ، وما أخبر به رسول الله فإنه مثل ما أخبر به الله جل في علاه ، وشرّف الله هذه الأمة بالإسناد فنقل القرآن الكريم بالسند ونقلت السنة النبوية بالسند في منهج علمي دقيق يعرفه من درس علم الحديث ومصطلحه وعلم الرجال والجرح والتعديل. مصيبة كبرى أن ينشر هذا النيل وأمثاله عبر قنوات فضائية جهالات تناقض ما جاء به رسول الله عليه الصلاة والسلام وما ثبت في دين الإسلام .. وهنا أسوق موجزاً في بيان حكم المرتد في الإسلام :عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن النبي قال: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ»رواه البخاري وغيره . وقد ثبت كذلك عن النبي كما في الصحيحين وغيرهما قوله : «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّاني، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ» ، وجاء هذا الحديث برواية أخرى: قال النبي : «لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: كُفْرٌ بَعْدَ إِيمَانٍ، وَزِنًا بَعْدَ إِحْصَانٍ، وقَتْلُ نَفْسٍ بِغَيْرِ نَفْسٍ» رواه الحاكم وأبو داؤد ،وجاء في حديث معاذ بن جبل عندما أرسله النبي إلى اليمن: «أيما رجل ارتد عن الإسلام فادعه فإن عاد وإلا فاضرب عنقه، وأيما امرأة ارتدت عن الإسلام فادعها فإن عادت وإلا فاضرب عنقها» رواه الطبراني وحسنه ابن حجر وفي كتاب «الإجماع» للإمام ابن المنذر رحمه الله تعالى أنه قال: «وأجمع أهل العلم على أن شهادة شاهدين يجب قبولهما على الارتداد، ويُقتل المرتد بشهادتهما إن لم يرجع إلى الإسلام». ومن المناسب الإشارة إلى حكم «الردة» وإثبات حد المرتد في «المذاهب الأربعة» .. في المذهب الحنفي كما في حاشية ابن عابدين قال: «من ارتد عرض عليه الحاكم الإسلام استحباباً على المذهب لبلوغه الدعوة ، وتُكشف شبهته بياناً لثمرة العرض ، ويُحبس وجوباً وقيل ندباً ثلاثة أيام يُعرض عليه الإسلام في كل يوم منها وإلا قتله من ساعته..» إلى أن قال: «فإن أسلم فبها وإلا قُتل لحديث: مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ». وأما المذهب المالكي فقد روى الإمام مالك في موطئه في كتاب «القضاء» باب: القضاء فيمن ارتد عن الإسلام ، روى رحمه الله حديث: «مَنْ غَيَّرَ دِينَهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَهُ». وقال الإمام مالك رحمه الله تعالى : «وَأَمَّا مَنْ خَرَجَ مِنَ الإِسْلاَمِ إِلَى غَيْرِهِ وَأَظْهَرَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُسْتَتَابُ فَإِنْ تَابَ وَإِلاَّ قُتِلَ». وأما حد الردة في المذهب الشافعي فقد ورد عن الإمام الشافعي نفسه رحمه الله أنه قال في كتابه «الأم» : «وحكم الله عز وجل فيمن لم يسلم من المشركين وما أباح جل ثناؤه من أموالهم، ثم حكم رسول الله في القتل بالكفر بعد الإيمان يشبه والله تعالى أعلم أن يكون إذا حقن الدم بالإيمان، ثم أباحه بالخروج منه أن يكون حكمه حكم الذي لم يزل كافراً محارباً وأكبر منه ...» إلى أن قال رحمه الله تعالى : «والمرتد به أكبر حكماً من الذي لم يزل مشركاً».