تصاعد الجدل هذه الأيام بشأن غرب كردفان الولاية التي تمت تصفيتها وتذويبها في ولايتي شمال وجنوب كردفان بعد توقيع اتفاقية السلام الشامل في 2005م، حيث لم يبق بعد هذا الحراك والتسريبات والالتزامات المركزية بشأنها سوى صدور القرار والإعلان بعودتها.. لكن مع قرب توقيت عودتها اتسعت دائرة المتنازعين حولها وكيف تكون بنيتها الجغرافية والادارية الجديدة، حيث صارت كل فئة تستقوي وتتمسك برأيها ودفوعاتها. المعروف أن غرب كردفان القديمة كانت تضم ثماني محليات أربع في دار حمر، وأربع في دار المسيرية، وقد تكسرت فيها كل أنواع التميز العنصري والقبلي، لكن اتفاقية السلام المنتهي أجلها قد ذهبت بمحليات دار حمر الاربع الى (الأبيض)، فيما ذهبت بمحليات دار المسيرية الاربع الى (كادقلي)، كما أن قرار التذويب قد واجه اعتراضاً كبيراً خاصة في منطقة المسيرية التي تفاقمت فيها الاحتجاجات والأحداث، وقامت على إثر ذلك مجموعات وفصائل مسلحة تم احتواؤها لاحقاً، غير أن آثارها مازالت موجودة، فالنهود التي كانت تمثل ثقلاً اقتصادياً وسميت فيما بعد ب (العاصمة الاقتصادية) هي الآن دفعت بمطالب للمركز أجملت في المطالبة بولاية وعاصمتها النهود، مع بعض الخيارات المتضاربة غير المتفق عليها. والذي ظهر في السطح ربما يضعف قاعدة العمل المشترك المتينة التي عرفت بها الولاية سابقاً، ويعرض جدار هذه العلاقة للتآكل في المستقبل. المسافة ما بين «الحمر» و «المسيرية» قريبة جداً، والهدف بين المجموعتين السكانتين واحد وكبير، وأخشى أن يتسبب البعض في شغل الساحة ببعض النزاعات الصغيرة على نسق ما يصدر عن بعض النواب والسياسيين. إنه من الممكن الاتفاق على أجندة العودة ورسم خريطة جديدة تراجع سلبيات الماضي، لكن يجب عدم وضع الخيارات والاشتراطات أمام متخذي القرار.. والنهود تستحق أن تكون عاصمة لولاية جديدة. وحتى غرب كردفان نفسها تحمل كل صفات العاصمة، ومن حق المنطقة ان تطالب المركز بمنحها ولاية، لكن يجب أن يتم هذا بدون حدة رأى او وضع خيارات شخصية وفرضها على الآخرين. الآن دار حمر منقسمة حول القضية الى ثلاثة تيارات، التيار الأول يتزعمه الأمير عبد القادر منعم منصور والمجموعة الموالية له، وهؤلاء متمسكون بخيار ولاية جديدة وعاصمتها النهود، رافضين خيار البقاء مع الابيض دون ابداء خيار آخر، مما يفهم منه ضمنا عدم رفضهم العودة الى غرب كردفان حال فشل التصديق بولاية دار حمر، لكن يجب عودة غرب كردفان بأسس ومعايير جديدة تراعي إشكالات واختلالات الماضي. المجموعة الثانية يقودها «أبو كلابيش» و «إبراهيم تمساح»، وهذه سارعت بقطع الطريق أمام أية محاولة للعودة إلى غرب كردفان، فقد طرحت هذه المجموعة خيارين، إما ولاية عاصمتها النهود أو البقاء في شمال كردفان، وهذا التيار تغلب عليه مجموعة ابناء دار حمر المقيمين في مدينة الابيض، وكذلك ابناء الخوى، وذلك