كما هو معلوم، فقد وجه رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير أعضاء الجهاز التنفيذي الجدد «بالسلطة الإقليمية لدارفور» بضرورة الدفع بجهود إنفاذ وثيقة الدوحة للسلام وصولاً إلى نهاياتها وذلك التوجيه تعبير عن تمسك الحكومة السودانية باتفاقية الدوحة لسلام دارفور.. ولأجل تنفيذ هذا الاتفاق وجه الرئيس البشير الأعضاء الجدد بالسلطة الانتقالية بالعمل صفاً واحداً مع ولاة دارفور حتى تكون كل الأطراف الحكومية منصهرة في الاتفاق وعامله على نجاحه على قلب رجل واحد وهذا الجانب المتمثل في العمل الجماعي بين السلطة الانتقالية وحكومات الولايات مما تحتاجه المرحلة الحالية في دارفور، وقد غاب طويلاً لأسباب كثيرة لا يسع المجال لذكرها في هذه السانحة... نجد في مقابل هذا الالتزام باتفاق الدوحة دعوة لمنبر آخر غير منبر الدوحة، وهذه الدعوة كشفت عنها حركة العدل والمساواة على لسان أحد قادة الحركة وهو أحمد تقد الذي صرح لصحيفة «السوداني» بتاريخ 10 مايو 2014م بأن هناك مشاورات بين الحركات المسلحة في دارفور والمجتمع الدولي لإيجاد منبر ووسيط جديدين لحل أزمة دارفور بديلاً لمنبر الدوحة.. وقالت العدل والمساواة على لسان الناطق باسم التفاوض إنه من ضمن الخيارات المطروحة بديلاً للدوحة العاصمة الإثيوبية أديس أبابا، وأن الأمر لم يحسم بعد... وقالت حركة العدل والمساواة إن اتفاق الدوحة فشل في تحقيق السلام في دارفور ولم يعالج القضايا الأساسية بل استوعب أشخاصاً في وظائف، وأن العدل والمساواة لن تذهب إلي الدوحة مرة أخرى. وهذه التصريحات والمواقف المتباينة تعني أن مشكلة دارفور قد دخلت في مأزق جديد وهو مأزق المنابر، حيث تتمسك الحكومة بالدوحة وتقول الحركات المسلحة إنها اتفقت مع المجتمع الدولي على منبر آخر غير الدوحة وكأن هذا المجتمع الدولي بعيد عن الدوحة ولم يكن الداعم الأساسي لوثيقة الدوحة التي جاءت نتيجة لاتفاق ما عرف بأصحاب المصلحة وشاركت فيه الأممالمتحدة وجامعة الدول العربية والاتحاد الإفريقي ... فما هو الجديد حتى تقول الولاياتالمتحدةالأمريكية إنها أخطرت الحكومة السودانية بأن اتفاقية الدوحة قد ماتت، وتقول حركة العدل والمساواة إنها اتفقت مع المجتمع الدولي على بديل للدوحة، فهل صارت مشكلة دارفور ورقة للمساومات في الصراعات الإقليمية، وهل لتصريحات العدل والمساواة صلة بالخلافات بين دولة قطر ومصر بناءً على ما صارت عليه العلاقات القطرية المصرية بعد الانقلاب العسكري واتهام نظام السيسي لقطر بدعم الشرعية في مصر. وهل تريد هذه القوى الإقليمية المتاجرة والمزايدة بمشكلة دارفور كما فعل العقيد معمر القذافي من قبل وجعل من دارفور كرته الرابح في مواجهة منافسيه على زعامة العالم العربي وقيادة إفريقيا، حيث نصب نفسه ملكاً لملوك إفريقيا؟ وإذا كان اتفاق الدوحة قد فشل كما زعمت العدل والمساواة، فإن الحركات التي تحمل السلاح في دارفور تتحمل المسؤولية لفشل اتفاق الدوحة لرفضها التوقيع على الاتفاق أولاً.. وثانياً: واصلت هذه الحركات الحرب في دارفور مما عطل جهود التنمية وعودة النازحين لقراهم وتعويض المتضررين من جراء الحرب، وهذا كله مما نص عليه اتفاق الدوحة وأكدت عليه دولة قطر .. وفي مقارنة بسيطة بين ما قدمته دولة قطر لأهل دارفور«عبر هذا الاتفاق» وما وجدوه في دولة جنوب السودان مثلاً «من كل من الجيش الشعبي وقوات التمرد بقيادة رياك مشار»، فإن ذلك كاف لمعرفة البون الشاسع بين من يهبك الخير والنماء مثل قطر ومن ينثر عليك حبائل الموت الأحمر مثل جنوب السودان!! القضية في دارفور ليست قضية منابر بحيث تعقد مباحثات في الدوحة أو أديس أبابا أو لندن، ولكن المشكلة في الالتزام بالاتفاقيات والنية الصادقة في تحقيق السلام على أرض الواقع، وهذا الجانب غير متوافر للأسف لا عند الحكومة ولا عند الحركات المسلحة، وإلا ما بقيت مشكلة دارفور تنتقل من عاصمة إلى أخرى منذ إنجمينا وأبوجا وطرابلس والدوحة وهي بلا حل إلى يومنا هذا. وما يؤسف له أن تخرج هذه التصريحات من حركة العدل والمساواة في الوقت الذي تتجه فيه البلاد إلى الحوار الوطني ومن بين أهداف الحوار الوطني وقف الحرب وتحقيق السلام. فهل أصبحت العدل والمساواة تغرد خارج السرب أم أن هذه الحركة فقدت البوصلة ولم تعد تمتلك القدرة على التفكير الإستراتيجي السليم.. وإذا كانت الدوحة لم تعد تصلح منبراً للحوار فإن البديل هو الحوار من الداخل، وقد أصدر رئيس الجمهورية العفو عن كل حملة السلاح حتى يتمكنوا من الحضور والمشاركة في الحوار من الداخل وعلى الرغم من هذا القرار وما بذلته كثير من القوى السياسية لإنجاح الحوار لم نسمع أن حركة من الحركات المسلحة قد عبرت عن التزامها بهذا الحوار أو تعزيزه، كأن تعلن وقف إطلاق النار من جانب واحد أو ترسل أحد قادتها الموجودين في الخارج للتفاهم مع القوى السياسية الأخرى على الحوار ومتطلباته، ولكننا نسمع كل يوم عملاً تصعيدياً والتصريحات التي من شأنها إعادة مشكلة دارفور إلى المربع الأول للمشكلة. وإذا كانت المشكلة ليست في العواصم والمنابر فإن الوسيط الوحيد الباقي في النزاعات والحروب هو الشعب السوداني الذي صبر على الحرب وهو اليوم يتطلع إلى سلام عادل ودائم، فهو خير وسيط وخير حكم بين المتخاصمين من أبناء السودان..