وجاء في «روضة الطالبين» للإمام النووي الشافعي رحمه الله تعالى قوله: «في حكم الردة أحكامها كثيرة....» إلى أن قال: «أما نفسه فمهدرة فيجب قتله إن لم يتب ، سواءً انتقل إلى دين أهل كتاب أو لا، حراً كان أو عبداً». وأما الحنابلة فقد جاء في كتاب «الفروع» لابن مفلح رحمه الله تعالى قوله: «فمن ارتد مكلفاً مختاراً رجلاً أو امرأة دُعي واُستتيب ثلاثة أيام ، وينبغي أن يضيق عليه ويُحبس فإن أصر قُتل بسيف ، ولا يجوز أخذ فداء عنه ؛ لأن كفره أغلظ» انتهى كلامه. وقد أقام أئمة الإسلام في عهود سالفة حد الردة على المرتدين وعلى سبيل المثال لا الحصر : فقد قتل الحلّاج بإجماع علماء وفقهاء عصره ووقته لزندقته وادعائه الحلول في الله تعالى والعياذ بالله وما ترتب على ذلك من أعماله الشنيعة واعتقاداته القبيحة وقُتل محمد بن سعيد المصلوب وشاكر الذي كان رأساً في الزندقة والجعد بن درهم الذي أنكر تكليم الله لموسى واتخاذه إبراهيم خليلاً .. وغيرهم ممن لا يعدون ولا يحصون إلا بكلفة .. ونفس الحد هو الذي وفق الله إليه الرئيس الأسبق جعفر نميري رحمه الله وغفر له في قتل مدّعي الرسالة الثانية محمود محمد طه الذي نشر عقائد كفرية وجاء بدعاوى كاذبة وافترى على الله الكذب وجاء في أمر الرسالة والصلاة والزكاة وعقيدة الحلول وغيرها بشطحات شيطانية ، أشرت إلى بعضها في مقالي : «القاسم المشترك بين الشيوعية والفكرة الجمهورية» .. فإن حد الردة تشريع ثابت في دين الإسلام ، وأما قول النّيل : «حتى الحديث اللي بيقول «من بدّل دينه فاقتلوه» الحديث ده إذا كان مسيحي بدل دينو بقى مسلم يُقتل برضو..........». قلتُ : ليقف القارئ الكريم على أنموذج للفهم السقيم لدى هذا الشخص الجريء على نشر هذه الضلالات وسهُل عنده ردّ الحق وتغييره وتبديله وإنكاره .. فالدين في قول النبي عليه الصلاة والسلام هو دين الإسلام والنص الشرعي يفهم بالسياق وبالنصوص الثابتة الأخرى ، والتي منها أن الإسلام جاء ناسخاً للأديان السابقة وقد وقع فيها التحريف كما في اليهودية والنصرانية .. فالنيل يأتي بأمر باطل ليرد به الحديث الصحيح الثابت ويستعين لذلك بقوله : «وبعدين الإسلام لم يأت نافياً لما سبقه من أديان بل جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً لا رافضاً أصلاً» .. وهذه كلمة خبيثة ضالة منحرفة تناقض صريح القرآن وسنة النبي الكريم ورسالة الإسلام .. ومما يدل على بطلانها قول رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ ، إِلا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ» رواه مسلم. وأما قول الله تعالى : «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر» فهذا من التهديد وهو أسلوب قرآني في التهديد والتخويف ولا يعني إباحة أن يرتد المسلم عن دينه أو أنه لا توجد عقوبة دنيوية قبل عقوبة الآخرة .. فحكم الارتداد عن الدين وردت فيه نصوص ثابتة تلقتها الأمة بالقبول والإذعان .. وإن من المؤسف أن ينشر إعلامنا مثل هذه الأباطيل لإحداث مزيد من الزعزعة والبلبلة والفرقة وحالنا وحال بلادنا يوجب توبة صادقة واستسلام للشرع حتى نسلم ويسلم مجتمعنا في العاجل والآجل .. لا أن نزيد «الطِين بِلّة» .. ونتيح المجال لنشر مثل هذه الدعاوي التي تدعو لترك الشرع ونصوصه والإقبال على أهواء المُضلِين ..