شهدت ولاية الجزيرة شداً وجذباً وصراعات حادة بين الشلليات ومراكز القوى حول مواقع السلطة وجاهها مع الإنشغال بمعارك إنصرافية هامشية لا ناقة للمواطنين فيها ولا جمل. وليست لي علاقة شخصية بالوالي السابق ولم أجلس معه ولو لمدة دقيقة واحدة في يوم من الأيام ولكني صادفته وصافحته مصافحة عابرة مرة في مناسبة عرس ومرة أخرى في مأتم، والشريعة لها بالظاهر ولم تحم حول الوالي السابق شبهات فساد مالي أو أخلاقي ولكن توجيهه السريع لاتهامات معممة ضد من وصفهم بالفاسدين بلا تحديد قبل أن يتمهل في كرسيه عند تعيينه مع دخوله في مواجهات مع آخرين أدى لتفجير معارك كثيرة في غير معترك لأن مثل تلك المواجهات تحتاج لتثبت ووقوف على أرض صلبة وأدت الصراعات الحادة بين المجموعات المتنافسة لصرف المواطنين عن همومهم الحقيقية وقضاياهم الفعلية حتى أضحت الأمور في أيامها الأخيرة تسير كمركب على الله وساد الهرج والمرج. وفي ظل تلك الأجواء المائجة يصعب تقييم الأمور تقييماً موضوعياً للوقوف على الإيجابيات والإنجازات إن وجدت والوقوف عند السلبيات والإخفاقات لتجنبها مع السعي لإصلاح وتقويم كل معوج. والمهم إن تلك الصفحة قد إنطوت ونرجو أن تطوى معها وتقبر ممارسة سيئة إذ ظل البعض يتوددون ويتقربون زلفى لكل والِ جديد بذم سلفه وتكررت هذه العادة الذميمة مع عدد من الولاة الذين تعاقبوا على هذه الولاية ونرجو أن ينهي الوالي الجديد هذه العادة السيئة ومثل هذه البطانات التي تحاول احتضان كل والِ جديد ضررها أكثر من نفعها. وإن الوالي المعين هو والي مكلف لأمد محدود لا يزيد عن العام إن لم ينقص لأن انتخابات الوالي والمجلس التشريعي بالولاية ستبدأ في شهر أبريل من العام القادم 2015م، ونرجو أن ينصرف الوالي المكلف وحكومته الجديدة للعمل والإنتاج ليتركوا بصماتهم ويكونوا مقنعين للمواطنين وعلى الأقل إن عليهم إقامة أساس راسخ متين لحكم راشد وفق منهج قويم تكثر فيه الأفعال وتقل الأقوال ويرى فيه الناس طحيناً ولا يسمعوا جعجعة ولغواً وقد شبع المواطنون من الكلام الكثير حتى التخمة. وإن دكتور محمد يوسف علي الوالي المكلف لولاية الجزيرة كان وزيراً للمالية في ذات الولاية قبل سنوات خلت في عهد واليها السابق بروفيسور الزبير وعمل لفترة وزيراً للمالية بولاية الخرطوم في عهد واليها الحالي دكتور الخضر ومن بين أسباب اختلافه مع الواليين هو رفضه إعلان تبرعات عشوائية في لحظات حماس في اللقاءات الجماهيرية الحاشدة دون تنسيق مسبق مع وزير المالية ودون التأكد من وجود المال المتبرع به في خزينة الولاية مما يؤدي لاضطراب في الميزانية، وكانت من بين أسباب إعفائه من موقع الأمين العام لديوان الزكاة بطريقة ناعمة وتعيينه في موقع وزير دولة بالمالية رغم أنه لم يمض وقتاً طويلاً بديوان الزكاة هو رفضه لأي إملاءات أو تمرير أية قصاصات ترد إليه بالتصديق على تبرعات أو الصرف على أي مناشط خارج المصارف الشرعية، وتبعاً