لارتباط هؤلاء الوجداني والمصلحي بالابيض (المدينة او السوق).. وهؤلاء أكثرهم مقيم أصلاً في أحياء الأبيض الراقية، منهم الذين يحركون ما يسمى اتحاد دار حمر بالابيض، ويفرضون عليه الضغوط ودفعه في اتجاه الممانعة باسم القبيلة، غير آبهين بأنهم يتحدثون باسم منطقة ممتدة حتى حدود دارفور، وليس هناك من بينهم من يمثل تفويضاً كاملاً ليقرر مصير هؤلاء، ولا يوجد حتى توافق مع النخب من أبناء (حمر)، لذا لم يتوانَ البعض الآخر في مواجهة خيار هؤلاء باعتباره خيار أبناء الخوى والأبيض.. وهذا التيار الثالث يتزعمه النواب برئاسة سالم الصافي عن دائرة النهود، وعلي الشرتاي عن دائرة أبو زبد، وآخرون من نخب ومثقفين وتشريعيين من أبناء النهود، أبو زبد، غبيش، وود بندة ويتفقون على أن الخيار للقاعدة الجماهيرية أو من يمثلها من نواب البرلمان في المركز والولاية، كما أن متخذ القرار يمتلك الحق في المفاضلة ما بين كل هذه الخيارات. وتجدني اتفق مع خيار وحدة (دار حمر) في تبعيتها دون تجزئتها على أى اساس، لكن ليس هناك من الاشخاص من يمتلك حق التفويض ليقرر مصير الآخرين، ويقترح خياراتهم ويهدد ويقول هذا خط أحمر وهذا خط أسود. والشق الآخر في المعادلة (دار المسيرية) لا تظنونه معافى وعلى قلب رجل واحد، ففيه ايضا جملة نزاعات خاصة بشأن عودة غرب كردفان، فهم الآن منقسمون حول العاصمة ما بين أن تعود للفولة كما كانت أو تذهب إلى مدينة بابنوسة وهي المدينة التي رسا عليها رأي الأغلبية، بجانب نزاعات أخرى مسكوت عنها، لكنهم أجلوها وتوحدوا خلف عودة غرب كردفان. بعد البترول هناك تكافؤ اقتصادي ما بين شقي الولاية الجنوبي والغربي، وليس هناك ما يبعث الخوف بخلاف شمال كردفان التي تبدو 80% من أراضيها صحراء ومواردها شحيحة وترتكز على ما يأتيها من غربها والمركز، فالافضل للنهود ان «تفرز عيشتها» او تذهب إلى الفولة بشروطها، خاصة أن الناظر يلمح أن الشق الجنوبي لغرب كردفان قد تمددت فيه التنمية خلال الفترة الماضية، ويتوقع أن تجد غبيش وود بندة وصقع الجميل نصيباً من التنمية والخدمات في غرب كردفان في نسختها الثانية، وهذا يضاف إلى أن حجم المشاركة التنفيذية والسياسية سوف يصبح أكبر مما هو عليه الآن. وعودة غرب كردفان سوف تعجل بحل هيئة غرب كردفان للتنمية والخدمات، وسوف تذهب كل الأموال مجهولة المصير إلى حيث مقاصدها ومشاريعها، وسوف يتفكك هذا الهيكل الذي كثر الحديث بشأنه، فهيئة غرب كردفان أنشئت بموجب أمر تأسيس صادر عن مجلس الوزراء لتصبح مؤسسة اسناد تنموي، فقد بدأت بشكل مشرق، لكنها تراجعت بصورة مريعة، وباتت محل حديث وسؤال حتى دا خل المجلس الوطني.. ومجلس إدارة هذه الهيئة ظل ميتاً محنطاً، واستقال رئيسه السابق الوزير إبراهيم منعم منصور، لكن أعضاءه ظلوا بثقلهم الممل، فلم تغيرهم الظروف وتغيروا هم، وسوف نمضى في هذا الملف إن مد الله في الآجال.