لذلك فالمؤكد أنه سيكون صارماً في ترشيد الصرف المالي بالولاية وعادلاً في بسط الخدمات والتنمية بالقسطاط وتبعاً لذلك يتوقع ألا يسمح لأية جهة غير رسمية أن ترضع بغير وجه حق من ثدي الدولة ومن مالها العام. إن أولى واجبات الحكومة الجديدة إحياء اللجان الشعبية القاعدية وإيقاظها من سباتها العميق وإعادتها لسابق حيويتها وعهدها القديم لتقوم بأدوارها الخدمية التي كانت تؤديها قبل أن تحول للجان تعبوية تنشط في مواسم الانتخابات أو عند الحاجة إليها لتسهم في تكبير عدد المحتشدين في الكرنفالات السياسية وعند استقبال كبار الدستوريين وغيرهم من المسؤولين. والمطلوب من الحكومة الولائية ضخ الدماء والحيوية في شرايين الوحدات الإدارية التي تكلست وضعفت وأضحت أكبر إنجازاتها عند تصريف مهامها هو جمع الرسوم والعشور والقطعان والأتاوات ومطاردة البائعين وصارت وحدات للجباية، ونرجو أن تعود لسابق عهدها بسلطات حقيقية تربطها بقضايا المواطنين الفعلية وخدماتهم وتنميتهم المحلية. ونأمل أن تملأ الحكومة الفراغ الذي أحدثه حل المجالس التشريعية للمحليات التي أمضت أكثر من عشرة أعوام متصلة بلا انقطاع قبل حلها ونأمل أن تجرى انتخابات حرة ونزيهة لتكوين المجالس التشريعية في كل محليات الولاية. وقد أعلن الوالي المكلف تشكيل حكومته التي تضم تسعة وزراء ولائيين وأحد عشر معتمداً وثلاثة مستشارين وعددهم الكلي ثلاثة وعشرون دستورياً وهو عدد كبير فيه ترهل ومن الواضح أن الترضيات والتوازنات قد فرضت نفسها، وكان بالإمكان دمج عدد من الوزارات في وزارة واحدة وليس هناك داع لإقامة وزارة منفصلة للبيئة وكان يمكن أن تدمج مع الصحة لتكون وزارة الصحة والبيئة وعلى ذلك قس بقية الوزارات التي يمكن أن تدمج. أما المعتمدون فكان يكفي تعيين معتمد لكل محلية من المحليات السبع القائمة أما تعيين عدد من المعتمدين برئاسة الولاية فلا يعدو أن يكون زيادة عدد بلا حاجة ضرورية وينسحب هذا القول على المستشارين ويفترض أن تعهد الإستشارة للفنيين والمتخصصين عند الضرورة الملحة دون حاجة للتفرغ. وفي كل الأحوال نأمل أن تكون المحصلة النهائية فيها قدر من الإنجازات المحسوسة الملموسة في كل المجالات في نهاية عام التكليف. ونأمل أن يرتبط عهد دكتور محمد يوسف بإنجاز كبير مثل توسيع شارع الخرطوم مدني بتقديم طلب استثنائي لرئاسة الجمهورية وللحكومة الاتحادية لتسهم بالقدح المعلى في هذا العمل القومي المهم مع جلب قرض من الخارج أو إقامة الطريق بطريقة «البوت»، وهنالك طرق تم توفير المكون المالي لها وطرحت العطاءات للشركات المنفذة وجمد العمل فيها لأسباب مجهولة كطريق الشيخ الطيب ود السايح الذي يخترق أهم منطقة إنتاج بالجزيرة. أما عن الزراعة وعلاقة مشروع الجزيرة وامتداد المناقل بالحكومة الاتحادية وهو من الأصول القومية وعلاقة حكومة الولاية المبهمة به فهذا هو موضوع الحلقة القادمة إن شاء الله سبحانه وتعالى.